الغريب حقا فيما جرى أن فرنسا هي أكثر الدول الأوربية رفضا لبقاء الأسد في أي حل سياسي! فانجلترا مستعدة لأن تقبل بوجوده لفترة انتقالية، وألمانيا بين هذا وذاك؛ تريد وجوده بدون صلاحيات! في العاشر من أكتوبر الماضي (منذ شهر تقريبا) صرح رئيس الحكومة الفرنسي لقناة العربية (السعودية) أنه لا حل في سوريا مع بقاء الأسد، وأن داعش تعد لهجمات ضد فرنسا!! ومن المعروف أن الأجهزة الاستخبارية تخبر بعضها بهذه الأشياء، وأن معلومة كهذه لا يمكن أن تصل إلى فرنسا إلا أن يكون لدولة ما دور فيما تقوم به داعش! ولم تأخذ فرنسا قرارا بضرب داعش في سوريا إلا مؤخرا عقب هجمات شارلي ايبدو، ودائما ما تؤكد أنها ليست عضوا في التحالف الدولي ضد داعش الذي تقوده أميركا. فلم الهجوم إذا على فرنسا بالذات دون بريطانيا التي تؤيد بقاء الأسد، أو إيران التي تفاوض في الزبداني نيابة عن الأسد! لم يقم التنظيم بهجوم واحد على إيران، ولا بهجوم واحد على إسرائيل، رغم أن رام الله والخليل أقرب بكثير من باريس، ورغم أن الإجراءات الأمنية في إيران من المؤكد أنها أيسر بكثير من الإجراءات الأمنية في استاد دو فرانس في باريس وقت وجود الرئيس! الأسد استقبل الأمر بتشفي وبعث رسالة "عزاء" لفرنسا يقول فيها: "بدأتم تعانون من الإرهاب الذي نعاني منه منذ خمس سنوات"، ولسان حاله يقول: مطالبتكم بأن أتنحى سياسة خاطئة تسببت في وصول الإرهاب إليكم! تنظيم الدولة ليس خارقا، ليقوم بكل هذه التفجيرات في هذا الإطار الزمني الضيق! في مصر بدأ يتضح تدريجيا أن تفجير الطائرة الروسية فوق سيناء كان من المخطط له أن يحدث بعدها بساعتين أي فوق تركيا (وفق صحيفة الديلي ميل)، مما يفتح الباب لاحتمال تورط السيسي والإمارات وروسيا نفسها في هذا الحادث، لجر تركيا مجددا في المستنقع السوري بعد أن فشلت ثلاث محاولات سابقة (عين العرب كوباني - تفجيرات سروج - انتهاك روسيا المجال الجوي التركي) وتفجيرات لبنان مفهومة، حيث يقتل حزب الله في السوريين منذ 3 سنوات واللاجئون السوريون إلى لبنان يعاملون بامتهان وطائفية (كلنا يذكر أزمة عرسال).. ولا بد أن هناك لاجئون غاضبون من الحزب وراغبون في الثأر والانتقام. وذبح الأقباط المصريين من قبل في ليبيا كان ذريعة لتدخل السيسي عسكريا هناك، لا ليقاتل "داعش الإرهابية" وإنما ليقاتل مجلس شورى ثوار درنة ومجلس شورى ثوار بني غازي الذين يحاربون داعش التي يدعي محاربتها!! *** الخلاصة: هجمات فرنسا يستفيد منها الأسد والسيسي وكل سفاح بالمنطقة يريد أن يقول للغرب لا يوجد إسلامي معتدل ولا حل معهم إلا الانقلابات العسكرية والبراميل المتفجرة وغاز الخردل الذي يعد من أسلحة الدمار الشامل!! وهناك من يريد فيما يبدو أن يغير موقف فرنسا من موضوع بقاء الأسد، وأن يتركز المجهود الدولي لمحاربة داعش وجبهة النصرة فقد دون إسقاط نظام الأسد، كما قررت مسودة اتفاق فيينا أمس!! وفي الوقت نفسه هناك من يريد أن يبعد أي وجود عسكري فرنسي في سوريا، كما تم استبعاد روسيا من الكعكة في ليبيا في 2012! ومن ناحية ثالثة هناك من يريد أن يغير الرأي العام الأوربي من التعاطف مع اللاجئين السوريين إلى الرفض الشعبي لهم، للضغط على حكوماتهم لاتخاذ قرارات تريد أطراف كثيرة في أوربا اتخاذها بالفعل؛ من منع المهاجرين من دخول أراضيها وإغلاق الحدود في وجوههم، سواء بدفع الحكومة لهذه القرارات أو التأثير على الناخب الفرنسي قبل الانتخابات (انتخابات الإقليمية الفرنسية بعد شهر والانتخابات الرئاسة الفرنسية بعد عام)، وسنحت لهم الفرصة بإعلان أجهزة الأمن أن أحد منفذي العمليات هو لاجئ سوري قادم مع اللاجئين! لذا من غير المستغرب أن يفوز اليمين بكل أفكاره العنصرية ضد اللاجئين في الانتخابات القادمة مهما ادعى اليسار الحاكم من أنه سيشن حربا لا هوادة فيها ضد داعش! لذا فمن غير المستغرب أن فرضت فرنسا إجراءات إضافية على حدودها وتوقف العمل باتفاقية شنجن التي تقضي بحرية الحركة داخل الدول الأوربية، لمنع تدفق اللاجئين إليها بما يحملونه من ضغوط اقتصادية وتهديدات ديموجرافية! ضفوط اقتصادية على اقتصاديات تعاني، وتهديدات ديموجرافية، ترى فيها "أوربا المسيحية" خطرا عليها من مئات الألوف من المهاجرين المسلمين! هذا المقال لا يعبر الا عن رأي كاتبه