الدكتور حازم الببلاوى رئيس الوزراء السابق تحدث رئيس وزراء مصر السابق د. حازم الببلاوي مع «البيان» حول طبيعة الوضع الاقتصادي في مصر وآليات تحقيق التنمية عبر شراكة أو تحالف عربي. شغل الببلاوي منصب رئيس مجلس الوزراء في مرحلة استثنائية جداً من تاريخ مصر، عقب ثورة 30 يونيو 2013، التي أسقطت حكم الإخوان المسلمين وأفرزت تحديات بالجملة على عاتق السلطات المصرية، وتمكن خلال تلك الفترة أن يواجه عواصف الجدل التي دارت حول القاهرة، بكل قوة وبثبات. هو صاحب فكر ومرجعية اقتصادية دفعت لوضع يديه على أساس المشكلات. ويرصد الببلاوي في حواره مع «البيان» أبرز الفرص الضائعة من المصريين خلال السنوات الثلاث الماضية، كما تحدث عن تهديدات تنظيم الإخوان المسلمين، وتأثيرها على المشهد المصري. وفي ما يلي تفاصيل الحوار بين «البيان» والببلاوي والذي يدخل في عمق التحديات الاقتصادية والحلول المنظورة: ذكرت في إحدى مقالاتك أنّ كل المصريين مسؤولون عن الأوضاع التي وصلنا إليها، برأيك ما هي الفرص الضائعة خلال السنوات الثلاث الماضية التي أعقبت ثورة 25 يناير 2011؟ ما ذكرته كان مقصوداً به أن البلاد لا تُحدث تقدماً إلا من خلال تحمل المسؤولية وعدم إلقاء التهم على الآخرين. وفي سياق التقصير والفرص الضائعة، فنحن لدينا قائمة طويلة وبنودها كثيرة في هذا الإطار، أولها أن مصر فرضت التعليم الإجباري منذ العشرينيات حتى الآن ورغم هذا نسبة الأمية مرتفعة، كذلك قضية السكان التي ظلت بلا مراجعة أو تقنين، هذا إلى جانب النظام السياسي الذي لم يتعاون أو يساهم في حل الأزمات والنظر لحال الشعب والمواطن المتدهور. ولابد من التأكيد خلال الفترة الراهنة، أنه علينا جميعا العمل وأن نكون مسؤولين بحق عن أفعالنا، ونؤمن بأن النتائج تحقق بقدر العمل، كما أن الحياة تؤخذ بالعمل الجاد والعرق والدموع أحيانا، فنحن أمام مستقبل شاق، وأعتقد أن هذا أمر واضح للجميع. ما هي أبرز التحديات الاقتصادية التي تواجهها مصر؟ هناك نوعان من القضايا: الأول، القضايا الهامة. والثاني، فهو القضايا العاجلة. أما القضايا الهامة فلابد أن نوليها كل الاهتمام، ولكن المشكلة أن القضايا العاجلة لا تقبل التأجيل أيضا، مثل أزمة نقص الوقود وتلفيات محطات الكهرباء، فهذه قضية عاجلة، لابد من حلها في الحالي، كذلك الأزمة الأمنية، فجميعها متطلبات لابد من حلها والتصدي لها.. وبصورة فعلية ترسيخ الوقت والجهد لحل القضايا العاجلة، ولا ننسى أن البلاد لا تتقدم إلا من خلال رؤية بعيدة النظر تدرك ما تحتاجه للأجيال المقبلة، حيث إن هناك قضايا كبرى لابد أن يتم وضع حلول لها حتى لو على الأمد البعيد مثل قضية السكان. وما هي أبرز الحلول العملية في هذا الصدد لإنقاذ الاقتصاد المصري؟ لابد أن نلفت إلى أنه لا توجد دولة تتقدم دون اقتحام مجالي الصناعة والتكنولوجيا، الصناعة الآن عالمية، لهذا لابد من التنسيق بالتحالف والمشاركات مع عدد من الدول التي لها باع في هذا المجال، كما أن كلمة الصناعة واسعة، فكل صناعة لها متطلباتها، وعلينا التوجه إلى الصناعات التي لها مستقبل وفي صعود حتى تعود علينا بفائدة جيدة اقتصادياً. وحتى يتم تنفيذ هذه الخطوات، لابد من تكوين كوادر فنية في المجالات والقطاعات المتعددة