محمد معيط: المواطن سيشعر بتحسن أوضاعه المعيشية في 2026    نائب محافظ الجيزة يتابع مراحل تشغيل محطات رفع الصرف بأبو النمرس وحى جنوب    أوربان: إمداد أوكرانيا بالأسلحة يضعف الاتحاد الأوروبي بدلًا من تقويته    روسيا وإفريقيا تؤكدان ضرورة "التسوية العاجلة" للقضية الفلسطينية    استشهاد فلسطيني برصاص الاحتلال غرب جنين    وزارة العدل الأمريكية: لم ننقح أي ملفات لحماية ترامب عند إصدار وثائق إبستين    مبابي يقود هجوم ريال مدريد أمام إشبيلية في الليجا    من أكتوبر إلى نوفمبر.. كل ما تريد معرفته عن دوري الأمم الإفريقية    مصر الاستثناء التاريخي.. من كسر لعنة الدفاع عن لقب أمم أفريقيا؟    معاقبة سيدة بتغريمها 120 ألف جنيه بتهمة إرسال صورها لشاب بقنا    بيطري دمياط يحبط مخططات تجار الصحة ويُنفذ حملة موسعة على المطاعم والمجازر    عائشة بن أحمد في ندوتها بمهرجان القاهرة الدولي للفيلم القصير: دخلت عالم التمثيل بالصدفة    وزير خارجية بوتسوانا: المنتدى الروسي - الأفريقي منصة مهمة لتحديد أولويات التعاون    الإدارية العليا تواصل استقبال الطعون على نتائج انتخابات مجلس النواب 2025    منتخب مصر    تحسين حياة المواطن بالأقصر تتصدر اهتمامات البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة    محمد صبحي يكشف كواليس لقائه بأم كلثوم: «غنّت لي وحدي وأهدتني 50 جنيهًا»    ايمي سمير غانم تعلق على فكرة زواج حسن الرداد للمرة الثانية    موعد شهر رمضان 2026 «فلكيا»    وزير الخارجية يلتقى مفوضة الاتحاد الأفريقى للتنمية الاقتصادية والتجارة    تعادل بورنموث ضد بيرنلي وبرايتون مع سندرلاند في الدوري الإنجليزي    بدون إصابات.. إنقلاب جرار طوب أبيض أعلى كوبري طما بسوهاج    الدكتور محمد عبد العاطي وزير الري السابق يفتح ملف أمن مصر المائي في حوار مع «صوت الأمة»: القيادة السياسية لن تفرط في نقطة مياه واحدة.. والأمن المائي واجب وطني ومسؤولية جماعية    فولتماده: لا أعرف كيف تعادل تشيلسي معنا.. وجمهور نيوكاسل يحبني    تشكيل الزمالك - كايد في الوسط وعمرو ناصر يقود الهجوم ضد حرس الحدود    التنمية الشبابية بالجزيرة يعرض كاس أمم أفريقيا علي شاشة عرض عملاقة    وزيرتا التخطيط التنمية المحلية ومحافظ الأقصر يتفقدون تطوير كورنيش ومناطق إسنا التاريخية والسياحية    تشكيل الاتحاد السكندري لمباراة سموحة في كأس عاصمة مصر    الدكتور أمجد الحداد: المضادات الحيوية ممنوعة تماما فى علاج نزلات الإنفلونزا    النائب العام يوافق على رفع اسم علاء عبد الفتاح من قوائم الممنوعين من السفر    خلال 10 أيام.. التفتيش على 3605 منشآت يعمل بها أكثر من 49 ألف عامل    أهالى البلد اتبرعوا بسيارة هدية فوزه بالمركز الأول عالميا فى حفظ القرآن.. فيديو    رئيس جامعة بنها يحيل طبيبين بالمستشفى الجامعى للتحقيق    وزير التعليم العالي يشهد حفل تخريج أول دفعة من خريجي جامعة المنصورة الجديدة الأهلية    النبراوي أول نقيب مهندسين مصري يتقلد رئاسة اتحاد المهندسين العرب    أمن الجيزة يلقي القبض على "راقص المطواة" بالبدرشين    وزير الصحة يتفقد مستشفى الخانكة للصحة النفسية ويوجه بسرعة الانتهاء من أعمال التطوير    رئيس جامعة الأزهر: الجميع