تعرضت الخريطة الإعلامية لتقلبات شديدة عقب ثورات الربيع العربى وفى مقدمتها القنوات الفضائية نظرا لتراجع النشاط التجارى وضعف الإقبال على الإعلانات مقارنة بما قبل عام 2011 ، فأقدم بعض رجال الأعمال والمستوردين على إنشاء قنوات فضائية كنافذة للإعلان عن منتجه أو السلعة التى يستوردها وهو ما أحدث حالة من الفوضى فى الوسط الإعلامى، وذلك لسهولة إنشاء تلك المحطات الفضائية فهى تتم دون إجراءات معقدة بل هناك بعض المحطات التى تبث على الهواء دون علم السلطات المختصة ، فضلا عن أنها لا تتكلف مبالغ كبيرة. فإنشاء القنوات وخاصة فضائيات الأفلام والمسلسلات لا تتعدى 100 ألف جنيه مصرى، وكل ما يتحمله بعد ذلك هو المبلغ الذى يتم دفعه شهريا للقمر الصناعى 14 ألف دولار شهريا مقابل إشارة البث مما جعل الإقبال يتزايد على إنشاء القنوات الفضائية لاسيما وأنه لا توجد شروط أو ضوابط أو حتى معايير لإنشاء القنوات، كما يستطيع صاحبها أن يبثها من أى مكان سواء شقة أو كشك خشبى فى الشارع، حتى وصل عدد القنوات الفضائية إلى الآن 1470 قناة يمتلك القطاع الخاص منها 82% وذلك على مستوى الوطن العربى وتحتل مصر المرتبة الأولى بين الدول العربية الأكثر امتلاكا للقنوات برصيد 670 قناة المرخص منها طبقا للاحصائيات 230 قناة والباقى مجهول المصدر والهوية والغريب أن هناك أماكن وإحياء انتشرت فيها مقرات للقنوات التجارية، كما يطلق عليها وهى أماكن بشوارع فيصل بالجيزة والمهندسين والزمالك ومصر الجديدة وجسر السويس وبعض المناطق الصناعية بالسادس من أكتوبر، أى بدون الحاجة إلى استوديوهات أو غرف تحكم وكل ما يحتاجه فقط هى غرفة بها كمبيوتر عالى الجودة موصل بخط تليفون أرضى واشتراك مع إحدى شركات الإنترنت بشرط أن تكون سرعة عالية بالإضافة إلى جهاز ميكسر للصوت وجهاز آخر لشريط الرسائل ويقوم القائمون على هذه القنوات بتجهيز قائمة بالأفلام التى يتم عرضها خلال اليوم ووضعها على الكمبيوتر ليبدأ فى عرضها واحدة تلو الأخرى مع إضافة الفواصل الإعلانية التى يستطيعوا أن يحصلوا عليها وعن طريق الإنترنت يتم إرسالها فورًا إلى القمر الصناعى سواء اليوتيل سات أو النور سات، لتصل إلى مركز الاستقبال بمقر القمر الصناعى ويتم بثها فورًا عبر شارات البث الأمر الذى يجعل النايل سات عاجزًا عن التشويش على بث هذه القنوات أو مواجهتها لأنها لا تبث عبر أطباق ستالايت ولكنها تبث عبر خطوط هاتفية يصعب التشويش عليها ونتيجة لسهولة هذه العملية والتى شجعت عددا كبيرا من المستثمرين على استخدامها فى عرض مضامين مختلفة: منها الأفلام، والرقص الشرقى، وقنوات الأطفال، فضلا عن الإعلانات المضللة ومجهولة المصدر بدون حقوق ملكية لهذه المضامين المعروضة، إلى جانب ذلك لجوء بعض هذه القنوات لتقديم برامج توك شو تعتمد على إشعال الإثارة من خلال تعلية سقف المحتوى الإعلامى أو المادة المقدمة دون النظر لأية اعتبارات سوى تحقيق نسبة كثافة فى المشاهدة، هذا بالإضافة إلى تهرب هذه القنوات من المسئولية القانونية والملاحقة القضائية، فى ظل عدم وجود سلطة قانونية للحكومة المصرية على هذه القنوات التى تبث فى نفس مدار قمر نايل سات وتظهر مع قنواته ، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على الذوق العام وبث السموم داخل المجتمع المصرى وتضليل المجتمع من خلال الإعلان عن منتجات وهمية ومجهولة المصدر قد تؤدى إلى خدش الذوق العام وترسيخ عادات لا تتناسب مع العادات المجتمعية الشرقية ليصبح الإعلام والفن السلاحين الوحيدين اللذين توجه إليهما أصابع الاتهام بتغيير المزاج المجتمعى وفرض ثقافة البلطجة والانحلال والعادات المستوردة من الخارج مثلها مثل أى منتج يتم استيراده وتنتهى مهمته بعد الاستهلاك. إعلانات مضللة وفى محاولة للتصدى لتلك الظاهرة، أحال جهاز حماية المستهلك 16 قناة فضائية للنيابة لقيامها ببث إعلانات مضللة لمنشطات جنسية وأدوية تخسيس وعلاج للنحافة، مجهولة المصدر وتُشكل خطورة على الصحة العامة. وقال عاطف يعقوب رئيس جهاز حماية المستهلك، فى تصريحات صحفية بأنه فى إطار خطة الجهاز الهادفة إلى حماية المستهلك ضد عمليات الغش والتدليس فى الأسواق ومكافحة الإعلانات المضللة، فقد تم تفعيل إدارة الإعلانات المضللة التى تقوم برصد ومراقبة الإعلانات المضللة والخادعة على