«أكتوبر معجزة فريدة صنعها الشعب المصري بأيدي قواته المسلحة» هذا ما أكده اللواء سمير فرج أصغر ضابط في غرفة عمليات القوات المسلحة المصرية خلال حرب أكتوبر المجيدة، مشيراً في حواره مع «أكتوبر» إلى أن المخطط العسكري المصري غير أثناء الحرب المفاهيم العسكرية، والأساليب القتالية في العالم أجمع، وأنه عقب الحرب أصبح لمصر ثقل عسكري كبير بين القوى العسكرية عالميا، وتسعى كل دول العالم لخطب ودها لإجراء تدريبات عسكرية مشتركة معها. وكشف فرج كيف تم اختيار توقيت الحرب، وروى تفاصيل اليوم الأول للحرب، كما عاشها فى غرفة العمليات وقصص بطولات الجندى المصرى.. وعدد من الموضوعات المهمة الأخرى المتعلقة بنصر أكتوبر المجيد. حوار: وليد فائق – تصوير: إسلام عصمت ونحن نحتفل باليوبيل الذهبي لحرب أكتوبر.. كيف ترى هذه الحرب بعد كل هذه السنوات؟ معجزة بكل المقاييس.. يوم 6 أكتوبر قبل الساعة 2 ظهرا.. ونحن فى غرفة العمليات لم نكن نصدق أننا سوف نهاجم.. كنا نتوقع فى أي وقت أن تصدر لنا الأوامر «كما كنت».. ولا تقوم الحرب.. لم نتأكد أن الحرب قامت بالفعل إلا بعد عبور الطائرات لقناة السويس فى الضربة الجوية الأولى .. وقتها قلنا لا عودة.. أكتوبر تمثل عودة الكرامة المصرية.. بعد 67 عندما كنت أسير فى الشارع كنت أمشي مطأطأ الرأس.. اليوم نسير مرفوعين الرأس ليس فى مصر فقط.. ولكن فى العالم أجمع.. والسبب أكتوبر.. أنت رافع رأسك لأنك أكبر جيش حقق انتصارا فى العصر الحديث .. فخور بنفسك.. وفخور بالعسكرية المصرية.. بعد 50 سنة نقول: إن هذه الحرب حققت أهدافا كثيرة لم تكن تتحقق بدونها.. أولا مصر هي الدولة الوحيدة التي استعادت أرضها بالكامل لم ينقص منها شبر واحد.. عكس الجولان والضفة الغربية التي مازالت تحت الحكم الإسرائيلي.. ثانياً: القوات المسلحة المصرية استعادت كرامتها وأصبحت قوة عسكرية لا يستهان بها.. ثالثاً: أن قواتنا المسلحة بناء على الخبرة التي أخذتها فى هذه الحرب، والانتصار الذي حققته، اليوم أصبح كل دول العالم تريد أن تتدرب معك تدريبات مشتركة؛ لأنك صاحب أكبر خبرة عسكرية.. رابعاً: أن هذه الحرب وما قدمته القوات المسلحة المصرية فيها، غيرت مفاهيم كثيرة فى العلوم العسكرية.. فمثلا الحرب الروسية الأوكرانية دخلت اليوم عامها الثاني فماذا غيرت فى المفاهيم العسكرية؟ لا شيء اللهم إلا تحويل الضربات الجوية إلى ضربات صاروخية.. ولكن ما قامت به قواتنا المسلحة فى حرب أكتوبر وما قبلها غير مفاهيم العالم كله عسكريا.. عندما دمرت المدمرة الإسرائيلية إيلات أمام شواطئ بورسعيد، لم تعد المصانع العسكرية تهتم بصنع الطرادات والمدمرات.. غيرت نظرية الدفاع المتحرك الذي كانت تتبناه إسرائيل والعقيدة العسكرية الغربية متمثلة فى حلف الناتو وأصبح الدفاع النشط، بناء على ما قام به المصريون عندما هجموا على طول الجبهة فأسقطوا نظرية الدفاع المتحرك.. حرب أكتوبر وضعت مفاهيم عسكرية جديدة مازالت تطبق حتى الآن.. أكتوبر جعلت قواتنا المسلحة عظيمة قوية.. العالم كله يخطب ودها.. وأصبح لنا ثقل كبير بين القوى العسكرية فى العالم. غرفة العمليات كنت أصغر ضابط فى غرفة عمليات القوات المسلحة.. كيف تم اختيارك لهذه المهمة؟ خلال حرب الاستنزاف وكنت وقتها برتبة نقيب، تقدمت لامتحان كلية أركان الحرب، كنا 1500 ضابط تقدموا للامتحان، نجح منهم 154 ضابطا، وكنت الأول فى امتحان القبول بالكلية، فى ذلك الوقت ترقيت لرتبة رائد بعد قبولي بالكلية، استمرت الدراسة لمدة سنة ونصف وكان زميلي فى الدورة اللواء عمر سليمان وكان وقتها برتبة عقيد، قبل الحرب بحوالي شهر تم إبلاغنا بأننا سوف نتخرج يوم الخميس الأسبوع القادم، وبالفعل تم عقد امتحان للدفعة، وأيضاً حصلت على المركز الأول، الطريف ولأننا كنا فى حالة الاستعداد للحرب، فلم يحضر حفل تخرج الدورة الوزير أو رئيس الأركان والمدير، وبالتالي كنا الدورة الوحيدة فى كلية الأركان طوال تاريخها التي لم تلتقط لها صورة تخرج. وبالطبع كان يجب توزيعنا على وحدات الجيش، ولأني كنت أول الدفعة فأرادوا مكافأتي على تفوقي.. فتم إلحاقي بهيئة عمليات القوات المسلحة، وكافئني الله على هذا التفوق، بأن التقى ال40 ضابط «العباقرة»، الذين خططوا وقادوا حرب أكتوبر بكامل تفاصيلها، منذ اختيار يوم وتوقيت الحرب من خلال «صلاح فهمي نحلة»، وخطة الخداع الاستراتيجي «أحمد نبيه»، التحركات «ممدوح رضوان»، وبالطبع الفريق «سعد الشاذلي» واضع التوجيه 41، الذي تضمن أدق تفاصيل خطة العبور واقتحام خط بارليف، كانوا كلهم جهابذة. وأفخر أنني خدمت مرتين أثناء عملي بالقوات المسلحة فى هيئة العمليات. وبالفعل ثاني يوم صباحا سلمت نفسي لهيئة العمليات، فقدمني النائب وقتها للواء الجمسي، رئيس هيئة العمليات، الذي أبدى اندهاشه من صغر سني ورتبتي، حيث إنه كان من المعتاد أن يكون أعضاء الهيئة من رتبة عقيد فما فوق.. المهم انضممت لهيئة العمليات، ولم تمر 5 أيام وقبل الحرب بحوالي ثلاث أيام ذهبنا لفتح مركز غرفة العمليات خلال الحرب، وهى على عمق أكثر من 30 مترا تحت الأرض، بالطبع لأن إسرائيل كان لديها أسلحة نووية، وبالتالي كان يجب أن نحتاط للأمر ونجهز أنفسنا، خاصة أنه لو ضربت هذه الغرفة، لن تتم السيطرة على وحدات الجيش، حيث إن هذه الغرفة كانت العقل المدبر للجيش كله. ولأني كنت أصغر ضابط فى غرفة العمليات، فقد اختارني الجمسي للعمل على الخريطة الكبيرة التي تظهر تحركات القوات، التي يجلس فوقها الرئيس السادات والمشير أحمد إسماعيل والفريق الشاذلي واللواء الجمسي، شاهدت الحرب كلها من غرفة العمليات.. كيف تتخذ القرارات أثناء الحرب، ونتائج المعارك. وعندما فتحنا الغرفة قمنا بعمل اختبارات لتجربة الاتصالات مع قادة الجيوش ومختلف وحدات القوات المسلحة.. وبالفعل نفذنا مشروعا تدريبيا سريعا لتجهيز الاتصالات، وأن كل فرد بغرفة العمليات يعرف مهامه جيداً، فاتصلنا بقائد الجيش الثاني، وقائد الجيش الثالث، وبالقوات