مع القرآن فائز.. والإمام الأكبر حريص على دعم الحفظة    محافظ أسوان يبحث توصيل الخدمات والمرافق ل40 مصنعا.. اعرف التفاصيل    تعليم جنوب سيناء تعلن جدول امتحانات الفصل الدراسي الأول لمرحلة الثانوية العامة صباحي ومسائي    «مصر للسياحة» تخطط لتطوير الفنادق التابعة والتوسع في تطبيقات التحول الرقمي    النيابة الإدارية تواصل تلقى طلبات التعيين بوظيفة معاون نيابة إلكترونيا.. المواعيد    حقيقة فيديو تجاوز إحدى الرحلات الجوية طاقتها الاستيعابية من الركاب    الكويت تحتفل بالذكري الثانية لتولي الشيخ مشعل الأحمد مقاليد الحكم .    بعد إعلان ارتباطه رسميا.. هذا هو موعد زفاف أحمد العوضي    رئيس هيئة التأمين الصحي في زيارة تفقدية لمبنى الطوارئ الجديد بمستشفى 6 أكتوبر    رئيس هيئة التأمين الصحى فى زيارة تفقدية لمبنى الطوارئ الجديد بمستشفى 6 أكتوبر    سحب 666 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    الدفاع الروسية: تحرير بلدتي فيسوكويه في مقاطعة سومي وسفيتلويه بدونيتسك    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : لعنة الله على تلك .. المسماة " ديمقراطية !?    «المنشاوي» يستقبل أسامة الأزهري وزير الأوقاف بجامعة أسيوط    محاكمة 37 متهما بخلية التجمع.. اليوم    بعد قليل، محاكمة عصام صاصا بتهمة التشاجر داخل ملهى ليلي في المعادي    متسابق دولة التلاوة: «أتزوج» لو فزت بالمليون جنيه    إزالة 10حالات تعد وبناء مخالف في الغربية    مواقيت الصلاه اليوم السبت 20ديسمبر 2025 فى المنيا    طائرات ومروحيات أمريكية تشن هجوما كبيرا على عشرات المواقع لداعش وسط سوريا    كل عام ولغتنا العربية حاضرة.. فاعلة.. تقود    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدعوي والديني "2"- العلمانية والدينية

اللغة طائر يحمل الأفكار على جناحيه، فإما وصل بها صافية لمتلقيها أو عانت جراء السفر فتصل شائهة متعبة.
عانت أفكارنا من عمليات التلفيق الواسع التي انتابت حركة الترجمة في القرن التاسع عشر، التي غلب عليها الانطباع دون التدقيق، فجرى إسقاط المفاهيم الشائعة غير الدقيقة على مصطلحات مستقرة ففقدت معناها.
ومن الأخطاء غير المغتفرة، وضع كلمة دين في اللغة العربية مرادفا لكلمة religion في اللغات ذات الأصل اللاتيني؛ بينما المضمون الفكري مختلف تماماً. فبينما تنحصر دلالات الكلمة اللاتينية ومشتقاتها في الجانب الشعائري والعقائدي، فإن الكلمة العربية ترسم صورة مختلفة قد تتسع أو تضيق عن هذا المعنى..
فأول دلالات كلمة الدين تتراوح بين ارتباطها بمعاني الحكم كالخضوع أو الإخضاع أو المحاسبة ومنها جاء تسمية يوم الدين؛ أو معاني التشريع الإلهي كقول الله تعالى "شرع لكم من الدين"، أو القانون الوضعي كقوله في سورة يوسف {ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله}، بمعنى قانون الملك.
وبالتالي فإن العبادات والعقائد تمثل جزءاً من دلالة كلمة الدين، لكنها لا تستغرقها ولا تستنفد معانيها.
ولذلك أثر مهم في فض الاشتباكات الفكرية التي تفترض أن ما يقوله طرف يتوافق أو يتناقض مع ما يقوله آخر، بينما قد يكون العكس تماماً هو الصحيح، إلا أن الوسائل اللغوية هي التي تختلف في أسلوبها لنقل المعاني.
