ندخل العام الجديد والأكيد أن الأمور ليست على ما يرام، فى مختلف نواحى الحياة بالنسبة لغالبية المواطنين، وهو الأمر الذى لم نقف عنده بشجاعة حتى هذه اللحظة، لنفهم ونتفهم أسباب ذلك، طبعا لا مانع مطلقا من الموافقة على الاتجاه العام الذى يقول صراحة إن المشكلة الكبرى فى عدم تمكن الثورة من الحكم حتى الآن، وهذا صحيح لدرجة كبيرة، لكن هناك تفاصيل يجب الالتفات إليها والإشارة إلى مضمونها، ليس فقط لتفسير عدم حكم الثورة حتى هذه اللحظة، وإنما لتفسير التخبط وسوء الأوضاع بشكل عام حتى الآن، والذى أراه صراحة فى عدم كفاءة غالبية الذين قاموا على شئون مراحل التغيير المختلفة. المذهل حقا، أن عدم الكفاءة انسحب على الجميع تقريبا، وأينما كنت أو أيا كانت زاوية الرؤية، أو المعسكر الذى ينتمى له أى مواطن يستطيع أن يكتشف بسهولة عدم كفاءة قادته ورجال إدارته، وهذا ينسحب على كل الاتجاهات والقوى، فالذى ينتمى لمعسكر الإسلام السياسى يكتشف بسهولة تخبط سياسات الذين قادوه، غلظة ما قبل الحكم، وفشل وهمجية فى أثناء الحكم، وتفكك وجنون بعده، وهذا ما استمروا فيه حتى الآن، ولا يمكن محاسبة أنصار هذا التيار على شىء، فغالبيتهم مثل بقية المواطنين كانوا يرغبون فى حياة أفضل، ولا يمكن تحميلهم المسئولية عما يحدث الآن، أو ما حدث من قبل، فهؤلاء من البسطاء المخلصين لفكرتهم ولقادتهم، والذين فى اعتقادى أفسدوا كل شىء، وفى مقدمة ما أفسدوا، أفسدوا حياتهم ومستقبل أنصارهم برعونة غريبة، وهو نفس الشىء الذى ينسحب على قادة التيار المدنى، أو قادة الأحزاب السياسية المدنية، سواء الأحزاب القديمة مثل الوفد والتجمع وغالبية القوى الناصرية، أو الأحزاب الجديدة مثل الديمقراطى الاجتماعى والمصريين الأحرار والدستور، بدءا من عدم إقناع الجماهير بوجودهم أثناء الاستحقاقات الانتخابية، أو بعد عزل الرئيس المنتخب، والذين شاركوا فى انتخابه ودعمه، ثم لم يتمكنوا من الضغط عليه وإقناعه برشادة الحكم، وهم حتى الآن لا يملكون أية أفكار كبرى لانتقال البلاد لمرحلة أكثر هدوءا وإنتاجا، ولم يفسحوا الطريق لأى مستقبل حقيقى. ويبقى من المؤلم كذلك، أن نشير إلى شباب النشطاء الذين احتفى بهم الجميع وساندوهم وشجعوهم على التقدم نحو تحقيق مطالب الثورة، والذين انفرط عقدهم مبكرا للكثير من الأسباب، لكنهم لم يتمكنوا من صد محاولات هدمهم، وهو ما تحقق سريعا لمن أرادوا ذلك، فشهدنا عقب الثورة مباشرة، مئات التحالفات والائتلافات، والتى غالبا لا علاقة لها بالثورة، ليختلط الحابل بالنابل، ولم نعرف إلى أين تمضى مركب الثوار، حتى تمكن تحالف الأشرار وائتلاف حكم الماضى من شيطنتهم بسهولة، لتخلوا الساحة تماما أمام قوى وقيادات لا نعرف من أين جاءت ولماذا جاءت. لا يمكن تجاهل الكفاءة فى أى عمل من الأعمال، بما فى ذلك إدارة أى جزء من الدولة، فما بالنا والمرحلة التى تعيشها مصر صعبة حقا، وتحتاج إلى ما هو أكثر من الكفاءة، فالتغيير يحتاج إلى إبداع وخيال وقوة، وجميعها عناصر غير موجودة، ولا أبالغ إذ قلت إن كل القوى فى مصر تحتاج فعلا لتغيير قيادتها أولا لصالح الأفضل والأكفأ، وثانيا للراغبين حقا فى تفعيل الثورة وتحقيق أهدافها، أما حالة الرخاوة التى نعيشها، المستسلمة للفساد المستتر، فلا يمكن أن تذهب بنا أبعد لما نحن فيه الآن.. وكأن هذا ما يهدفون إليه فعلا.. فعلا لا أمل إلا بإفساح الطريق لأصحاب الأفكار الجديدة المؤمنة والمخلصة للثورة التى أعلنها الشعب منذ ثلاثة أعوام ولم ير أيا من أهدافها حتى الآن.