البحرية التي كانت فى طريقها لقفل باب المندب، وسوريا حتى نختبر إرسال صور القتال لدمشق، وأتذكر وقتها أنه كان لدينا جهاز بدائي لإرسال الصور يعمل بالنشادر، تصل الصور من خلاله بعد ساعة. قبل الحرب بيوم بدأنا نتابع ما نطلق عليه «الفتح التعبوى والاستراتيجي» للعملية، حيث تقدمت الكباري وأخذت مواقعها بجانب القناة.. عناصر الخطة الهجومية بدأت تستعد.. بدأت المدفعية تركز مهامها.. أخذت القوات الجوية تنتشر وتحتل المطارات الخاصة بها، طبقاً للخطة التي سوف تنفذها لكي تنطلق ساعة التنفيذ من مطاراتها المختلفة، وتلتقي فى توقيت واحد فوق قناة السويس للقيام بمهمتها. اليوم الأول صباح يوم 6 أكتوبر حوالي الساعة 10 رفعنا خرائط المشروع التدريبي، ووضعنا الخطة جرانيت التي وضعتها القوات المسلحة، ومنها خطة العبور بموجاته ال 12 والتوجيه ال 41 الذي وضعه الشاذلي.. عقب صلاة الظهر.. وجدنا اللواء عبد الغني الجمسي يقول: إن ضباط هيئة العمليات فقط يظلون بالغرفة، ويغادرها باقي الضباط.. وأتذكر أننا جلسنا مع الجمسى الذي سألنا بعد فترة «تعتقدوا عندما نعبر القناة ونصل لعمق 15 كيلومترا، هل نكمل الخطة للممرات أم لا؟» وجدت وقتها اللواء البرى يجيب الجمسى بسرعة «هو أحنا ضامنين أننا نعبر»، والحقيقة ورغم كل الإجراءات التي كنا نتخذها فلم يكن أحد يصدق أننا سنعبر بالفعل.. كان حلما بالنسبة لنا.. كنا نشك فى أنه فى أية لحظة سوف نسمع عبارة «كما كنت»، التي تعنى إلغاء الخطة وعدم الحرب.. كنا نتساءل هل سنقتحم حقاً خط بارليف ونقاطه ال 32 الحصينة التي أكد الروس أننا نحتاج قنبلة ذرية لتدميره؟!.. لم نصدق أن الحرب ستقوم بالفعل إلا الساعة الثانية إلا الثلث عندما نزلت قوات الصاعقة البحرية لقناة السويس لسد فوهات أنابيب النابالم، وأخذنا التمام بذلك فى غرفة العمليات، وأتذكر بهذه المناسبة قصة بطولة فريدة تثبت عظمة الجندي المصري، فعندما انتهينا من أخذ التمام بعودة أبطال الصاعقة لقواعدهم اكتشفنا أن اثنين من الضفادع البشرية لم يعودا لقاعدتهما، و بالتحقيق فى الأمر عرفنا أن أفراد الصاعقة اكتشفوا عند الوصول لأحد المواقع المكلفين بسد فوهات الأنابيب فيه أنهم أمام 8 فوهات، وليس 6 كما تقول المعلومات، ولما لم يكن معهم أسمنت إلا لسد 6 فوهات فقط، فقد أصر البطلان على عدم العودة وسدوا الفوهتين الباقيتين بجسديهما الطاهرين لينفجرا مع الفوهتين وليفتحا باستشهادهما باب النصر. حوالي الساعة 12.30 جاء الرئيس السادات لغرفة العمليات، وكان برفقته عساكر يحملون صواني بها سندوتشات وعصائر، كنا فى رمضان وصائمين.. لكن الرئيس قال يا أولادي لقد أعطانا المفتى اليوم فتوى بأننا فى حرب جهاد، وأننا يجب أن نفطر، وأرجو أن تبلغوا كل أولادنا على الجبهة لكي يفطروا لكي يستطيعوا أن يحاربوا وربنا معانا وهو الذي أعطانا هذا العذر، ومر العساكر على الضباط وكل فرد أخذ سندوتشين وعلبة عصير، ووضعهم أمامه، ولكننا لم نأكل إلا