يمر اليوم السبت 50 عاما على استشهاد الفريق أول عبدالمنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المسلحة والذي اتخذت مصر يوم استشهاده في النقطة رقم (6) على الضفة الغربية للقناة ليكون يوما للشهيد المصري، لأن الأحداث التي تتخذها الدول عيدا ورمزا لها لا بد أن تكون قد شهدت حدثا عظيما، فالقوات الجوية تحتفل بعيدها يوم 14 أكتوبر في ذكرى معركة المنصورة، والتي تعد أطول وأضخم معركة جوية في التاريخ، وعيد القوات البحرية يأتي يوم 21 أكتوبر احتفالا بتدمير أكبر قطعة بحرية في الأسطول الإسرائيلي (المدمرة إيلات) عام 1967، وفي يوم التاسع من مارس من كل عام تحتفل مصر بيوم «الشهيد المصري»، وهذا العام نحتفل باليوبيل الذهبي ليوم الشهيد والمحارب القديم. أيام وأحداث، معارك وبطولات، نماذج مضيئة في تاريخ الوطن، قدمت دون أن تنتظر مقابلا لما قدمته، أبرت بالقسم الذي أقسمت عليه.. فقدمت دماءها وأرواحها رخيصة للحفاظ على وطن غال. ونحن نحتفل اليوم بيوم الشهيد والمحارب القديم أجدنى أمام أزمة حقيقية، فلا كلمات اللغة تسعفنى لكى أصف الروح التى بذل بها الأبطال دماءهم ولا العطاء الذى قدموه من أجل وطنهم. أجد كلمات قاموس اللغة العربية تعجز عن وصف بطولات الشهيد إبراهيم الرفاعى وسيد زكريا وغريب منصور وأحمد حمدى وإبراهيم عبد التواب وشفيق مترى ومحمود عوض جلال ومحمد حسين محمود أول شهيد فى حرب أكتوبر 1973 وأحمد المنسى وخالد مغربى وأيمن شويقة وغيرهم الكثير ممن يصعب حصرهم فى صفحات المجلة بالكامل، الذين قدموا أرواحهم فداء لمصر. ودعونى فى السطور القادمة أحاول الوقوف على بعض النماذج من الشهداء ممن توافرت لدينا بعض المعلومات عن البطولات التى سطروها فى حماية الوطن؛ وأقدم بعضا من فيض بطولاتهم، فهم القدوة . فقد اجتمعت فيهم مجموعة من الصفات أجدهم وكأنهم صورة لشخص واحد، كيف لا يحدث ذلك وهم شربوا وتربوا فى مدرسة البطولة والفداء «القوات المسلحة» وتعلموا معنى الوطن ودور كل منا فى الحفاظ على مقدراته. فجميعهم يتمتعون بأدب جم وتجدهم تربطهم علاقة مودة ومحبة سواء مع من يعرفونهم من الأصدقاء والزملاء أو من يتولون مسئوليتهم. جميعهم يضعون المصلحة العليا للوطن فى المرتبة الأولى ولا ينازعهم أحد فى ذلك. وكيف لا ونشيدهم فى كل حين: رسمنا على القلب وجه الوطنْ .. نخيلاً ونيلاً وشعباً أصيلاً وصناكِ يا مصرُ طولَ الزمنْ .. ليبقى شبَابُك جيلاً فجيلا ومادام جيشُكِ يحمى حِمَاكِ .. ستمضى إلى النصرِ دوماً خطاكِ سلامٌ عليكِ إذا ما دعانا .. رسولُ الجهادِ ليومِ الفداءْ وسالتْ مع النيلِ ِيوماً دِمانا .. لنبنى لمصرَ العلا والرخاءْ (1) استشهد الفريق أول عبد المنعم رياض يوم 9 مارس خلال تفقده لنتائج عمليات القصف التى قامت بها المدفعية المصرية متوسطة المدى يوم 8 مارس 1969 فى إطار خطة كانت القوات المسلحة قد وضعتها لتدمير بعض نقاط العدو على خط بارليف وفتح ثغرات به خاصة بعد أن تحدث الروس عن أن عبور المصريين لخط بارليف يحتاج إلى قنبلة ذرية. وكانت الخطة الأولى أن يتم توجيه ضربة مدفعية مركزة تمكن من فتح ثغرات فى الساتر الترابى وذلك قبل التوصل الى الفكرة التى طرحها اللواء مهندس باقى ذكى يوسف من خلال فتح الثغرات باستخدام خراطيم المياه والتى فتحت بها ثغرات خط بارليف فى حرب أكتوبر . استُشهد رئيس الأركان وهو فى الصفوف الأمامية بين جنوده بعد أن رصدت إحدى نقاط العدو