يبدو أن هذا الأسبوع الماضى كان أسبوع الرسائل المباشرة، بل الرسائل الساخنة إن جاز التعبير، فمن رسالة الصين إلى العالم وتحديدًا أمريكا وأوروبا إلى رسالة الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، للمصريين ولأهل الشر فى الداخل والخارج، ثم رسالة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إلى العرب والمسلمين جميعًاورسالته المباشرة إلى الرئيس السيسي. اعتدنا على رسائل السياسة كلامًا مباشرًا وغير مباشر وتحركات وأفعال وإيماءات واعتدنا من الدين الرسائل المباشرة والواضحة، واعتدنا أن كلاهما له طريق واتجاه ونمط لكن هذه المرة تجتمع رسائل السياسة مع رسائل الدين فى وقت واحد لتخرج قاصدة هدفًا بعينه.. هكذا كانت رسالة الرئيس السيسي والإمام الطيب فى احتفالية المولد النبوي الشريف. يهمنى بالطبع أن أتحدث فى البداية عن رسالة الرئيس عبد الفتاح السيسي والتى جاءت فى كلمته بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، فلقد تحدث الرئيس وبشكل مباشر وبمفردات محددة ومن نص الكلمة المكتوبة، وهذا له دلالة واضحة، فلم يكن كلامًا ارتجاليًا من الرئيس وقد اعتاد أن يفعل ذلك فى مناسبات مختلفة لكن هذه المرة كانت الرسالة من الكلمة الرسمية المكتوبة ورغم أن المناسبة لم تكن سياسية بل دينية فى المقام الأول، إلا أن الرئيس حرص على أن تكون الرسالة من خلال هذه المناسبة، وهذا أيضًا له مدلول واضح هو أن الرسالة «مقصودة» التوقيت والهدف والمعنى. لقد قال الرئيس رسالته فى نهاية الكلمة مشيرًا إلى أنه أراد قبل أن يختم أن يقول هذه الكلمات، حيث قال الرئيس: «وقبل ختام كلمتى، أطمئن الشعب المصرى العظيم، على يقظتنا وإدراكنا، لما يدور حولنا ويحاك ضدنا، ووقوفنا فى مواجهة التحديات بإجراءات مدروسة.. واثقين فى عون الله تعالى، ومرتكزين على صلابة شعبنا، ومعتمدين على قدراتنا، لتوفير حياة آمنة ومستقرة لمواطنينا، فى كل ربوع الوطن.. ومهما تعددت وجوه الشر، وتنوعت أساليبه، فستبقى مصر».. هذا نص الرسالة حرفيًا ليعلم كل من يخطط ويدبر ويمول أن مصر على يقظة كاملة وتعلم ما يفعل ولن تسمح لأى أحد أن يلحق ضررًا بها أرضًا وشعبًا. فى الحقيقة توقيت دقيق جدًا للرسالة ونصها الموزون بميزان من ذهب، فلقد جاءت رسالة طمأنة للشعب المصرى وتحذيرًا لكل الأعداء الذين لا يزالون يصرون على إلحاق الضرر بها، والأحداث المتوالية والمتسارعة شرقًا وجنوبًا وغربًا كلها تشير إلى ذلك ففى الأسبوع الماضى يتصاعد الموقف ويتأزم أكثر وتتضح شواهد أكثر على إصرار نتنياهو وخلفه ترامب على تنفيذ مخططهم المتعلق بغزة والضفة، ففى الأسبوع الماضى يجتمع نتنياهو مع قادة من الموساد، بحسب ما نشرته القناة 13 الإسرائيلية لبحث كيفية تنفيذ خطة التهجير والبحث عن الدول التى يمكن أن تؤيد هذه الخطة، ويمكن أن تستوعب بعضًا من الفلسطينيين الذين يتم تهجيرهم طوعًا بجانب إصراره على التهجير القسرى للبقية نحو الجنوب، هذا فضلا عن تويتة من ترامب على ترو سوشيال تؤكد أن حماس ليس أمامها سوى تسليم كل الرهائن وفى المقابل حماس تقول إنها موافقة لكن لن تسلم سلاحها، ليظل الموقف معقدًا فيستفيد منه نتنياهو ويواصل تنفيذ خطة احتلال كامل غزة وتهجير الفلسطينيين تجاه الجنوب. ويتزامن ويتسق مع ذلك أيضًا فى إطار المساعى الأمريكية والإسرائيلية للضغط على مصر للموافقة على التهجير وتصفية القضية، ما صدر عن آبى أحمد، رئيس وزراء إثيوبيا، فى لقاء تليفزيونى