عبد الحميد كمال تجاهل المحليات أصبح هو العنوان " المسكوت عنه " إثناء إعداد الدستور الجديد حيث تجاهلت لجنة الخمسين وامتد ذلك إلى الفضائيات والإعلام عامة إلى تجاهل الأحزاب والقوى السياسية لا فرق بين ما قبل الثورة أو بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيه . وتناسى الجميع أن المحليات وإدارة البلاد بالمحافظات والمدن والقرى هو الأساس حيث المعاناة الحقيقية للشعب المصرى لا فرق بين الحضر والريف . فالمواطن المصرى فى المحليات أصبح يعانى من أجل الحصول على رغيف خبز نظيف مطابق للمواصفات ويعانى بسبب كوب ماء نقى مع تدنى فى مستوى الطرق حيث ارتفاع ( الحوادث ) على الطرق بين المحافظات وداخلها (27 ألف مصاب و7 آلاف قتيل ) سنويا وأصبحت مصر تتصدر دول فى حوادث الطرق . ناهيك عن مستوى تدهور الخدمات الصحية بسبب مستوى المستشفيات والمراكز الطبية فى المحافظات كذلك مستوى التعليم المنخفض بالإضافة إلى مشاكل الأمية وتلوث البيئة حيث تراكم القمامة فى شوارع ومدن وقرى المحليات ( 21 مليون طن قمامة سنويا ) يضاف إلى ذلك ما يزكم الأنوف بسبب فساد وضياع وهدر ما يزيد عن (16) مليار جنيه بسبب انعدام الرقابة وغياب دور المجالس الشعبية والمحلية وضعف صلاحياتها فى الرقابة وذلك وفق التقارير الرسمية للجهاز المركزى للمحاسبات وهيئة الرقابة الإدارية كما أكدت ذلك محاكمات بعض المحافظين ورؤساء بعض المدن وقيادات المحليات وإدانتهم . وعلى أرض الواقع حيث تعثر المشروعات الخدمية للصرف الصحى وشبكات المياه ومشروعات بناء الكبارى والوحدات الصحية .. ولعل هذا الانهيار للمحليات وشيوع الفساد وتدنى الخدمات هى التى جعلت الناس فى مصر تخرج أثناء الثورة وهى تهتف ( عيش - حرية – عدالة اجتماعية – كرامة إنسانية ) تجاهل قبل الثورة فإذا كان نظام مبارك قد تجاهل المحليات بعدم تطبيق نصوص مواد الدستور (161 – 162 -163 ) التى كانت تؤكد على ضرورة .. " أن تنتقل السلطات للمحليات تدريجيا " فقد ظلت المحليات تتراجع للخلف نحو مزيد من المركزية الشديدة مما أدى إلى انعدام الرقابة وتدنى الخدمات وشيوع الفساد بسبب الاستبداد والسيطرة على المجالس الشعبية المحلية والتجاهل للمطالب الشعبية المشروعة . تجاهل يناير الدستورى والمدهش إن بعد ثورة 25 يناير تجاهل الإعلان الدستورى الصادر فى مارس 2011 المحليات تماما رغم وجود 63 مادة لهذا الإعلان الدستورى ولكن للأسف الشديد جاء الإعلان خالياً من أى مادة تدل على اهتمام الثورة بالمحليات وتم تناسى المحليات رغم شعارات الثورة الديمقراطية والاجتماعية والإنسانية … تجاهل يوليو الدستورى وامتدادا لنفس منهج التجاهل للمحليات رغم صراخ المصريين من مشاكلهم وأوضاعهم السيئة فى المحافظات وتكرار الهتاف من أجل العيش والحرية والكرامة الإنسانية والخروج بسبب فشل حكم الإخوان برئاسة " محمد مرسى " فى تبنى المشاكل المحلية فى برنامج ال 100 يوم ( العيش – القمامة – الأمن – المواصلات – مشاكل الوقود ) . مع كل ذلك جاء الإعلان الدستورى الصادر فى يوليو بعد ثورة 30 يونيه خالياً تماماً من ذكر المحليات رغم وجود الإعلان فى 33 مادة فقد جاء الإعلان أيضاً خاليا من أى مادة تتحدث عن دور المحليات أو تعطى إشارة أو مجرد أمل للمواطنين وكأن المحليات ومشاكلها هى السكوت عليها بالضبة والمفتاح ولا كلمه