عند الساعة 8.30 مساء عقب نهاية الوردية. الساعة 2 إلا خمس دقائق بدأت الشاشة الكبيرة فى غرفة العمليات تظهر تحرك قواتنا الجوية، وعبرت 220 طائرة حربية القناة، وهنا تأكدنا أننا لن نسمع عبارة «كما كنت» أبداً، ولم تكد تأتى الساعة الثانية والربع، إلا وأنا أسمع أحلى خبرا فى هذا اليوم، الاستطلاع اللاسلكي لدينا التقط إشارة من قائد القوات الجوية الإسرائيلية يأمر فيها قواته فى رسالة مفتوحة غير مشفرة بعدم الاقتراب من القناة لمسافة 15 كيلو مترا خوفاً من حائط الصواريخ المصري، وقتها قلت: إننا سوف ننتصر، لأننا سوف نعبر بدون تدخل الطيران الإسرائيلي.. بعدها بدأت المدفعية فى الضرب، وبدأت 12 موجة عبور بالقوارب المطاطية طبقاً للتوجيه 41 الذي وضعه الشاذلي، بعدها اقتحمنا خط بارليف وبدأت النقاط الحصينة للخط فى التساقط تباعا. حوالي الساعة الثالثة والنصف جاء خبر استشهاد عاطف السادات شقيق الرئيس، جاءت ورقة مكتوبة للواء الجمسي، وبعد أن قرأها ذهب ليتحدث مع المشير إسماعيل، وذهب الاثنان بعدها وأخذا الرئيس السادات إلى غرفة ملحقة، وأبلغاه خبر استشهاد أخيه، وأتذكر وقتها أن السادات خرج وقال لنا أبلغوني الآن استشهاد أخي الرائد عاطف، فى الضربة الجوية، وأضاف «عاطف لم يكن مجرد أخي، ولكنه كان بمثابة ابنى ولكن هذه مصر وكلنا نضحي من أجلها».. وللتاريخ فعاطف السادات كان يضرب مطار المليز الإسرائيلي، بعدما انتهى من إتمام ضربته بنجاح، استدار وعاد ليصور نتيجة الضربة، حاليا الطائرات تضرب وتصور فى نفس الوقت «وهو بيلف انضرب فوق المليز واستشهد الله يرحمه». وبدأت البلاغات تتوالى بسقوط نقاط خط بارليف، وجاءت الساعة 8 ميعاد تغيير الوردية، وبالطبع غلب علينا الحماس ولم يكن أحد منا يريد أن يترك موقعه لضباط الوردية الجديدة، فأمسك الشاذلي الميكروفون، وأمرنا كلنا أن نذهب لنستريح وننام حتى نصبح فى كامل تركيزنا فى اليوم التالي، فتركنا مواقعنا على مضض، أثناء الليل بدأ إنشاء رؤوس الكباري لتعبر عليها الدبابات.. الكباري انفتحت فى مواعيدها، 5 كباري لا يوجد كوبري تعطل أو أصيب، وبدأت الدبابات فى العبور، واستمرت العملية الهجومية بنجاح تام لأن التخطيط كان أكثر من رائع. كم نقطة سقطت فى اليوم الأول؟ خط بارليف كان 32 نقطة حصينة، سقط ثلثي هذه النقاط فى اليوم الأول، النقاط التي لم تسقط عبرناها وحاصرناها، هناك نقاط استسلمت فى اليوم الثاني، مثل نقطة لسان بور توفيق، لم تسقط، ولكننا تجاوزناها وعملنا رأس الكوبري، صباح يوم 7 أكتوبر كان لدينا 200 ألف عسكري شرق القناة، وهذا إنجاز لا يقدر عليه إلا المصريين خاصة أن الروس أكدوا الاحتياج لقنبلة ذرية لتدمير خط بارليف. ولكي نعرف مدى دقة التخطيط، كان تخطيطنا أن يتم إنزال الكباري فى الليل، وأول ما يطلع القمر تعدي الدبابات والمدفعية والعربيات على ضوء القمر. هل اختيار توقيت بداية الحرب 2 ظهرا كان لهذا السبب؟ بالطبع اختيار اليوم والتوقيت كان مقصودا، اخترنا 6 أكتوبر؛ لأنه كان عيد الغفران فى إسرائيل، هذا اليوم هناك ممنوع شخص يمشي فى الشوارع، ممنوع ركوب السيارات، عندما قامت الحرب، استدعوا الاحتياطي، واجهوا صعوبات كبيرة فى هذا الأمر، فكان اختيار اليوم رائعاً، وأيضاً اختيار التوقيت، الساعة 2 ظهرا، من هذا التوقيت وحتى الخامسة والنصف كانت الدنيا منورة، وبالتالي القوارب تعبر فى النور، وعندما يأتي الليل وينزل الظلام يتم نزول الكبارى وتركيبها، الكوبرى الواحد كان يسع 270 عربية، وحوالى الساعة 10 مساء عند طلوع القمر يكون قد تم الانتهاء من تركيب الكباري وتبدأ الدبابات والمدفعية والعربيات فى العبور عليها على ضوء القمر، كل شيء كان محسوبا بدقة.. اختيار الساعة الثانية أيضاً كان مفاجأة لإسرائيل، فالمعتاد الهجوم مع أول ضوء أو آخر ضوء، ولكننا هجمنا الساعة 2 ظهرا، وبالطبع عندما مر الصباح ولم نهجم، فسيعتقدون أننا سوف نهاجم 6 مساء، ولكننا فاجئناهم وهاجمنا 2 ظهراً. كراسة «حنان صلاح فهمى» من الذي حدد يوم وتوقيت الحرب؟ العقيد وقتها «صلاح فهمي نحله»، كان أحد ضباط هيئة العمليات، قبل الحرب وفى شهر 5 استدعاه الفريق الجمسى وأمره بتحديد ميعاد وتوقيت الحرب بناء على طلب الرئيس السادات، الذى كان يريد معرفة توقيت الهجوم، فقام فهمي بعمل دراسة لمدة أسبوع عن أفضل ميعاد لاندلاع الحرب، فذهب للأرصاد لمعرفة مواعيد أول وآخر ضوء، والمد والجزر فى القناة، وذهب لمركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام لمعرفة أعياد اليهود وعاداتهم أثناء هذه الأعياد، واستعان بالمخابرات لمعرفة مواعيد انعقاد الكنيست، ولم يترك أي تفاصيل، عمل دراسته، فى نهاية الأسبوع يوم الخميس أوضح للجمسي أنه انتهى من الدراسة وأنه سيعرضها عليه يوم السبت التالى صباحا. المهم عندما رجع فهمي وقتها لمنزله، ولأنه كان ممنوع على ضابط فرع التخطيط أن يكتب على الآلة الكاتبة، وكان لابد أن يكتب كل شيء بيده، وبمفرده بدون وجود أحد معه، وعندما أراد أن يكتب نتيجة الدراسة لم يجد ورق بمنزله، فأخذ كراسة ابنته حنان من على «ترابيزة السفرة» وقلبها وكتب فيها مسودة تقرير تحديد ميعاد الحرب، ولماذا اختار يوم 6 أكتوبر الساعة 2 ظهرا. وعندما ذهب لهيئة العمليات يوم السبت وهو على البوابة عرف أن الجمسي سأل عليه ويريده أن يذهب إليه فورا، وبالفعل ذهب للجمسي الذي سأله أين التقرير؟ فطلب منه فهمي وقتًا لكي «يعيد كتابته» على ورق المكتب، بدلاً من المسودة المكتوبة على كراسة ابنته، ولكن الجمسي طلب منه أن يطلعه على التقرير أولاً، وأعجب الجمسي بالتقرير، ووصفه بأنه «هايل»، وأخذ فهمي والكراسة المكتوب فيها المسودة وذهبوا للفريق الشاذلي الذي وافق على الدراسة، وذهبوا جميعاً للمشير إسماعيل، الذي وافق بدوره عليها بعد شرح فهمي، قال لهم الرئيس السادات «قالب الدنيا وعايز يعرف التوقيت الآن» ، وأمر فهمي أن يرجع لهيئة العمليات وأخذ الكراسة ومعه الشاذلي والجمسى وذهبوا