أوشك الصراع فى سوريا أن يدخل عامه السادس، وخلق عبر سنواته الست أسوأ أزمة إنسانية خلفت أكثر من 250 ألف قتيل، وأرغمت نحوه 4.5 مليون سورى على مغادرة وطنهم. ورغم هذه الأرقام المأساوية إلا أن الحل السياسى مازال حلمًا يصعب تحقيقه لأن كل الأطراف متمسكة بالحلول التى تراها صحيحة، فعجزت عن تقديم حل داخلى يتوافق عليه الجميع، فألقت بمصير المسألة السورية فى أيدى اللاعبين الخارجين. لم تكن مفاوضات «جنيف 3» أسعد حظًا من «1 و2» واضطر المبعوث الأممى دى ميستورا إلى تعليق المفاوضات إلى 25 من الشهر الجارى، خوفًا من انسحاب وفد المعارضة. وفى الداخل السورى مازالت الحرب مستمرة وسط تقدم يحققه جيش الأسد فى حلب، وقصف روسى مكثف شرقًا على دير الزور. تعقيدات الحل السياسى لاشك فى أن تعليق المفاوضات بشأن الأزمة السورية تجسيد عملى لطبيعة التعقيدات، خاصة مع وجود لاعبين مؤثرين فى الساحة السورية، روسيا التى ألقت بثقلها للوقوف بجانب نظام بشار الأسد، والتحالف الدولى لمحاربة «داعش» بقيادة الولاياتالمتحدة. وتبدو الخيارات فى حل الأزمة السورية محدودة، فى ظل الأوضاع السياسية والتقاطعات العسكرية لهذه الأزمة. ويشير فشل مفاوضات «جنيف 3» بين النظام وفصائل المعارضة إلى عدم وجود هامش من التنازلات من قبل الأطراف التى حضرت إلى جنيف، فكل الأطراف متمسكة بالحلول التى تراها صحيحة، وهى بذلك عاجزة عن تقديم حل داخلى يتوافق عليه الجميع، وألقت بمصير المسألة السورية فى أيدى اللاعبين الخارجين، لكن «جنيف 3» كشفت عن وجود تحول فى السياسة الأمريكية، فقد تخلت إدارة أوباما عن هدف إسقاط بشار الأسد، واكتفت بالمطالبة بمجرد تنحيه. إضافة إلى التسليم بوجوده شريكًا فى محادثات التسوية، بل إبلاغ المعارضة السورية فى الرياض على لسان جون كيرى وزير الخارجية أنه سيكون من حق الأسد أن يترشح للانتخابات القادمة التى ستعقب الاتفاق السياسى. وليس قليلاً أن تنتقل أمريكا من تسليح المعارضة وتدريبها وتمكينها - من خلال تركيا - من الدعم اللوجيستى الذى تحتاجه، إلى ممارسة الضغط على المعارضة وعلى تركيا لحملهما على خيار التسوية السياسية للأزمة السورية، وبالتالى تراجع الخيار العسكرى أملاً فى الإطاحة بالنظام، أو طمعًا فى استقطاع مناطق من الشمال السورى تقيم عليها الجماعات المسلحة المتعارضة مع نظام أردوغان سلطتها. وما لم تدركه المعارضة السورية فى موقف واشنطن الجديد، وفى تراجعها عن مواقفها المتشددة السابقة، هو أن واشنطن أصبحت تشارك موسكو الرأى فى أن المشكلة الرئيسية فى سوريا تتمثل فى الإرهاب، وفى تمدده وانتشاره فى منطقة حساسة من العالم. وأن هذا الإرهاب لا يمكن القضاء عليه بالتدخل العسكرى فقط والذى تقوم به موسكووواشنطن كل منهما على حدة، ولكن بإنتاج حل سياسى لأزمة مثلث بيئة مثالية حاضنة لنمو الإرهاب وانتشاره. ورغم تعليق محادثات «جنيف 3» إلا أن الأمل مازال باقيًا فى أن يدرك أطراف الأزمة السورية أن فرصة التسوية هى المخرج الوحيد للحل.. وأن هذه الفرصة لن تظل متاحة لفترة طويلة. حرب حلب ودير الزور وعلى صعيد الحرب فقد واصلت قوات النظام السورى تقدمها فى ريف حلب الشمالى مدعومة بغطاء جوى روسى، فى حين