فالدين في الفكر الغربي يشمل في أهم سياقاته الفكرية المؤسسة الدينية، وهي الكنيسة في الديانة المسيحية، والتي لا تُمثل معبداً فقط وإنما سياج معنوي يجمع رابطة المؤمنين وبوابة ينفذ منها الشخص إلى تلك الرابطة عن طريق طقس ديني مقدس هو التعميد.
ولا غنى للدين في هذا التصور الغربي عن رابطة مؤسسية تهيمن على حياة الفرد من الميلاد بالتعميد إلى الزواج بالتقييد إلى الوفاة، وفي خلال ذلك تفرض نموذجاً أخلاقياً لا يمكن للفرد أن يفلت منه وإلا خرج عن رابطة المؤمنين.
بينما لا يحتمل الدين في الفكر الإسلامي هذا التفصيل، بل يعتبره نقيضاً للدين، فلا يجوز أن تحتكر مؤسسة دينية تمثيل الدين أو فرض فهمها له أو محاسبة الناس على مدى التزامهم بالمانيفستو الأخلاقي الذي تقره من وجهة نظرها.
وأي مظاهر من ذلك وُجدت في عالمنا الإسلامي هي من الدخن الذي أدخله حكام مستبدون، حاولوا أن يتخذوا من الدين وسيلة للرقابة على شعوبهم وفرض الانقياد لهم لا الانقياد لله.
فمجرد وجود أشخاص منقطعين للدين يحددون ما هو الحلال وما هو الحرام اعتبره الإسلام شركاً بالله، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- رد على تساؤل كتابي سابق أشهر إسلامه عندما سمع قول الله تعالى {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله}، فقال ما كنا نعبدهم! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أليس كانوا يُحلون لكم ويحرمون عليكم فتطيعون؟ قال الرجل: نعم؛ فقال: تلك عبادتهم.
كلام شديد الوضوح في رفض احتكار الدين من أي جهة أو مؤسسة، وتركه بين دفتي الكتاب والسنة لكل آدمي تصل إليهما يداه؛ أما دور المؤسسات الدعوية فينحصر في حمل ذلك وتقريبه للناس دون السعي لفرض مفاهيم أي داعية على عموم الخلائق، وإلا وقع في المحظور صراحة.
ولذا انقضت ألف وخمسمائة عام لم يعرف فيها الإسلام لا مؤسسة دينية، ولا متحدثاً باسمه؛ فهو دين للعالمين من حيث حق الكافة في أن تتناوله وأن تصل إليه وأن تُطالعه وأن تعتنقه وأن تناقش تصوراته؛ ولا يُطالب أحد بحفظه إذ تكفل الله بذلك "وإنا له لحافظون".
فإذا انتقلنا إلى تحديد معنى العلمانية في الفكر الغربي فإننا ننتقل لمشكلة أخرى من مشكلات الترجمة اللغوية التي تمحو الدلالات الفكرية.
فالعلمانية لا علاقة لها بمعادة الدين، فحتى كلمة لايسيزم الفرنسية مصدرها كلمة λαϊκός اليونانية وتعني غير المشتغل بالدين وليس المعادي له؛ فالأمر يتعلق بتمييز بين اللائكي والكهنوتي le laos et le cleros، وليس بين الديني وضد الديني.
العلمانية جزء في البناء العقائدي الغربي نشأ بمقياسين ورؤيتين متمايزتين، لكنهما لا تنفصلان عن بعضهما. فمنذ أن نقلت الأناجيل عن المسيح عليه السلام "دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، بنى الغرب فكرته على أساس وجود سطلة زمنية تمثلت في الإمبراطور الروماني ومجلس الشيوخ وحكام الأقاليم، وسلطة دينية تمثلت في البابا والمجلس الكنسي والكرادلة في الأقاليم. فنحن أمام خطين متوازيين في الإدارة وفي القضاء منذ أقرت الإمبراطورية الرومانية المسيحية ديانة رسمية.
