جاءت مواد الدستور الجديد الخاصة بالمحليات والتي من المفترض فيها أن تنظم حقوق المواطنين في المحافظات والمدن والقري بطول البلاد وعرضها جاءت بصياغات كارثية وتمثل عدوانا علي حقوق المواطنين في خدمات أفضل وفي تحسين مستوي المعيشة بتوفير بيئة نظيفة وصحة وتعليم وطرق آمنة … كما جاءت معادية للحكم المحلي ومفاهيم تطبيق اللا مركزية بل فيها عداء سافر للديمقراطية مما سيؤدي إلي مزيد من تراكم الفساد وإهمال الخدمات ومزيد من إهدار المال العام مع انعدام الرقابة علي الأجهزة التنفيذية بالمحافظات ووحدات الإدارة المحلية بالمدن والقري . أعباء جديدة ويظهر ذلك من خلال قراءة متأنية لمواد المحليات في الدستور الجديد حيث نجد تحميل المواطنين أعباء مالية جديدة بسبب الرسوم الإضافية المحلية التي سوف تفرض بالدستور علي المواطنين مما يحملهم أعباء اقتصادية واجتماعية جديدة تثقل كاهلهم وتزيد مشاكلهم فضلا عن الخلط في الدستور الجديد لاختصاص المجالس الشعبية المحلية المنتخبة التي من المفترض أن تلعب دور الرقيب علي الأجهزة التنفيذية نجد أن الدستور الجديد قد حولها إلي مجالس تنفيذية تعمل مع ممثلي الجهاز التنفيذي علي إدارة المحليات بلا رقابة شعبية فاعلة مما يعني انقلابا علي فلسفة المحليات حيث تم تحويل الشعبيين إلي تنفيذيين . كما تجاهل الدستور طبيعة اختصاص عمل ( المحافظين ) باعتبارهم حكاما للأقاليم وأحال دورهم للقانون كما ضرب الدستور المجالس المحلية في مقتل حيث أجاز منع عمل المجالس الشعبية بل حق حلها بالقانون . والخلاصة أن مواد الدستور الجديد قد غيرت مفاهيم اللامركزية وحولتها إلي مسخ بلا طعم ولا وظيفة واضحة بل افراغها من مضمونها الديمقراطي والشعبي وجعل من المحليات شكلا ديكوريا وللتأكيد علي مصداقية ما نقوله وخطورة ما نذكره يمكن الرجوع للمواد التي تحمل أرقام ( 183- 192 ) والتي جاءت بالفصل الرابع تحت عنوان الإدارة المحلية . المادة ( 183 ) .. ( .. تكفل دعم اللامركزية وتمكين الوحدات الإدارية من توفير المرافق ) حيث جاءت المادة دون التزام بالخدمات أو توفيرها . المادة ( 184 ) .. ( .. تكفل الدولة ما تحتاجه الوحدات المحلية ) جاءت في عبارات مطاطية أي أن الدولة ليست ملتزمة بتقديم الخدمات للمواطنين وعبارة ( تكفل ) هي بمعني واسع ويمكن الرجوع إلي المعجم الوجيز لفهم كلمة تكفل أي ( الضامن ) . المادة ( 185) ..( .. تدخل في موارد الوحدات المحلية الضرائب والرسوم ذات الطابع المحلي الأصلية و “الإضافية ” تتبع في جبايتها القواعد والإجراءات المتبعة في جباية المال العام ) . بدون خدمات والمعني الحقيقي هي فرض رسوم إضافية ذات بعد محلي بالدستور مما يزيد الأعباء علي المواطنين دون تحقيق خدمات أو تحسين الخدمات الحقيقية للمواطنين الذين يعانون من سوء رصف الطرق وتدني التعليم والخدمات الصحية والبيئة الملوثة . المادة ( 187 ) ( ينظم القانون طريق اختيار المحافظين ورؤساء المحليات .. ) أي ترك الدستور مهام المحافظين باعتبارهم حكام الأقاليم للقانون بالاختيار وهو ما يعني (التعيين ) وهو ما تؤكده المادة (147) للدستور التي تمنح رئيس الجمهورية الحق في تعيين الموظفين المدنيين ومن بينهم ( المحافظون ) وهو ما يعني تجاهل للمطالب الشعبية والخبراء والمهتمين بالمحليات وأساتذة الجامعات ونتائج المؤتمرات والأبحاث العلمية التي كانت تطالب بضرورة انتخاب المحافظون من بين أبناء المحافظة بشروط وضوابط محددة خاضعة للاستجواب والمحاسبة أمام المجلس الشعبي المحلي وحتي يكون ولاء المحافظ المنتخب للشعب وليس ولاءه لرئيس الجمهورية الذي عينه. أما المادة ( 190 ) ( والتي تنص أن قرارات المجلس المحلي الصادرة في حدود اختصاصاته نهائية لا يجوز تدخل السلطة التنفيذية فيها . إلا لمنع تجاوز المجلس لهذه الحدود أو الأضرار بالمصلحة العامة أو بمصالح المجالس المحلية الأخري .. ) هذه المادة أجازت تدخل السلطة التنفيذية في منع المجالس المحلية من أداء عملهم بحجة عبارات مطاطية .. ” الإضرار بالمصلحة العامة ” بمصالح المجالس الأخري مما يفتح الباب أمام قيود غير ديمقراطية علي عمل المجالس الشعبية المنتخبة . أما المادة ( 192 ) .. ( .. فقد أعطي الدستور الجديد حق حل المجالس المحلية حيث نصت علي ” وينظم القانون طريقة حل أي منها وإعادة انتخابه ” مما يفتح الباب لحل المجالس المحلية بالدستور والقانون وهو ما يكرس الاستبداد والفساد ) . مواد غريبة والخلاصة أننا أمام مواد دستورية غريبة وشاذة في باب الإدارة المحلية تفتح أبواب معادية لفلسفة الحكم المحلي ولمفاهيم اللامركزية في حكم الشعب بنفسه والرقابة علي المال العام وعلي الأجهزة التنفيذية وبعد أن كنا نأمل أن يكون الدستور الجديد منصفآ للمواطنين في المحافظات ليحصلوا علي خدمات أفضل وأرقي ويعيشون في امن وأمان بتوفير رغيف عيش نظيف وكوب ماء نقي وتنفس هواء صحي في بيئة غير ملوثة وحتي يضمن المواطن البسيط مقعدا لأولاده في المدارس وسريرا في مستشفي وكرسي في أتوبيس عام و مسكن آدمي وهي ابسط مطالب الحياة بعد معاناة دامت طويلا في النظام السابق ولكن للأسف الشديد جاء الدستور الجديد للثورة مخيبآ لآمال الناس في حياة كريمة.