للسادات وعرضوا عليه الأمر، وبالفعل وافق السادات على التوقيت، بعد أن أطلع على مسودة التقرير المكتوب فى كراسة ابنة فهمي، ولعل هذا هو السبب الذي جعل السادات يطلق على الكراسة فى كتابه بعد الحرب «كراسة الجمسي» واشتهرت بعد ذلك بهذا الاسم، مع أنها كراسة حنان صلاح فهمي نحلة، وعندما توليت الشئون المعنوية ذكرت الحقيقة وأعدت الحق لصلاح فهمي. واستمرت العملية الهجومية بنجاح تام؛ لأن التخطيط كان أكثر من رائع، إلى أن جاء يوم 9 أكتوبر الذي أطلقوا عليه فى إسرائيل «اليوم الأسود» أو الحزين، حيث أعلنت جولدا مائير وديان فى مؤتمرهما الشهير هزيمة إسرائيل، وهناك مصادر أكدت أنهم قرروا يومها استخدام قنبلتين ذريتين تكتيكيتين واحدة لضرب الجيش الثانى، والأخرى لضرب الجيش الثالث، حيث اعتقدوا أن الجيش المصرى سوف يستكمل هجومه للحدود ويدخل إسرائيل، ومن هنا جاء الجسر الجوي الأمريكى لإسرائيل حتى إن واشنطن قررت توفيرا للوقت أن يأتى السلاح من مخازن قواعدها فى ألمانيا إلى مطار العريش رأسا، وانفتحت يومها مخازن الأسلحة الأمريكية لإنقاذ إسرائيل، خاصة صواريخ «التو» المضادة للدبابات التي كان لها دور رئيسى فى الثغرة، وكانت وقتئذ أحدث الصواريخ الأمريكية التي لم تكن منحتها لأى دولة، ولولا هذا الجسر الجوى الأمريكى لما كانت إسرائيل قد نجحت فى الصمود أمام الجيش المصرى، وفى يوم 15 أكتوبر طورنا الهجوم فى اتجاه المضايق لتخفيف الضغط على الجبهة السورية، ولكننا للأسف لم ننجح لأننا خرجنا خارج حماية حائط الصواريخ. إدعاءات كاذبة كيف ترى الادعاءات الإسرائيلية الأخيرة بالانتصار فى نهاية الحرب؟ لا توجد دولة تعترف بهزيمتها، ولكن الأحداث وحقائق الأمور تؤكد هذه الهزيمة بوضوح تام، يكفى أنه بعد الحرب بشهر واحد شكلوا لجنة أجرانات للتحقيق فى التقصير أثناء الحرب، وهى قضت بعزل رئيس الأركان الذى يشغل أيضا منصب قائد الجيش هناك، لأنهم فى إسرائيل يطبقون النظام الغربى الذى فيه رئيس الأركان هو قائد الجيش وليس وزير الدفاع كما هو النظام لدينا لأننا نتبع النظام الروسي الذي فيه وزير الدفاع هو القائد العام للجيش، فعندما تقضى لجنة أجرانات بعزل رئيس الأركان ومدير المخابرات الحربية الإسرائيلية «أمان»، فهل هذا انتصار؟ المنتصر أمنحه نياشين، لا أقوم بعزله، أليس كذلك؟ وبالمناسبة لجنة أجرانات لم تصدر تقريرها النهائي حتى الآن بعد مرور نصف قرن على الحرب، رغم أن إحدى الصحف أخذت حكم من المحكمة العليا هناك بعرض الحقيقة على الرأي العام الإسرائيلي، ولكنه لم يحدث؛ لأنها لو نشرته فسوف توجه الاتهامات لجولدا مائير وموشيه ديان لأنهم لم يعلنا التعبئة العامة وتسببا فى الهزيمة، وأيضاً لمدير الموساد الذى لم يعرف أن هناك حرباً، فبالتالى كانت هناك كارثة فى إسرائيل، إدعاءاتهم مجرد كلام، لكن الواقع يقول: إنهم عزلوا قائد الجيش ومدير المخابرات، ويحاولون الإيحاء بانتصارات زائفة، ونشر الشائعات والإدعاء مثلا أن أشرف مروان كان جاسوسًا لديهم، مع أنه لو كان جاسوسا لكان أبلغهم ميعاد الهجوم ليستعدوا للمواجهة، وهو كان مقربا من الرئيس جداً، ولكنه لم يحدث.. حقائق الأمور والأحداث تبرز زيف كلامهم. هل سعت إسرائيل لسرقة انتصار أكتوبر المجيد ؟ بالطبع، بعد الحرب وأثناء وجودي فى لندن للدراسة فى كلية أركان الحرب بكمبرلى، أجريت مناظرة بيني وبين أرييل شارون، عن حرب أكتوبر، وبالطبع كانت إحدى نقاطها الثغرة التى يعتبرون أنهم انتصروا فيها، والمفاجأة أنهم طبقاً للمحكمين فى المناظرة، تم منحي فى موضوع الثغرة 8 من 10 نقاط، فى حين حصل شارون على 6 نقاط فقط، ومعهد الدراسات الاستراتيجية الدولي الذي قام بتحكيم المناظرة نصح بعدم تنفيذ مثل هذه العملية مرة أخرى لأنها كانت مفتقدة لعناصر التأمين طبقاً لرأى محكمي المعهد، وذكروا أنه للدخول فى مثل هذه العملية الهجومية كان يجب تأمين الجوانب، ولكن هذا لم يحدث، وأضافوا أن القوات المصرية التى حاصرت الثغرة لو كانت قد هجمت لكانت قد قضت عليها تماماً، لذلك أول شيء بعد وقف إطلاق النار انسحبت القوات الإسرائيلية من الثغرة، لأنها كانت تعلم أن مصر قادرة على تدميرها، وهو ما أكده معهد الدراسات، أما عن إدعاءات شارون بأنه رفع العلم الإسرائيلي فى إفريقيا، فهذا لا معنى له، فإذا كان فى موضع قوة، فلماذا سارع بالانسحاب والهروب فى النهاية؟ هل تقصد أن قواتهم فى الثغرة كانت رهينة لدينا؟ بالضبط قواتهم كانت رهينة فوق الأراضي المصرية، لذلك سارعوا بطلب سحبها.. بمناسبة انجلترا، ما قصة التحاقك بكلية كمبرلي لأركان الحرب فى لندن؟ أثناء الحرب، وفى غرفة العمليات وقف الرئيس السادات على خريطة المعركة يستفسر عن إحدى النقاط، فقال له الضباط يا أفندم العدو الإسرائيلى يتبع أسلوب الدفاع المتحرك، ونحن لم ندرس هذا الأسلوب لأنه عقيدة غربية، فى حين أننا نتبع العقيدة الشرقية فى القتال.. فتساءل السادات ولماذا لا ندرس العقيدة الغربية؟ أوضحوا له أنه منذ عهد الرئيس عبد الناصر وبعد صفقة الأسلحة التشيكية وما أعقبها من عدوان ثلاثى ونحن لا نرسل ضباطنا للدراسة فى الغرب، فطلب من القادة إرسال ضباط للدراسة فى أمريكاوإنجلترا وفرنسا، وبالفعل أرسلنا طلبات لهذه الدول، وكانت انجلترا أول دولة ترد علينا أيامها ووسط الحرب، حيث طلبوا إرسال ضابط مصرى للالتحاق بكلية أركان الحرب بكمبرلى وكانوا يريدون أن يتعرفوا وقتها على فكرنا وكيف خططنا وحقننا انتصار أكتوبر، ووقتها وقع عليّ الاختيار من قبل رؤسائي باعتبارى كنت الأول على دفعة أركان الحرب فى مصر، فسافرت إلى انجلترا، ومن يومها يتم إرسال الأول فى كلية أركان الحرب للدراسة فى كمبرلي، وكنت أول ضابط مصرى يحضر إلى كمبرلي، وأتذكر وقتها كانت صدمة هناك، وفى أحد الأيام نشرت صنداي تايمز صورتي وعلقت عليها لأول مرة ضابط مصري يدرس فى إنجلترا وسيعود ليقتل الإسرائيليين فى سيناء مرة أخرى، ولكني لم أهتم كما أن مدير الكلية أعتذر عما نشر.