إلى جانب التطوير التكنولوجي، وحتى تتم هذه المراحل لابد من الاهتمام بقضية التعليم، ومن هنا نصل إلى الخلاصة، وهي أن جميع القضايا متشابكة ومترابطة معا وعلينا السير في جميع الطرق بالتوازي؛ حتى نصل لنتائج مرضية تحقق التنمية المطلوبة. كذلك علينا أن نعترف، أردنا أم لم نرد، أن العولمة تزداد في العالم، وستزداد خلال السنوات المقبلة ولن تستطيع دولة الانزواء والانغلاق على نفسها، وعلينا أن نفصل بين الأيديولوجيات والمصالح، كما لابد أن ننفتح على العالم بأطيافه المختلفة. في هذا الإطار، ما تقييمك لأداء حكومة المهندس إبراهيم محلب؟ ومدى تعبيرها عن تلك الحلول؟ حكومة المهندس محلب تقوم بعمل جاد وشاق، وتنتبه للقضايا العاجلة دون إهمال القضايا الهامة، مثل محاولاتها لحل أزمة الكهرباء التي اجتاحت مصر، وإعادة الانضباط للشارع، وكذلك محاولات حل أزمة الدعم التي ساهمت في الاختلال الشديد في الاقتصاد لعقود طويلة، والذي لا يمكن أن تتحمله الميزانية في المستقبل. البعض يستغل الأوضاع والأزمات للتنديد بأداء الحكومة.. كيف ترى تأثير ذلك على الدولة والشعب؟ أرى أن الانتقاد أمر طبيعي، ولكن إن كانت الرغبة من وراء هذا الانتقاد إضعاف البلاد وقوتها فهذا أمر مرفوض، حيث إن جميعنا بشر والخطأ وارد، ولكن الانتقاد لقلب الأوضاع أو زرع تخوفات في الدولة فهذا مرفوض ولابد من حسم الحكومة والدولة له. ذكرت أنه لابد من تكوين تحالفات لتحقيق تنمية اقتصادية، وهذا يحيلنا للتساؤل أين تكمن مصالح مصر الاقتصادية ومع من؟ الخطوة الأولى، لابد من إدراك أن مصر تعتبر جزءا لا يتجزأ من العالم، كذلك الانتباه إلى أنها في موقع إقليمي هام وهو المنطقة العربية، حيث إن المنطقة العربية مليئة بالفرص والإمكانات والموارد، وهي غير مستغلة. وانطلاقاً من هذا، لابد من تحقيق التكامل في الاقتصاد العربي، بما يجعل من المنطقة في مجموعها قاعدة اقتصادية تساعد في الاقتصاد العالمي بكفاءة وقدرة، كما أنها ستعود على الدول العربية اقتصادياً وسياسياً، حيث إن الدول ذات الاقتصاد القوي يكون لها ثقل سياسي، وهذا ما نحتاجه في المرحلة الراهنة. قناة السويس وحول آليات معالجة الوضع الاقتصادي، كيف ترى مشروع تنمية قناة السويس، الذي أطلقه الرئيس عبدالفتاح السيسي، وتمكن المصريون من تمويله بشهادات الاستثمار في وقت قصير جداً؟ مشروع قناة السويس من المشروعات العملاقة جداً، والذي من المرتقب أن يأتي بعوائد هائلة، ويدفع إلى تنمية الاقتصاد المصري بصفة عامة، ما يؤدي إلى معالجة عجز الموازنة، والتصدي لذلك العجز.. وأشيد بالدعم الشعبي لذلك المشروع القومي، إذ تمكن المصريون في تمويله في أيام قليلة، عقب تشجيع الحكومة وتحفيزها للمصريين. تهديدات الإخوان ألا تعتقد أن العمليات الإرهابية وأعمال العنف في مصر تعيق تلك الرؤى المتعلقة بالتنمية الاقتصادية؟ أي تقدم اقتصادي لابد أن يكون أساسه الأمن والاستقرار في أي بلد، ومصر قطعت أشواطا من خريطة الطريق المصرية، بالاستفتاء على الدستور في يناير الماضي، فضلًا عن إجراء الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الرئيس عبدالفتاح السيسي بينما تستعد للانتخابات البرلمانية، ثالث وآخر استحقاقات خريطة الطريق، وكل ذلك يدفع باستقرار وأمن مصر. البعض يتخوّف من وصول الإخوان للبرلمان، كيف ترى الأمر؟ أعتقد أن الإخوان لن يصلوا إلى البرلمان، خاصة في ظل الوعي الشعبي المتواجد حاليا، كما أن هناك جهودا حزبية مدنية للتوحد والتحالف في الانتخابات لمنع وصول الإخوان. وبرأيك، ماذا عن دعوات المصالحة التي يدعو إليها البعض؟ المصالحة مرهونة بما حدده الرئيس السيسي برغبة الشعب المصري، وتخلي الإخوان عن أعمال العنف والإرهاب، والتوقف عن محاولات هدم الدولة المصرية. ضرورة تحويل التعاون المصري الخليجي إلى تحالف اقتصادي واضح شدّد د. حازم الببلاوي على أنّ العلاقة مع الولاياتالمتحدة لا يجب أن تقف أمام الخلاقات وشدّد على تطوير العلاقة مع روسيا إلى «أبعد مدى» لكن دون أن يكون الأمر استبدالاً لعلاقات مع دولة أخرى. ورأى الببلاوي ضرورة تحول التعاون المصري الخليجي إلى تحالف اقتصادي واضح. وسألت «البيان» الببلاوي عن العلاقات المصرية الروسية وعن العلاقات مع واشنطن ومع أنقرة ومع دول الخليج، فكانت الإجابات التالية: ماذا عن التقارب المصري الروسي؟ روسيا دولة مهمة ويجب أن تتخذ علاقتنا بها كل المدى في التطوير، مع الانتباه إلى عدم القيام بإحلال وتبديل دولة مقابل دولة. لا أعتقد أن هذا في مصلحة مصر أو مصلحة روسيا، ولابد للتعاون في كافة المجالات مع كافة الدول، ولا يجب أن يتم التحالف بغرض تكوين تحالفات ضد بعضها البعض في العالم. وماذا بالنسبة للعلاقات المصرية الأميركية؟العلاقة مع الولاياتالمتحدة يعود عمرها إلى أكثر من 30 عاماً وعلى الطرفين أن يحرصا عليها. أرى أن الخلافات لا تعد عائقاً لاستكمال مسيرة العلاقات، فهذا أمر جائز في علاقات الدول مع التشديد على ما يحترم سيادة مصر ومكانتها. البعض طالب بمقاطعة تركيا اقتصادياً وسياسياً، على خلفية تطاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.. كيف ترى العلاقات مع تركيا في ضوء التحالفات التي تحدثت عنها؟ تركيا دولة هامة في المنطقة ولها تاريخ كبير، ومن الواضح أن الحكم الحالي في تركيا له ارتباطات أكبر بجماعة الإخوان المسلمين، حيث هناك تقارب فكري وسياسي وهذا ما يخلق قدراً من التوتر، مع هذا ينبغي أن ندرك أن الخلافات في الوضع السياسي وليس على المستوى الاقتصادي، كذلك على الدولتين محاولة تسوية الخلافات. لابد للانتباه أن الدول تسعى وراء مصالحها، حيث لا توجد دولة تسعى وراء قضية خاسرة، وعلى مصر أن تحقق التقدم على الأرض، وهو ما يدفع أية دولة إلى السعي وراء مصالحها للتعامل والتنسيق معها. وكيف ترى أهمية التعاون مع دول الخليج.. على وجه التحديد على الصعيد الاقتصادي؟ هناك مجالات واسعة ومهمة للتعاون بين مصر ودول الخليج، خاصة عقب ما شهدته العلاقة بين مصر والخليج، عقب ثورة 30 يونيو 2013، ومن المهم أن يتحول ذلك التعاون إلى تحالف اقتصادي واضح، من منطلق أهمية منطقة الخليج.. وعلى الحكومة المصرية أن تقوم بتشجيع المستثمرين العرب خاصة الخليجيين للاستثمار في مصر، في شتى القطاعات المختلفة. إشادة بالإمارات أشاد د. حازم الببلاوي بالدور القوي الذي لعبته دولة الإمارات في دعم ومساندة مصر عقب ثورة 30 يونيو 2013، مشدداً على أهمية توسيع قاعدة التعاون بين البلدين لاسيما على الصعيد الاقتصادي.