نعم تحدث الرضيع وتكلم فى المهد صبيا.. لكى يقول شهادة حق فى وجه الباطل... ولكى ينقذ بريئًا من شَرك الاتهام فعلها عيسى عليه السلام لكى يزيح عن أمه البتول الاتهام الظالم.. ويعلن عن رسالة الله.. وفعلها طفل جريح لكى يبرئ ساحته ويخلصه .. وسبحان الله القادر فى آياته بين خلقه.. فهل كان صحيًّا أن يتحدث ابن ماشطة فرعون ويطالبها بالصبر والاحتساب وهم يلقون بها هى وإخوتها فى النار الموقدة.عندما تلألأت الدموع فى عين الإنسان المصرى العطوف عبد الفتاح السيسى وهو يحمل على ذراعه الطفل الرضيع ابن الشهيد محمد أمين الحبشى.. عندها تداخلت الصور واختطلت المشاعر.. كم من طفل وطفلة احتضنه السيسى من ورثة الأبطال الشهداء وهو يسلمهم أوسمة الفخر.. ويعدهم بأن يظلوا دائما فى مقدمة الصورة ولو كره المضللون الذين يمسكون للشرطة على غلطة لفرد ويتجاهلون تضحيات المئات ممن ذهبوا ودماؤهم الذكية لاتزال على جدران أقسام الشرطة وداخل الكمائن والمدرعات وعلى اسفلت الطريق، ابن الجيش جاء بعد رحيل والده... وتكاد نظرات عينه الملائكية تتطلع إلى الحشود الموجودة فى لباسها العسكرى أو المدنى.. وتقول للملايين التى كانت تتابع الحدث ولا تكاد الدمعة تجف حتى تلحقها أخرى.. بين أب يتحدث يفخر بثلاثة شهداء من أسرته ويقسم بالله العظيم أنه لا يبخل برابع على هذا الوطن العظيم.. وتقول طفلة للسيسى فى تلقائية أنت مثل بابا.. وما كان جوابه إلا أن قال: كم أتمنى أن أكون فى بطولته ومكانته. وكم من مرة سألت نفسى عن رضيع الجيش لأنه كان يقظًا.. وبدت عينه على اتساعها تراقب الموقف وقد اختزلت صورة الرضع الثلاثة الذين اهتزت معهم القلوب وتحرك لها الحجر.. إلا من قست قلوبهم أو كانت أشد قسوة.. وقد قتلوا واستباحوا الحرمات. رضيع الجيش أعادنى إلى الذين تكلموا فى المهد وكانوا لسان صدق فى وجه الأكاذيب.. وكشفوا عن ضوء الحق فى وجه عتمة الباطل. سيكبر الطفل ويسأل أين أبى؟ من قتله؟.. وما هذا الوسام الذى تحتفظ به أمى وأسرتى وتقدمه بكل اعتزاز إلى كل زائر يطل علينا؟ لكن الصورة سوف تتضح عندما يعرضون عليه شريط الأحداث التى تحمل تاريخ 13 يناير 2015 ويرى ابن شهيد آخر الذى هو أكبر منه ب 12 سنة تقريبًا يتعهد بأن يثأر لأبيه ولكل شهداء الوطن.. وسيقول الرضيع وقتها وأنا معك من الثائرين.. بل نظرات عينه البريئة قالتها بلا كلام الأرامل وقد اتشحن بالسواد والحزن.. قلن لكل من سأل: سوف نربى عيالنا من الآن فى مدرسة البطولة لكى يستمر نهر العطاء فى التدفق بلا توقف فى سلسال لا يتوقف من الفداء.. فهل وصلت الرسالة للمتكاسل والمهمل والفهلوى وفاقد الوطنية وباعة الوطن على قارعة الطريق الإخوانى الشيطانى. سيكبر رضيع الجيش ولن تغفل عينه وهى معلقة بالجدار فى بيته وقد تزين بصورة والده الذى ذهب عنه قبل أن يحمله ويتطلع إليه ويتشمم أنفاسه.. وحتى قبل أن يودعه.. لكنها إرادة الله ولا راد لما قضى.. وقدر والحمد لله على ما أعطى وعلى ما أخذ مرارًا وتكرارا سوف يطلب رضيع الجيش أن تعرض عليه أمه فيديو الحفل.. وسوف يتوقف أمام هذا الطفل هيثم الذى ارتدى ملابس الشرطة.. ووقف يلقى قصيدة الشهيد.. ثم يعود الرضيع إلى صورته ورئيس الدولة يحضنه فى مشهد انخلعت له المشاعر وفاضت له المدامع.. حتى إن المواطن الذى فوضه الشعب عشان « يخلى باله».. لم يتمالك زمام صمته وصلابته وتغلبت إنسانيته على دبلوماسيته. سوف يسأل: الرضيع ما هذا الوطن الذى يراه الخونة حفنة من التراب العفن.. ورآه أبى جنة الله فى أرضه ولأجله تهون الروح.. ويهون المال والأهل والولد. وآه أيها الرضيع لو عرفت وستعرف حتما أن أرواح الشهداء فى أجواف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت، وللشهيد عند ربه عدة خصال لا يحصل عليها غيره: أولها أن يغفر الله له مع أول نقطة دم تسيل منه وثانيها أنه يرى مقعده من الجنة وثالثها يحلى ويلبس حلة الإيمان ورابعها يزوج باثنتين وسبعين زوجة من الحور العين.. وخامسها لا يعذب فى قبره وسادسها يأمن الفزع الأكبر يوم القيامة وسابعها يوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها وثامنها يُشفع فى سبعين إنسانًا من أهله. وسيقف الرضيع فى فصله ثم فى جامعته ثم فى عمله يحكى لمن حوله.. كيف كانت فاتورة التخلص من عصابة الشياطين..غالية الثمن حتى يتخلص الوطن من لصوصه الذين نهبوا أغلى ما فيه سرقوا الحياة وحرقوا ودمروا وأرادوا به كيدا وهم يعيشون على أرضه. ويأكلون من خيره ويحاربونه بكل ما عرفت وما لم تعرف الشياطين فنون الشر والحقد والغل والغباء بداية من نشر الأكاذيب والشائعات إلى زرع القنابل فى طريق الأبرياء والقاء الزيت على الطرق بدون أدنى تفكير أو ندم فيمن سيذهب ضحية هذا الشر وقد كشفتهم لجنة التحقيق الأخير من أن المسافة الفاصلة بين قصر الاتحادية وقت أن كان يسكنه مرسى وبين مقر المرشد فى المقطم وموقع حزب الحرية والعدالة.. المسافة سقطت واختلطت الأوراق لصالح الهيمنة والسيطرة على مفاصل الدولة.. حتى جاء من خلصها من بين أيديهم وأسنانهم بإرادة الله وعون الشعب.. وبركة المحروسة سيقول الرضيع وسيعرف ويزداد إيمانه وسيدعو فى كل صلاة «رحم الله أبى وكل شهداء الوطن». وسيحمد الله أن صورته مع السيسى لم تكن نهاية الحكاية بل بدايتها لأن الأوطان دائما أكبر من الجميع فما بالنا إذا كان هذا الوطن اسمه «مصر».