ولا حرف يعطى الاهتمام بالمحليات ومشاكل المواطنين المزمنة . دستور الإخوان كما جاءت مواد الدستور الإخوانى 2013 الخاصة بالمحليات والتى من المفترض فيها أن تنظم حقوق المواطنين فى المحافظات والمدن والقرى بطول البلاد وعرضها جاءت بصياغة كارثية وتمثل عدوانا على حقوق المواطنين فى خدمات أفضل وفى تحسين مستوى المعيشة بتوفير بيئة نظيفة وصحة وتعليم وطرق آمنة ومساكن تحمى الأسر .. كما جاءت مواد الدستور معادية للحكم المحلى ومفاهيم تطبيق اللامركزية بل فيها عداء سافر للديمقراطية مما أدى إلى مزيد من تراكم الفساد وإهمال الخدمات ومزيد من إهدار المال مع انعدام الرقابة على الأجهزة التنفيذية بالمحافظات ووحدات الإدارة المحلية بالمدن والقرى . أعباء جديدة ويظهر ذلك من خلال قراءة متأنية لمواد المحليات فى الدستور الإخوانى حيث نجد تحميل المواطنين أعباء مالية جديدة بسبب الرسوم المحلية المحلية الاضافية التى تزيد هموم المواطنين مما يحملهم أعباء اقتصادية واجتماعية جديدة تثقل كاهلهم وتزيد مشاكلهم فضلا عن الخلط فى الدستور الاخوانى لاختصاص المجالس الشعبية المحلية المنتخبة التى من المفروض أن تلعب دور الرقيب على الأجهزة التنفيذية نجد أن الدستور الإخوانى قد حولها من مجالس شعبية تعمل مع ممثلى الجهاز التنفيذى على إدارة المحليات بلا رقابة شعبية فاعلة مما يعنى انقلابا على فلسفة المحليات حيث تم تحويل الشعبيين إلى تنفيذيين . كما تجاهل الدستور الاخوانى طبيعة اختصاص عمل ( المحافظين ) باعتبارهم حكاماً للأقاليم وأحال دورهم للقانون كما ضرب الدستور المجالس المحلية فى مقتل حيث أجاز منع عمل المجالس الشعبية بل حق حلها أيضاً . والخلاصة : أن مواد الدستور الاخوانى قد غير مفاهيم اللامركزية وحولها إلى مسخ بلا طعم ولا وظيفة واضحة بل افراغها من مضمونها الديمقراطى والشعبى وجعل من المحليات شكلا ديكوريا وللتأكيد على مصداقية ما نقوله وخطورة ما نذكره يمكن الرجوع لمواد الدستور الاخوانى التى تحمل أرقام (183 – 192 ) والتى جاءت بالفصل الرابع تحت عنوان الإدارة المحلية . المادة(183 ) ..( .. تكفل دعم اللامركزية وتمكين الوحدات الإدارية من توفير المرافق ) حيث جاءت المادة دون التزام بالخدمات أو توفيرها . المادة(184) .. ( تكفل الدولة ما تحتاجه الوحدات المحلية ) جاءت فى عبارات مطاطية أى أن الدولة ليست ملتزمة بتقديم الخدمات للمواطنين . المادة(185) .. ( تدخل فى موارد الوحدات المحلية الضرائب والرسوم ذات الطابع المحلى الأصلية و" الإضافية " تتبع فى جباتها القواعد والإجراءات المتبعة فى جباية المال العام ). بدون خدمات والمعنى الحقيقى فرض رسوم إضافية ذات بعد محلى بالدستور مما يزيد الأعباء على المواطنين دون تحقيق خدمات أو تحسين الخدمات الحقيقية للمواطنين الذين يعانون من سوء رصف الطرق وتدنى التعليم والخدمات الصحية والبيئة الملوثة . المادة(187) ( نظم القانون طرق اختيار المحافظين ورؤساء المحليات ..) أى ترك الدستور مهام المحافظين باعتبارهم حكام الأقاليم للقانون بالاختيار وهو يعنى ( التعيين ) وهو ما تؤكده المادة (147) للدستور الإخوانى التى تمنح رئيس الجمهورية الحق فى تعيين الموظفين المدنيين ومن بينهم ( المحافظين ) وهو ما يعنى تجاهل للمطالب الشعبية وتوصيات الخبراء والمهتمين بالمحليات وأساتذة الجامعات