** بينما كنت أكتب هذه السطور.. كانت مصر تحتل المركز السادس والأربعين فى قائمة الدول الحاصلة على ميداليات فى دورة الألعاب الأوليمبية فى لندن.. ورصيدنا هو ميدالية فضية واحدة، نالها لاعب السلاح علاء الدين أبوالقاسم.. وكانت القائمة الكاملة تضم 58 دولة، تتذيلها عدة دول لم تحصل إلا على البرونزيات.. وقد أدهشنى حالة الاحتفاء المبالغ فيها، والفرحة الطاغية لحصول اللاعب المصرى على الميدالية اليتيمة، التى لم يكن الواجب أن يكون إحساسنا تجاهها هكذا، بل كان من الواجب أن نشعر بكثير من الأسى والألم، خاصة أن ذات اليوم، الذى كنا نحتل فيه المركز 46، كان منتخب مصر الأوليمبي لكرة القدم، يخرج من المنافسات غير مأسوف عليه، خاسرا أمام منتخب اليابان، وهى دولة متقدمة، ومتحضرة، لا تعترف إلا بالعلم، والتخطيط للنجاح فى أى مجال.. الرياضة أو غيرها. لماذا كان يتعين علينا أن نشعر بالأسى على أن رصيدنا لم يتجاوز إلا ميدالية لاعب السلاح؟ وما هو هذا المبرر الذى يدفعنا إلى مثل هذه الفرحة الكبيرة بالحصول على ميدالية واحدة أو حتى ثلاث أو أربع ميداليات؟ هل وصل بنا الحال إلى حد أن نفرح لمثل هذا الإنجاز المتواضع بالقياس لما يحققه غيرنا من الدول ومنها مثلا إثيوبيا، التى تركز على ما تدرك جيدا أن لاعبيها سيحققون فيه الميداليات؟! المؤكد أن المسألة تحكمها عندنا حسابات معقدة وملتوية.. وهى ليست بالبساطة التى يتصورها البعض، ولذلك من الطبيعى أن يتم تخدير الناس مثلما جرى بالفعل بعد الميدالية الفضية، لأن هناك من يريد أن يروج لفكرة أن الرياضة المصرية حاضرة، وموجودة على الخريطة، وتحرز الميداليات، وهو غير صحيح بالمرة، فالحصول على ميدالية واحدة أو حتى أكثر هو دليل فشل.. وليس عنوانا للنجاح، فالدولة التى تنفق فيها الرياضة ملايين الجنيهات، ويتواصل الحديث قبل المشاركة فى البطولات، ومنها دورة الألعاب الأوليمبية، عن المنافسة القوية، والحصول على الميداليات، ثم تتكشف الحقيقة المؤلمة بأن أيًا من هذا لم يتحقق.. إلا قليلا، ويتوقف رصيدنا عند ميدالية أو أكثر، هو نوع من الضحك على الذقون، وهو تأكيد عملى.. وفعلى لحقيقة أنه ليست هناك رياضة بالمعنى المفهوم فى مصر.. كل ما فى الأمر أن هناك من يتشبثون بكراسيهم منذ سنوات، ويداومون إطلاق الوعود، ويتحدثون عن انتصارات لا تأتى، هم وحدهم المستفيدون من بقاء هذه الأوضاع المأساوية.. وعودوا بالذاكرة معى إلى سنين طويلة فى الماضى، لنكتشف أن الأصل هو الفشل، والسقوط.. والاستثناء هو الحصول على فتات الميداليات.. فيخرج من يعلق الزينات، ويطلق مباخر الإشادة بالإعجاز الذى تحقق، وهو لا بإعجاز ولا يحزنون!! لو كنا جادين حقا.. ولو كنا مدركين أن الرياضة المصرية تعوم فوق بحيرة من الفساد، لكان هناك من قرر أن يجهد نفسه بالتفكير من أجل مستقبل هذه الرياضة، ولبادر بالتخطيط لها، والبحث عن أفضل طريق لتقدمها، ولكن لغياب من يحاسب، ومن يعلق المشانق للفاشلين، واستبعاد المستفيدين، بقى الوضع على ما هو عليه.. وبات من المهم والضرورى أن تنطلق حملات الترويج للإنجاز الأسطوري الكبير بفوز لاعب بميدالية يتيمة!! هل من المفرح أن يتابع الناس كل يوم.. ومنذ انطلاق منافسات الأوليمبياد، السقوط المتتالى والمتوالى للاعبين فى هذه الرياضة.. أو تلك؟ هل من المعقول أن يأتى خروج أعضاء بعثتنا مثل سقوط العصافير البريئة من السماء؟ هل يعقل أن تتوقف مشاركة كثرة من لاعبينا على مباراة واحدة ثم يقطع كل منهم تذكرة العودة من لندن إلى القاهرة بأسرع مما يتخيل.. أو يتوقع الجميع؟ ألم يشعر أحد بالخزى والعار حين يحتل من تم اختيارهم للسفر مراكز متأخرة.. لم تقل عن الثلاثينات والأربعينات.. وربما أكثر؟ أى رياضة هذه؟ وأى مال هذا الذى يتم إنفاقه فى غير موضعه مع أن هناك من هو فى أشد الاحتياج إليه؟ أسئلة كثيرة لن تجد إجابة، لأن هناك من يهمه أن تبقى الأوضاع على ما هى عليه.. باعتبار أن الإصلاح سوف يكلف الكثيرين رحيلهم عن مواقع يحتلونها منذ سنوات.. كانوا وحدهم المستفيدين من هذا البقاء. الآن لم يعد من الممكن السكوت على هذه المهزلة، ولن تكفينا ميدالية أو ميداليتان أو حتى خمس.. فهذا أقل كثيرا مما تكبدناه من نفقات.. هل من المعقول أن يشارك المنتخب الأوليمبي فى منافسات كرة القدم، فيظهر على الدوام فى حالة مزرية ومؤسفة، رغم محاولات الإعلام المستميتة فى تجميل الصورة، وترويج الأكاذيب بأن المنتخب لعب شوطا جميلا أمام البرازيل، مع أن استهتار المنتخب البرازيلى فى الشوط الثانى، بعد أن سجل ثلاثية مع نهاية الشوط الأول، هو الذى منحنا فرصة تسجيل هدفين، وخرجنا خاسرين، فلم يمنع هذا من أن يقود البعض حملة للتطبيل، والتهويل بأن المنتخب كان رائعا ورهيبا، وهو ليس كذلك بالمرة، وهو نفس ما جرى أمام نيوزيلندا، حين بدا عاجزا، وتضيع منه الفرص تباعا، وعجز عن تحقيق الفوز، وهو أمر ليس فى مصلحته، بل إدانة له.. على غير ما روج له الإعلام المصرى الموقر.. فنحن أمام منافس من عينة فرق المدارس، وليس فريقا كرويا حقيقيا، وهو نفس ما ينطبق على منتخب بيلاروسيا، الذى وجدنا من يرفع المنتخب الأوليمبي إلى السماء بعد أن حقق الفوز عليه.. وهو فوز كاذب، تماما مثل الحمل.. لأن الحقيقة تكشفت عندما لعبنا أمام منتخب اليابان، وهو منتخب يمتلك شيئا من مقومات الكرة، وكانت صدمة الخسارة الثلاثية المستحقة.. لأن هذا هو مستوانا الحقيقى، ولم تكن هناك فرصة لتجميل ما حدث من شلل المستفيدين، ومروجى الباطل.. فهذا هو مستوى منتخب يستعد منذ شهور طويلة، ولعب ما يقرب من أربعين مباراة دولية، وجاب بلاد الدنيا فى الشرق والغرب، وأنفق الملايين، والنتيجة فى النهاية صفر كبير.. فهل تعرفون لماذا؟ لأنه لا أحد يعرف معنى أن تخطط لما تريد تحقيقه، ولو كنت قد سألت أى أحد له علاقة بهذا المنتخب من قريب أو بعيد، عما يسعى إلى تحقيقه، أو ما هو المركز الذى يسعى للوصول إليه، ما وجدت من يمنحك الإجابة، لأنه لا أحد يعرف.. وأتحدى، بل ربما لم يكن يهم أحدًا أن يعرف من الأصل، مادام كل شىء لا تحكمه إلا الفهلوة، والفكاكة، والعشوائية، إلى جانب وهو الأهم أن الكل يأمن العقاب.. لأن من يحاسب غير موجود.. والمال مال يتامى.. ويكفى المنتخب الأوليمبي خروجه فى النهاية بهذا اللقب الأثير.. وهو منتخب الشيشة العالمى!!