اقتضى ذلك أن يتوزع أتباع الرب وخدمته بين العالمين المتوازيين، فبينما القساوسة والكرادلة يخدمون الرب داخل منظومة الكهنوت فإن العلمانيين يخدمونه من خارج هذه المنظومة. وما حركة الإصلاح الديني إلا استعادة لهذا الفصل. فبعد أن تغوّلت الكنيسة على السلطة الزمنية، أصبحت جهة تعيين الأباطرة وعزلهم، جاء الإصلاح الديني ليعيد الوضع إلى أصله.
ولا علاقة لذلك بما يسمى بالفصل بين الدين والدولة، فالدين يبقى فاعلاً في مجمل العلاقات الاجتماعية، وهو ما يفك طلاسم في عقل البعض بسبب وجود أحزاب مسيحية تُدافع عن الفصل بين الكنيسة والدولة؛ فهي لا تشعر أنها تقوم بأمر يُناقض الدين الذي تجعله مرجعية لها بل هو دفاع عن صحيحه.
ويمثل تشريع الفصل بين الكنيسة والدولة الصادر سنة 1905 في فرنسا الكاثوليكية، أساساً مُجمَعاً عليه بين كل الفرقاء السياسيين، وهو ما انعكس في الدساتير الفرنسية باعتبار العلمانية واحدة من أسس النظام السياسي.
وإذا كان الدين شأن الكنيسة، فمن المنطقي أن تصبح الدولة حيادية إزاءه، فلا يجوز لها أن تفتي أو أن يكون لها مفتٍ في مسائل الدين، ولا أن تتدخل بتعيين الممثلين الدينين أو عزلهم، وهو ما جر أنماطاً أخرى تُعد نماذج للحيادية؛ بما فيها التزام الدولة بعدم دعم المؤسسات الدينية وترك مساحة واسعة لتلك المؤسسات لتدبير مواردها المالية.
فالعلمانية هي معادلة لإدارة المنطقة الوسط بين سُلطتين حتى لا تتغول أيهما على الأخرى، ولا يُمكن الاستغناء عن أي منهما في العقل الغربي.
ونتيجة للفصل بين الكنيسة والدولة، تصبح الدولة حرة في تقدير مدى الحاجة للاعتراف بدين آخر غير دين الأغلبية. ولا يتعلق ذلك برفض أو قبول اعتناق الأشخاص لدين معين، وإنما بمدى القبول بتكوين مؤسسات دينية قياساً على مؤسسة الكنيسة، فتُصبح الدولة ملزمة بتوفير أماكن للعبادة لمعتنقي الدين المعترف به وقبول إنشاء مدارس دينية لأتباعه؛ وهو الالتزام الذي لا يُثقل كاهلها إزاء الأديان غير المُعترف بها.
ومفاد ذلك أن العلمانية لا تُناقض الدين في العقل الغربي، كما أن الدين في الفكر الإسلامي غير مُضطر لتبني المفاهيم العلمانية لغياب الحاجة إليها، إذا جاءت كافة النظم العلمانية وليدة لحقيقة وجود مؤسستين متوازيتين، أحدهما دينية والأخرى دنيوية؛ بينما لا يعرف الإسلام ذلك، بل يُحرم تكوين أي مؤسسة دينية، وبالتالي فإن عدم تدخل الدولة في الدين، بمعنى عدم احتكاره أو استعماله لتبرير سياستها أو لأجبار الشعب على القبول بتصرفاتها أو بالخضوع لها هو أحد المفاهيم الإسلامية التي يُحاول المستبدون الالتفاف عليها عن طريق اصطناع مؤسسات دينية حكومية.
فالصراع بين ما هو علماني وما وهو ديني في بلادنا أشبه بمن فقد ماله في حارة مظلمة فذهب إلى شارع مضيء يبحث عنه. فلا يوجد صراع ديني علماني في الغرب، فالعلمانية جزء من مكونات الرؤية الدينية الغربية؛ كما لا وجود لأي أساس للفصل بين المؤسسة الدينية والدنيوية لدينا، إذ لا يسمح الإسلام بوجود مؤسسة للدين.
أما أولئك الذين يستعملون الدعوة في الصراع السياسي إنما يستدعون -بقصد أو بدون قصد- العلمانية كمعادلة تمنح الأطراف طمأنينة بأن الدعوة لن تكون ميزة لطرف في مواجهة الآخرين.
هذا المقال لا يعبر الا عن رأي كاتبه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.