ولنتائج المؤتمرات والأبحاث العلمية التى كانت تطالب بضرورة انتخاب المحافظين من بين أبناء المحافظة بشروط وضوابط محددة خاضعة للاستجواب والمحاسبة أمام المجلس الشعبى المحلى وحتى يكون ولاء المحافظ المنتخب للشعب ةليس ولاءه لرئيس الجمهورية الذى عينه . أما المادة (190) ( والتى تنص أ، قرارات المجلس المحلى الصادرة فى حدود اختصاصاته نهائية لا يجوز تدخل السلطة التنفيذية فيها إلا لمنع تجاوز المجلس لهذه الحدود أو الأضرار بالمصالح العامة أو المصالح والمجالس الأخرى ) هذه المادة أجازت تدخل السلطة التنفيذية فى منع المجالس المحلية من أداء عملهم بحجة عبارات مطاطية .. " الإضرار بالمصالح العامة " بمصالح المجالس الأخرى مما يفتح الباب أمام قيود غير ديمقراطية على عمل المجالس الشعبية المنتخبة . أما المادة (192) .. ( فقد أعطى الدستور الاخوانى حق حل المجالس المحلية حيث نصت على وينظم القانون طريقة حل المجالس الشعبية المحلية " مما يفتح الباب لحل المجالس المحلية بالدستور والقانون وهو ما يكرس الاستبداد والفساد ). مواد غريبة والخلاصة أننا أمام مواد دستورية غريبة وشاذة فى باب الإدارة المحلية تفتح أبواب معادية لفلسفة الحكم المحلى لمفاهيم اللامركزية فى حكم الشعب بنفسه والرقابة على المال العام وعلى الأجهزة التنفيذية . بعد أن كنا نأمل أن يكون الدستور الجديد منصفاً للمواطنين فى المحافظات ليحصلوا على خدمات أفضل وأرقى ويعيشون فى أمن وأمان مع توفير رغيف عيش نظيف وكوب ماء نقى وتنفس هواء صحى فى بيئة غير ملوثة وحتى يضمن المواطن البسيط مقعدا لأولاده فى المدارس وسريراً فى المستشفى وكرسى فى أتوبيس عام ومسكن آدمى وهى أبسط مطالب الحياة بعد معاناة دامت طويلاً فى النظام السابق ولكن للأسف الشديد جاء الدستور الإخوانى مخيباً لأمال الناس فى حياة كريمة . الدستور الجديد وبعد إننا نطالب للدستور الجديد . أن تقوم لجنة الخمسين بإجراء حوار فى المحافظات ومع خبراء الإدارة المحلية لاستطلاع أرائهم فى مطالب الناس فى المحليات بالنسبة للدستور الجديد . . ضرورة وضع باباً منفرداً لهيئات الحكم المحلى فى الدستور الجديد بعيداً عن السلطة التنفيذية . . تشكيل المجالس المحلية الشعبية بالانتخاب المباشر والنزول بسن الترشيح لتمكين الشباب من المشاركة فى الحكم . . وضع صلاحيات محددة للمجالس الشعبية فى حق الرقابة وسحب الثقة من المحافظين أو من ينوب عنهم ومحاسبتهم والمشاركة فى وضع الخطط التنموية فى المحافظات . . ضرورة اختيار المحافظين بالانتخاب الحر من بين أبناء المحافظة . وتكون له أدوار محددة مع المجالس الشعبية لا تزيد عن خمس سنوات . . صلاحيات كاملة للمحافظين على كامل تراب المحافظة تقابلها صلاحيات للمحاسبة للمجالس الشعبية . . توزيع عادل للموارد المالية بين المحافظات تتناسب مع حجم المحافظة وأولويات التنمية بها . . ضمان إصدار قانون محلى ديمقراطى يسمح بنقل السلطات للمحافظات وضمان التخطيط الاقليمى والمتابعة والرقابة والمحاسبة . . ضمان توزيع جيد للخدمات الضرورية فى التعليم والصحة / الإسكان / خدمات الطرق / والاهتمام بالأسواق والبيئة ونظافتها وتنمية الثروات المحلية ونظام عادل فى تعيينات شباب المحافظات وذلك فى إطار متناغم مع الخطة الشاملة لكل محافظة بما يتناسب مع المخطط العام للتنمية فى مصر .