تعد السيطرة على وسائل الإعلام أحد أبرز معالم الأنظمة الديكتاتورية وتبذل هذه الأنظمة الغال و النفيس من أجل تحقيق هذا الغرض . إبان عهد المخلوع حسني مبارك لم تتحول الصحف المصرية الخاصة أو التي تطلق على نفسها " مستقلة " إلى "بوق " صريح للحكومة لكن بقي هناك خطوط حمراء لا تتجاوزها و حافظت على مسافة بينها و بين النظام ، و تحولت هذه الصحف بعد الثورة لشن حملات الهجوم ضد الإسلاميين و على رأسهم الإخوان . بعد انقلاب الثالث من يوليو تحولت جميع الصحف الخاصة إلى أداة في يد النظام و انطلقت تؤيد النظام و تروج لأفكاره . اتبعت الصحف الخاصة بعد الثالث من يوليو عدة وسائل لخداع القارىء عن طريق ترجمة المقالات والتقارير التي تنشرها وسائل إعلام عالمية تتحدث فيها عن مصر منها الإستعانة بمقالات اليمين المتطرف المعادية للإسلام و الذي دائم الثناء على السيسي السيسي ، و عمل لقاءات صحفية مع كتابها ، و فبركة التصريحات المنسوبة إلى كتاب يمينيين ، و اجتزاء الترجمة وعدم التصريح أو الإشارة إلى الإنتقادات التي يوجهها اللإعلام الغربي إلى السيسي أو مشاريعه الإقتصادية هذا التقرير يكشف كيف فبركت صحف خاصة تقريرين نشرتهما صحيفتي " الإندبندنت " ، " فوربس " حول قناة السويس و إنجازات السيسي . بتاريخ 2-8- 2015 نشرت صحيفة الإندبندنت البريطانية مقال بعنوان " تجمع للشخصيات الهامة في حفل افتتاح القناة الثانية و لكن تبقى شكوك حول الأمن " و وضعت الصحيفة عنوانا فرعياً " القناة مصدر للفخر الوطني لكن هل هناك حاجة لها؟" أشادت "اندبندنت"في الجزء الأول من المقال بحفر 35 كيلو متر كتفريعة جديدة وإزالة بضع مئات الملايين الأمتار المكعبة من الرمال كجزء من مجموعة مشروعات ضخمة لتنشيط الإقتصاد المصري . و أشارت الصحيفة إلى شدة تفاؤل الحكومة بتوقعها بتضاعف العائد الحالي - 3.2 مليار استرليني – إلى 8.5 مليار استرليني بحلول عام 2023 و توضح الصحيفة أن الحقيقة ربما تخالف هذا التفاؤل الشديد إذ تعتمد حركة الملاحة ف القناة على حركة التجارة المنخفضة أصلا منذ 2005 وذكرت الصحيفى أن المسؤولين المصريين لم يفصحوا عن مصدر توقعاتهم المرتفعة لكن مهاب مميش قال :"إنها تقديرات خبراء عالميين" و نقلت الصحيفة عن المحلل المالي حسام أبو الغول القول بأن أي أرقام تصدرها الحكومة هي توقعات متفائلة إذ انه من غير المتوقع أن تزداد الإيرادات بشكل كبير ، كما أن القناة القديمة تعمل بأقل من طاقتها. وبالنظر إلى ما ترجمته الصحف " الخاصة " عن اندبندنت نجد أنها قد تجاهلت تماماً أكثر من نصف التقرير و لم تشر إلى أي شئ منه فاختارت المصري اليوم عنوان " إندبندنت»: قناة السويس الجديدة «رمز للفخر الوطنى» " ولم تشر من قريب أو بعيد إلى الإنتقادات التي وجهتها الصحيفة إلى المشروع و جدواه الإقتصادية أما صحيفة الوطن قد تجاهلت جميع الإنتقادات الموجهة للمشروع كلية مكتفية فقط بنقل تخوف الصحيفة من حدوث عمليات إرهابية أثناء الإفتتاح. و اكتفت صحيفة " فيتو " بتقرير مختصر بعنوان " "الإندبندنت": قناة السويس الجديدة رمز لقدرة المصريين على الإنجاز نموذج آخر على تضليل القارئ هو مقال لكاتب رأي متخصص في الإقتصاد بمجلة "فوربس" الأميركية أكبر المجلات الإقتصادية على مستوى العالم بعنوان " إنجاز قناة السويس يظهر التقدم الإقتصادي – لكن ماذا عن الأمن؟ " أثنى الكاتب فيه على حفر التفريعة الجديدة ورأى أنه خبر اقتصادي هام مشيراً إلى توقع الحكومة بزيادة عدد السفن المارة يومياً من 49 إلى 97 ،لكن الكاتب قال إن الحكومة في مصر ليست منتخبة وهي التي أطاحت بحكومة الإخوان ، و تم الحكم على كبار الشخصيات في الإخوان بأحكام عدة من بينها عقوبات الإعدام ، و هذه البيئة تزيد من تجنيد المتطرفين. ورأى الكاتب أنه ليس من السهل أن يطور السيسي الإقتصاد عن طريق الديكتاتورية كما فعل حسني مبارك و ختم الكاتب بالقول " هؤلاء الذين يأملون في مستقبل أفضل لمصر ربما يكونوا على صواب فإنجاز قناة السويس سوف يساعد على تقديم مصر لنفسها على المسرح الدولي إذ تتجه البلاد إلى الإتجاه الصحيح لكن يجب ألا يتم نسيان أن الإستقرار هش " تشابهت ترجمة الوطن ، و المصري اليوم واليوم السابع للتقرير إلى حد كبير ، و هو ما يدعو إلى التساؤل عن كيفية حدوث ذلك ، و كالعادة تجاهلت هذه الصحف الإنتقادات التي وجهها الكاتب لنظام السيسي من قمع للحريات وهو ما يؤدي إلى زيادة التطرف ،كما أن الثلاث صحف نسبت ما جاء بالمقال إلى " فوربس " و هو ما يخالف الأعراف المهنية من أن محتوى المقال يعبر عن رأي كاتبه و ليس رأي المؤسسة التي قامت بنشره ، و هو ما تحرص عليه معظم المؤسسات الصحفية و تتعمد " فوربس" كتابة ذلك بجوار اسم الكاتب كما يظهر في الصورة ووصفت الصحيف الثلاث كاتب المقال " كريس رايت " بأنه محلل اقتصادي بالمجلة لكن بالدخول إلى السيرة الذاتية للكاتب نجد أنه صحفي حر "Freelance " و لا ينتمي للمجلة إذ يعرف نفسه بأنه صحفي حر متخصص يهتم بالأعمال و المال . وحذفت اليوم السابع آخر فقرة في المقال ، حيث قالت : "واختتم المحلل الأمريكى مقاله بالقول إن أولئك الذين لديهم أمل فى مستقبل أكثر إشراقا لمصر ، قد يكونون على حق ، مؤكدا فى الوقت ذاته أن مشروع قناة السويس الجديدة، يعد إنجازا كبيرا، وسوف يساعد مصر على أن تقدم نفسها على الساحة العالمية باعتبارها ماضية قدما فى الاتجاه الصحيح. " و لم تكمل الفقرة إلى نهايتها و هي " لكن يجب ألا يتم نسيان أن الإستقرار هش "