تواجدًا كثيفًا حول القائد فى النقطة فاعتبرته صيدًا ثمينًا ولم تكن تعلم أنه رئيس الأركان، واستهدفت النقطة رقم 6 بقذيفة استشهد على إثرها البطل الفريق أول عبد المنعم رياض والذى اتخذت مصر من يوم استشهاده يوما للشهيد. (2) أسطورة الصاعقة الشهيد العقيد إبراهيم الرفاعى مؤسس المجموعة «39 قتال» التى كانت بمثابة الشوكة فى ظهر القوات الإسرائيلية، وكان الأبطال من رجال الرفاعى يقومون بعمليات الإغارة على مواقع العدو فى سيناء فأعادوا الثقة فى الجيش المصرى وأكدوا قدرة الجيش على الانتصار فى معركة التحرير، فقد نصب رجال الرفاعى العديد من الكمائن للقوات الإسرائيلية وأسقطوا عددا كبيرا من القتلى ودمروا العديد من معدات الجيش الإسرائيلى وأسروا عددا من ضباطه خلال فترة حرب الاستنزاف. لقد كانت مجموعة الرفاعى (المجموعة 39 قتال) مصدر الرعب للجنود الإسرائيليين فى سيناء. وبعد حدوث الثغرة ظنت إسرائيل أنها حققت نصرا فحوله رجال الرفاعى الى هزيمة جديدة أضيفت الى سجل الهزائم التى منيت بها إسرائيل منذ بدء المعركة، فقام رجال الرفاعى بضرب مطار الطور يوم 17 أكتوبر لقطع الطريق على الجيش الإسرائيلى بزيادة الإمدادات. وفى يوم الخميس 18 أكتوبر كان الرفاعى فى غرفة عمليات القوات المسلحة مع الرئيس السادات والمشير أحمد إسماعيل وزير الدفاع، وتم تكليف الرفاعى وأفراد مجموعته بضرورة نسف المعبر الذى أقامته القوات الإسرائيلية فى الثغرة لمنع وصول الإمدادات غرب القناة. وضع الرفاعى ورجاله خطة لتنفيذ التكليف والذى تعدل فى مركز قيادة الجيش الثانى، كانت التعليمات الجديدة له من الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس أركان حرب القوات المسلحة، ضرورة تحرك «الرفاعى» ومجموعته على طريق – المعاهدة – للوصول إلى تقاطع «سرابيوم» عند قرية «نفيشة»، والتمسك بهذا الموقع مهما كان الثمن، وذلك لمنع قوات العدو من التقدم لاحتلال الإسماعيلية. احتل «الرفاعى» ومجموعته مواقعهم واكتشفت قوات الاستطلاع مجموعة من دبابات العدو تتقدم فى اتجاه أحد مواقع الصواريخ المضادة للطائرات، وفى اتجاه مواقع الصواريخ تقدم الرفاعى ومعه الرقيب أول مصطفى إبراهيم والعريف محمد الصادق عويس، والمقاتل شريف عبد العزيز، وهم من أمهر رماة القاذف الصاروخى (آر بى جى 7) والمدفع 84 المضاد للدبابات عديم الارتداد. صعدت المجموعة إلى أعلى نقطة فى الموقع ليكشفوا قوات العدو، غير أنهم كانوا مكشوفين أيضا للعدو، وتم الاشتباك وتدمير دبابتين، فتوقف «كول الدبابات الإسرائيلى» ولكنه واصل إرسال قذائفه فى اتجاه الرفاعى ومجموعته. كان قرآن صلاة الجمعة يتواصل، بينما يقاتل أبطالنا بشراسة، ومع بداية أذان الجمعة سقط البطل إبراهيم الرفاعى بين رجاله الذين سارعوا إليه، فاكتشفوا أن شظية من قذائف العدو اخترقت صدره وأصابت قلبه. (3) ومن الرفاعى الى محمد حسين سعد ابن قرية سنديون مركز قليوب بمحافظة القليوبية، ولد عام 1946 لأب مزارع وأتم دراسته فى معهد قوسينا الدينى، وبعد التخرج تم تعينه باحثًا اجتماعيًا بوحدة طوخ بالقليوبية، انضم إلى القوات المسلحة قبل 1973 بسنوات وبالتحديد فى عام 1968 كأحد جنود الاستطلاع ودخل سيناء عدة مرات وفقًا لسجله بالقوات المسلحة. فقد كان «حسين» أول العابرين مع قوات الجيش الثالث الميدانى لخط بارليف. وأول الشهداء فى المعركة . ومن حسين إلى «سيد زكريا» الملقب بأسد سيناء الذى قتل 