حتى الآن لم نعرف ما هى المصلحة التى تحكم الأصابع الخفية التى تتحرك فى الظلام تزرع بذور الكراهية وتغرسها فى نفوس المواطنين ضد جهاز الشرطة وهى تواصل منهجا قديما منذ عرفت مصر نظام البوليس خاصة أيام الاحتلال رغم الدور الوطنى الذى لعبه رجال الشرطة خلال تلك المرحلة وانضمامه للشعب. لكن هذه الأصابع كرست ثقافة تتوارثها الأجيال بدأت من الأمثلة الشعبية ووصلت إلى الإعلام ثم إلى الأفلام.. وإذا نظرنا إلى دور الجهاز فإنه استطاع بفضل يقظته تحقيق عائد اجتماعى ضخم غير منظور فى مختلف الاتجاهات ،والشرطة هى العماد الأساسى فى جسد المجتمع، فهى حاسة التنبيه واليقظة والذراع القوية والحركة السريعة لتدارك الخطر ،وقد مر جهاز الشرطة فى المجتمع بعدة مدارس ومناهج بعد ثورة يوليو ،فالمرحلة الأولى كانت فى عهد زكريا محيى الدين ومعاونيه عبد العظيم فهمى ويوسف حافظ وأشهر متحدث فى العلاقات العامة لبيب بدوى ،وكانت هذه المدرسة تهدف إلى تحسين صورة رجال الشرطة وابتكرت شعار «الشرطة فى خدمة الشعب»، فضلا عن التطور فى التسليح وسرعة الحركة والمعلومات والتوثيق ،وأشهرها شرطة النجدة والبطاقة الورقية الشخصية، وامتدت هذه المدرسة إلى عهد عباس رضوان وشعراوى جمعة الذى أسس الأمن المركزى. تلاها مدرسة ممدوح سالم بعد صراع 15 مايو على السلطة عام 1971 وكان من معاونيه سيد فهمى ونبوى إسماعيل وكمال خير الله ووجدى حافظ ،وشعار هذه المدرسة تأكيد سيادة القانون. وتبعها بعد اغتيال السادات مدرسة بدأت من حسن أبو باشا رجل المرحلة المناسب وتبعه اللواء أحمد رشدى ثم زكى بدر وعبد الحليم موسى وحسن الألفى وأخيرا حبيب العادلى. وخلال هذه المرحلة انتقلت الشرطة من مرحلة الانضباط فقط إلى المزج بين الجانب الأكاديمى والمعلوماتى والانضباطى بفضل جهود د.عبد الكريم درويش رئيس الأكاديمية. ولقد بدأت حملة الكراهية بشكل ممنهج منذ عام 1971 حيث طرحت فى السوق الإعلامى مايقال مشروع قانون سيصدر من الحكومة يخول للشرطة سلطات القضاء ويعتبر بعضا من أجهزتها من الهيئات القضائية، وعندما علم ممدوح سالم تدارك هذا الأمر وعقد سلسلة من اللقاءات أشهرها لقاء فى نادى سبورتنج بالإسكندرية حضره من المستشارين الأجلاء فريد فهمى الجزائرلى وعبد الرحمن عمر وصفوت القاضى وإبراهيم شبانة وعبد العزيز الجندى وسامى البربرى ،وتم تدارك واحتواء الموقف بمفهوم المبادرة فى إجهاض مثل هذه الفتنة. وبعد اغتيال السادات عادت الفتنة مرة أخرى، إلا أن وجود مجلس شعب قوى حال دون انتشار هذه الموجة من الكراهية خاصة بعد إضراب الأمن المركزى عام 1986 ،حيث طرح على الساحة مشروع نسب للحكومة بأنها تفكر فى إنشاء سلطة قضائية من ضباطها تختص دون سواها بمحاكمة ضباط وأفراد الشرطة عما ينسب إليهم من الجرائم ولو كانت جرائم تعذيب المواطنين أو حبسهم ،حيث بالغت صحف المعارضة وقتها فى نشر صور لجثث من مواطنين – مقاومة سلطات أو بلطجة أو قطع طرق – دون أن يقرأ أحد أن النيابة العامة وجهت سؤالاً واحدًا للمسئول عن هذه الجريمة، ووضح للناس أن هؤلاء الضباط قد اصدروا ونفذوا الأحكام دون سند دستورى، وامتد أيضا إلى إشاعة أن هناك قانون مكافحة الإرهاب يعطى من خلال عبارات مطاطة حرية فى تسهيل التلاعب لكى يمتد إلى كل صاحب رأى معارض أو يستحسن أو يدافع أو يبرر أو يحبذ ما يخالف هوى المسئولين حتى لو أبدى هذه الرؤى فى قاعة الدرس بالجامعة نزولا على مقتضيات نشر العلم، أو قاعات المحاكم دفاعا عن المتهم، أو رأى قاله نائب تحت القبة، أو نطق به قاض بمناسبة إصدار حكم من أحكام القضاء –وكل هذه شائعات –بل ويمنحهم سلطة الحبس الاحتياطى حيث أطلقت بعض الاصطلاحات، فبدلا من كلمة الحبس قيلت كلمة القبض .. فضلا عن فكرة إنشاء محكمة مركزية موحدة للإرهاب، وكل هذا فى إطار الشائعات لبث الفتنة بين الشرطة والشعب،وكل هذا لم يجد من الحكومة اى صدى سوى مجرد التكذيب، ولم تكن تدرك أن هذه الحملات الممنهجة تهدف إلى خلق صراع مكتوم بين الشرطة والقضاء والبرلمان والصحافة والإعلام والشعب ،والتى تسعى فى النهاية لتكدير الأمن العام. وقد وصل الانحطاط فى تلك الحملات ما سمعنا عنه من واقعة شادى ومالك المسيئة حتى لو من باب المداعبة. وبعيدا عن نظرية المؤامرة علينا أن ندرك أن الغرض من الحملة فى الترويج لكراهية الشرطة هو المدخل لمعركة تقويض الدولة المصرية من خلال الشرطة التى تعتبر أحد الأعمدة الخرسانية فى مقوماتها، ولذلك فإن تدارك الأمر بالأسلوب العقلانى العلمى المنهجى غير التقليدى والنمطى فى معالجة تلك الأمور تحتاج إلى بحث عميق بعيدا عن الاجتماعات التليفزيونية لأن الأمر قد يصل إلى درجة يصعب تداركها ،والأمانة تقتضى أن أقول كمراقب أن الفاعل الأصلى فى هذه الجريمة مازال مجهولا.