تواصلت الاشتباكات فى مختلف جبهات القتال فى سوريا. ويُشكّل تقدم قوات بشار وحلفائه نحو الحدود التركية عبر تطويقه مدينة حلب بشكل شبه كامل محطة حاسمة فى الحرب. الهجوم على حلب تم الإعداد له جيدًا، الروس دخلوا بقوة عبر الضربات الجوية وقوات خاصة على الأرض. ويقاتل مع جيش النظام «حزب الله» اللبنانى، كما يعتمد النظام على العديد من الميليشيات العراقية، والحرس الثورى الإيرانى، والهزارة الأفغان. وتتقدم قوات النظام باتجاه مدينة تل رفعت، إحدى أهم معاقل الفصائل المقاتلة فى ريف حلب الشمالى والتى تبعد 20 كيلومترًا من الحدود التركية. واستعاد الجيش السورى عدة بلدان وقطع طريق الإمداد الرئيسى للفصائل الذين لم يتبق لهم سوى منفذ واحد يتعرض أيضًا لقصف جوى فى شمال غرب المدينة باتجاه محافظة إدلب (غرب) الواقعة بالكامل تحت سيطرة الفصائل الإسلامية. كما تدخل معركة دير الزور فى مواجهة مصيرية سواء بالنسبة لنظام بشار وحلفائه أو بالنسبة إلى تنظيم «داعش» الذى يحكم قبضته على معظم المدينة وريفها. ولم تتوقف العمليات العسكرية منذ أسبوعين فى مدينة دير الزور ومحيطها، فى ظل إصرار موسكو أنها تخوض معركة استراتيجية للحفاظ على مواقع حليفها بشار الأسد، لأن خسارتها لدير الزور تعنى فى المفهوم العسكرى تحويل الجبهة الشرقية إلى منطقة نفوذ أمريكية إذا ما بدأت معركة تحرير الموصل من يد تنظيم «داعش». دير الزور ثانى أكبر محافظاتسوريا بعد حمص، ومتصلة جغرافيًا بمحافظة الأنبار العراقية، بخلاف الرقة التى تفصل بينها وبين العراق محافظتى الحسكة ودير الزور. مؤتمر ميونيخ ومن المتوقع أن يحسم المؤتمر الوزارى ل المجموعة الدولية لدعم سوريا» على هامش مؤتمر الأمن فى ميونيخ مصير استئناف المفاوضات غير المباشرة بين ممثلى الحكومة السورية والهيئة التفاوضية للمعارضة فى جنيف فى 25 من شهر فبراير الحالى. وكان المبعوث الدولى ستيفان دى ميستورا قد استبق قرار المعارضة السورية الانسحاب من المفاوضات احتجاجًا على تكثيف الغارات الروسية على ريف حلب، بإعلانه «تعليق» المفاوضات إلى 25 الشهر الجارى.. وذلك لقناعته أن انسحاب المعارضة سيجعل عودتها أمر أكثر صعوبة، فى حين أن تعليقه للمفاوضات يترك مبادرة العودة لطاولة المفاوضات فى يديه. وكان جون كيرى قد صرّح أمام مؤتمر المانحين فى لندن الخميس قبل الماضى أنه يجب أن يكون هناك نقاش للوصول إلى صيغ تلتزم بها جميع الأطراف بحيث يتاح وصول الإغاثة ويمكن تطبيق وقف إطلاق النار. ويرى كيرى أن مؤتمر ميونيخ المنصة المناسبة لإقناع ممثلى الحكومة والمعارضة للعودة إلى جنيف. وبدا كيرى متحمسًا لإعلان وقف النار بالتزامن مع قيام الأممالمتحدة بصوغ مسودة لإعلان وقف النار يشمل القوات النظامية والمعارضة، مع تصعيد الحرب ضد «داعش» والتنظيمات الإرهابية. وتشير معلومات إلى أن الجانب الروسى موافق على مبدأ وقف شامل للنار، لكنه لا يرى ذلك ممكنًا حاليًا، وهو ما يرجح ربط موسكو موعد إعلان وقف النار بتحقيق القوات النظامية تقدمًا إضافيًا على الأرض، وتطويق حلب وعزلها عن خطوط الإمداد من تركيا، إضافة إلى تأمين حزام دمشق بسيطرة قوات الأسد على مدينة داريا وبعض مناطق الغوطة الشرقية.