22 إسرائيليا وظنت القوات الإسرائيلية أنها تقاتل قوة كبيرة من الجيش المصرى لتجده فى النهاية البطل منفردا بعد استشهاد زملائه وظلت قصته لم يعلمها أحد حتى كشفها قاتله فى عام 1996 عندما زار يهوديا فى ألمانيا السفير المصرى هناك ومنحه متعلقات سيد زكريا والتى احتفظ بها كل تلك الفترة اعتزازًا ببطولة أسد سيناء. فى أكتوبر73 كُلفت مجموعة مكونة من 8 أفراد بالصعود إلى جبل (الجلالة) بمنطقة رأس ملعب بينهم الشهيد سيد زكريا، وقبل الوصول إلى الجبل استشهد أحد الثمانية فى حقل ألغام، ثم صدرت التعليمات من قائد المجموعة النقيب صفى الدين غازى بالاختفاء خلف إحدى التباب وإقامة دفاع دائرى حولها على اعتبار أنها تصلح لصد أى هجوم وعندئذ ظهر اثنان من بدو سيناء يحذران الطاقم من وجود نقطة شرطة إسرائيلية قريبة فى اتجاه معين وبعد انصرافهما زمجرت 50 دبابة معادية تحميها طائرتان هليكوبتر. وعند حلول الظلام وبينما يستعدون للانطلاق لأرض المهمة، ظهر البدويان ثانية وأخبرا النقيب غازى أن الإسرائيليين قد أغلقوا كل الطرق، ومع ذلك وتحت ستار الليل تمكنت المجموعة من التسلل إلى منطقة المهمة واحتمت بإحدى التلال وكانت مياه الشرب قد نفدت منهم فتسلل الأفراد أحمد الدفتار وسيد زكريا وعبد العاطى ومحمد بيكار إلى بئر قريبة للحصول على الماء، حيث فوجئ بوجود 7 دبابات إسرائيلية فعادوا لإبلاغ قائد المهمة بإعداد خطة للهجوم عليها قبل بزوغ الشمس، وتم تكليف مجموعة من 5 أفراد لتنفيذها منهم سيد زكريا وعند الوصول للبئر وجدوا الدبابات الإسرائيلية قد غادرت الموقع بعد أن ردمت البئر وفى طريق العودة لاحظ الجنود الخمسة وجود 3 دبابات بداخلها جميع أطقمها، فاشتبك سيد زكريا وزميل آخر له من الخلف مع اثنين من جنود الحراسة وقضيا عليهما بالسلاح الأبيض وهاجمت بقية المجموعة الدبابات وقضت بالرشاشات على الفارين منها، وفى هذه المعركة تم قتل 12إسرائيليا، ثم عادت المجموعة لنقطة انطلاقها غير أنها فوجئت بطائرتى هليكوبتر تجوب الصحراء بحثا عن أى مصرى للانتقام منه، ثم انضمت إليهما طائرتان أخريان وانبعث صوت عال من إحدى الطائرات يطلب من القائد غازى بتسليم نفسه مع رجاله وقامت الطائرات بإبرار عدد من الجنود الإسرائيليين بالمظلات لمحاولة تطويق الموقع وقام الجندى حسن السداوى بإطلاق قذيفة (آر . بى . جى) على إحدى الطائرات فأصيبت وهرع الإسرائيليون منها فى محاولة للنجاة حيث تلقفهم سيد زكريا أسد سيناء برشاشه وتمكن وحده من قتل 22 جنديًا واستدعى الإسرائيليون طائرات جديدة أبرت جنودا بلغ عددهم مائة جندى أشتبك معهم أسد سيناء وفى هذه اللحظة استشهد قائد المجموعة النقيب صفى الدين غازى بعد رفضه الاستسلام، ومع استمرار المعركة غير المتكافئة استشهد جميع أفراد الوحدة واحد تلو الآخر ولم يبق غير أسد سيناء مع زميله أحمد الدفتار فى مواجهة الطائرات وجنود المظلات المائة، حيث نفدت ذخيرتهما ثم حانت لحظة الشهادة وتسلل جندى إسرائيلى خلف البطل وأفرغ فى جسده الطاهر خزانة كاملة من الرصاصات ليستشهد على الفور ويسيل دمه الذكى على رمال سيناء الطاهرة وعند استشهاده أدى له الجندى الإسرائيلى التحية العسكرية واحتفظ بمتعلقاته. ومن سيد زكريا الى أحمد المنسى وخالد مغربى وباقى أبطال معركة القضاء على الإرهاب وأبطال وحدات الصاعقة وحرس الحدود والمدفعية وغيرهم من الأبطال وتتواصل البطولات والأجيال دفاعا وزودا عن الوطن.