مدار ال 24 ساعة من خلال المرصد الإعلامى لجهاز حماية المستهلك، واتخاذ الإجراءات القانونية ضد المخالفين، وأوضح يعقوب إنه تم رصد إعلانات مضللة تبث على شاشات 16 قناة فضائية للترويج لمنتجات طبية بادعاء قدرتها على علاج عدد من الأمراض على خلاف الحقيقة، حيث إن الجهاز قد خاطب وزارة الصحة للإفادة عما إذا كانت المنتجات المعلن عنها مسجلة بالوزارة وحاصلة على ترخيص من عدمه، وكانت المفاجأة بأن وزارة الصحة أكدت أن المنتجات غير مسموح بتسجيلها كأدوية بشرية أو مستحضرات تجميل ولا بأغراضها العلاجية المعلن عنها. وأضاف يعقوب أنه قد تمت إحالة عدد 9 بلاغات للنيابة العامة ضد قناة تايم كوميدى، وعدد 7 بلاغات ضد قناة تايم اخترنالك، و4 بلاغات ضد قناة تايم سينما، وعدد 3 بلاغات ضد قناة تايم تاكسى، و3 ضد قناة تايم فيلم، و7 بلاغات ضد قناة تايم أكشن، وعدد 2 بلاغ ضد قناة كايرو دراما، وبلاغ ضد كل من قناة كايرو سينما، وقناة بانوراما فيلم، وذلك لقيامها ببث إعلان على شاشاتها عن منتج «صن برست» بادعاء قدرته على علاج الصلع وزيادة كثافة الشعر، وقد أكدت وزارة الصحة عدم حصول المنتج على أى تراخيص من الوزارة. كما تمت إحالة عدد 6 بلاغات للنيابة العامة ضد / قناة بانوراما دراما 2، وعدد 5 بلاغات ضد قناة كايرو سينما، وعدد 3 بلاغات ضد قناة بانوراما فيلم، وذلك لقيامها بالإعلان عن منتج (Fixed Herbal Tea) بادعاء قدرته على التخسيس وأنه آمن على الأطفال وبادعاء تسجيله بوزارة الصحة، وكل ذلك على خلاف الحقيقة حيث أفادت وزارة الصحة بأن المستحضر المعلن عنه غير مسجل بها. كما تم إحالة 6 بلاغات للنيابة العامة ضد/ قناة كايرو سينما وذلك لقيامها بالإعلان عن منتج (حزام الدوالى) باعتباره عقارا يقضى تماما على آلام الدوالى وقد تبين من إفادة وزارة الصحة بأن المنتج المعلن عنه غير مسجل بها. كما تم إحالة كل من قناة تايم اخترنالك، وتايم فيلم للنيابة العامة وذلك لقيامها بالإعلان عن منتج (Grow Fast ) لعلاج النحافة للأطفال والكبار وقد تبين من إفادة وزارة الصحة بأن المنتج المعلن عنه غير مسجل بها. وأشار يعقوب إلى أنه قد تم إحالة بانوراما فيلم 1 للنيابة العامة لقيامها بالإعلان عن منتج يسمى «German cream» بإدعاء أن المنتج يعمل على علاج آلام العظام، على خلاف الحقيقة حيث تبين من إفادة وزارة الصحة بأن المستحضر المعلن عنه غير مسجل بالوزارة. تشريعات جديدة ويرى الخبير الإعلامى ياسر عبد العزيز أن تقنين وضع الفضائيات ووضع أطر محددة تعمل فى مداها يحتاج للقوانين والتشريعات منها قانون الإعلام الوطنى وقانون للبث المسموع والمرئى لجعلها تحت كنفه دون تقييد لحرية الرأى والتعبير والإبداع أيضا، مشيرا إلى أن غالبية القنوات تصدر عن موافقات حكومية لكن التناقض فى عدم قدرة تلك الجهات الحكومية على محاسبة المخطئ على قدر الجرم المرتكب، فتقطع شارة البث تارة ثم تعاود الظهور أسوأ مما كانت عليه، وتارة أخرى تحصل على لفت نظر علما بأنه لا توجد نصوص صريحة للتعامل معها سوى ما يمس الأمن القومى المرتبط ببعض الجهات المعروفة، ويؤكد ياسر عبد العزيز أن إفساد الذوق العام ونشر الإسفاف والإعلانات المضللة ومجهولة المصدر يأتى فى مقدمة التهديد الصريح والواضح للأمن القومى. أما الخبير الإعلامى صفوت العالم فيرى أن تشكيل لجنة عليا من فئات متنوعة للنظر فى أوضاع ومستقبل تلك القنوات أولى خطوات التعامل الناجحة للسيطرة على تلك الفوضى، مشيرا إلى أن المنظور الجديد لإنشاء أى قناة يعتمد من وجهة نظره على آليات وبرامج مسبقة يتم وضعها ضمن الشروط لتلقى طلبات إنشاء تلك القنوات، وأضاف أن هناك حالة تجارة واضحة فى الإعلام يجب التصدى لها قبل تغيب العقول والفكر والإسهام فى فقدان روح المواطنة لدى المصريين، معتبرا أن 90 % من تلك القنوات عبارة عن محلات أو مصانع تحت بير السلم تقدم منتجا غير آدمى يضر بصحة المصريين ويصيبهم بالوباء. ومن جانبه قال الدكتور محمد وهدان أستاذ الإعلام بجامعة الأزهر إن الوسط الإعلامى يشهد حالة من الفوضى الإعلامية والإعلانية، مشددا على ضرورة أن تلتزم هذه القنوات بميثاق الشرف الإعلامى وقوانين البث المرئى، وطالب وهدان بتشكيل لجنة من وزارة الصحة ووزارة الاستثمار لمتابعة المادة الإعلامية والإعلانية التى تبثها هذه القنوات.