على الرغم من الضجيج الهائل والمصطنع الذي يروجه قطاع من الإعلام المصري عن الاهتمام العالمي الكبير بقناة السويس الجديدة ، أو التوسعة الجديدة ، أو التفريعة الجديدة ، حسب الوصف الذي تختاره ، وحسب موقعك السياسي من النظام الحالي ، إلا أن القليل من الإعلام العالمي في الحقيقة يهتم بهذا الموضوع ، في إشارة ضمنية إلى ما يمكن وصفه بالانطباع الضعيف عن قيمة المشروع أو أهميته أو جدواه ، وقد نشرت صحيفة الاندبندنت البريطانية تقريرا لمراسلتها "روث مايكلسون" التي زارت مدينة الإسماعيلية التي ستشهد الاحتفالية الكبيرة بالمناسبة ، ونشرت تقريرها تحت عنوان : "قناة السويس الجديدة هدية مصر للعالم لكن هل هناك حاجة فعلية لها ؟" ، وتعبير "هدية مصر للعالم" مقتبس من الدعاية المصرية الواسعة التي أطلقت على المشروع طوال الشهور الماضية ، حيث وصف التقرير القناة الجديدة بأنها مجرى ملاحي بطول 35 كيلومتر ، يسمح بازدواجية حركة مرور السفن في تلك المنطقة ، ويتساءل التقرير بوضوح : ما الجدوى من هذا المشروع الذي تسوقه الحكومة المصرية على أنه مشروع ضخم . يضيف التقرير أن الحكومة المصرية قدمت تقديرات شديدة التفاؤل لعائدات المشروع بحيث يزيد من عائدات قناة السويس السنوية الحالية أكثر من الضعف بحلول عام 2023 ليرفعها من نحو 3.2 مليار جنيه استرليني حاليا إلى نحو 8.5 مليار جنيه استرليني ، بيد أن الجدوى من المشروع بحسب التقرير قد لا تكون بهذا الحجم في الواقع حيث تعتمد حركة الملاحة في قناة السويس على مرور حاويات النفط والغاز المسال من الشرق الأقصى والشرق الأوسط باتجاه أوروبا مشيرة إلى أن حجم التجارة العالمية والأوربية بشكل خاص في تراجع مستمر منذ العام 2005 . وتقول روث مايكلسون إن المسؤولين في الحكومة المصرية عندما سئلوا خلال جولة في المشروع نظموها الأسبوع الماضي لبعض الشخصيات الاقتصادية عن مصدر هذه التقديرات لعائدات المشروع لاذوا بالصمت !! . ونقل التقرير عن حسام أبو جبل المحلل الاقتصادي في معهد الشرق الأوسط قوله "أي حكومة تتوقع الحد الأقصى لعائدات مشاريعها لكن التوقعات ترجح عدم نمو التجارة العالمية حاليا بشكل ضخم للسماح لقناة السويس باستضافة ضعف السفن التى تمر فيها حاليا" ، مضيفا : "قناة السويس لا تصل حركة المرور فيها حاليا للحد الأقصى المتاح حيث إنها تعتمد على السوق الأوروبي المتراجع منذ سبعة أعوام". وقد أشار تقرير الاندبندنت أيضا إلى مخاوف من نشاط تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي في سيناء وإمكانية تهديده للمجرى الملاحي ، إلا أن السلطات المصرية بحسب التقرير قللت من هذا الخطر وأكدت على سيطرتها الأمنية الكاملة على المنطقة . هناك الكثير من التحليلات العلمية التي نشرت في صحف ومواقع الكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي ، لخبراء ، كلها تقريبا يجمع على أن الحديث عن عائدات مضاعفة للتفريعة الجديدة هو كلام مبالغ فيه جدا ولا يتصل بالواقع ولا بدراسة علمية حقيقية ، حيث يوصف التضخيم بأنه ضجيج إعلامي وتسويق سياسي لا أكثر . والطريف أن نشطاء نقبوا في تاريخ القناة الحديث ، فوصلوا إلى تفريعة أخرى كان الملك فاروق قد أنشأها للقناة عام 1949 ، والمدهش أن الصحف وقتها وصفتها بأنها "القناة الجديدة" ، وهو ما يشير إلى دور الإعلام "المجامل" في تضخيم الأحداث أو صناعة الأوهام . ردود الفعل العنيفة والخشنة للغاية من أنصار الرئيس السيسي على أي مقال أو تعليق صحفي أو تليفزيوني أو إذاعي يقلل من شأن المجرى الجديد تكشف عن توتر وقلق ، وهو امتداد للتوترات الناشئة عن الانقسام السياسي في البلد ، والذي يجعل البحث عن نقاش علمي أو حوار جاد حول الاقتصاد والتنمية والمشروعات الجديدة أمرا مستحيلا ، والوطن كله سيدفع ثمن هذا الاستقطاب وما يصاحبه من غياب المعلومات وغياب الحقائق وغياب الجدية في التفكير والتحليل ، وتلاشي الخطوط الفاصلة بين الولاء للأشخاص والولاء للأوطان .