وهو يجلس أمام سد النهضة وتأكيده أن السد أصبح واقعًا وسيعمل وسيحقق الخير والنماء لإثيوبيا، أنه سوف يدر عليها دخلا مليار دولار فى السنة وكهرباء 5 آلاف ميجا وات، وهى أرقام هزيلة جدًا كان من الممكن أن يتحصل على أضعافها عبر اتفاقيات تنمية مشتركة ومتبادلة مع دول حوض النيل خاصة مصر، لكنها السياسة التى من أجلها تم بناء السد ووقفت أمريكا وراء بنائه، حتى يأتى يوم كهذا ويتم الضغط به على مصر للموافقة على صفقة التهجير، وهذا ما أكده واعترف به ترامب من قبل عندما قال إن السد سوف يضر بمصر وأنه سوف يمنع المياه عنها، وإن أمريكا من وقف وراء تمويل هذا السد. يحدث ذلك وتتواصل المؤامرات ومصر تعلم وتعى تمامًا وجيدًا، كما قال الرئيس السيسي فى رسالته، بكل الخطط والمؤامرات التى تحاك لها وقادرة على التعامل معها بالشكل المطلوب والمحقق لأمن وأمان ومصلحة المصريين، واثقة فى عون الله أولاً ومرتكزة على قوتها وصلابة شعبها وثقة كل مؤسساته – خاصة الدينية – فى قدرة ورشادة ووطنية وشرف قيادته. أما رسالة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، فقد جاءت محملة بكلمات ثقة ودعم فيما يفعله الرئيس السيسي ولموقفه وموقف مصر التاريخى تجاه القضية الفلسطينية ورفضه القاطع لتهجير الفلسطينيين من غزة، باعتبار أن ذلك تصفية للقضية كلها، فلقد قال الإمام الأكبر متحدثا باسم الأزهر الشريف وموجها حديثه للرئيس السيسي: «إننا فى الأزهر الشريف نشد على يديكم وندعو الله أن يقوى ظهركم، وأن يوفقكم فيما أنتم ماضون فيه من الثبات على الموقف الرافض لذوبان القضية الفلسطينية، وحماية حقوق الشعب الفلسطيني فى البقاء على أرضه، والرفض القاطع لمؤامرات التَّهجير والتشبث بالموقف المصري التاريخي فى حماية القضية الفلسطينية ومُساندة الفلسطينيين. ودعا الإمام الأكبر كل المسلمين والعرب إلى الوحدة والتضامن قائلاً: «وما أَظن أن أحدًا يرتاب اليوم فى أن الحل الذى لا حل سواه هو فى تضامنٍ عربى يدعمه تضامن إسلاميّ يقوّيه ويسند ظهره.. نقول هذا ونؤكد فى الوقت نفسه أنَنا -عَلِمَ الله- لَسْنَا دُعاة حروب أو صراعات بل نحن دعاة عدالة وإنصاف واحترام متبادَل. لقد جاء الدين يدعم السياسة فى مواجهة العدو الواحد والمشترك، رسالة سياسية من الرئيس فى مناسبة دينية ورسالة دينية من الإمام الأكبر لدعم الموقف السياسى لمصر، والرسالتان تؤكدان أننا فى مصر على علم بما تفعلون وما تخططون له، ونحن نقف صفًا واحدًا خلف قيادتنا، ولن تستطيعوا فعل شىء لأنكم لن تجيدونا سوى كذلك، أقوياء وقادرين وواعين وفاهمين، ومعًا دائمًا خلف وطننا. .. ومن القاهرة إلى الصين حيث انعقدت قبل أيام قمة شنغهاى وأيضا احتفالات الصين بذكرى الانتصار فى الحرب العالمية الثانية، والظهور اللافت لما يمكن أن نقول عليه «العالم الجديد» فلقد بدت الصين وبجوارها روسيا ثم الهند فى مشهد بقمة شنغهاى ثم الصينوروسيا وبجوارها كوريا الشمالية يرسل برسالة مرعبة إلى أمريكا والعالم، بأن هناك عالما جديدا يتشكل رغمًا عنكم وهو ما أثار فزع ورعب أمريكا وأوروبا ورأينا ذلك فى تصريح ترامب ثم من بعده التصريح الأوروبي حول فكرة التكتل والتآمر على أمريكا وأوروبا من دول الشرق الكبرى.. ما حدث مؤخرًا فى الصين يقول إن هذه ربما ليست نهاية أمريكا، ولكنها بالتأكيد بداية عالم جديد سوف تنطلق فيه الحروب بلا طلقات وعلى العالم – كما قال الرئيس الصيني «جين» – أن يختار من جديد بين الحرب والسلام.