ربما لم تجد القوى اليمينية المتطرفة فى ألمانيا ودول الاتحاد الأوروبى، ومعارضو سياسة المستشارة «أنجيلا ميركل» الخاصة باللاجئين، فرصة أفضل من أحداث التحرش الجنسى التى شهدتها مدينة كولونيا الألمانية ليلة رأس السنة، لزيادة حدة انتقاداتهم ضد سياسة الانفتاح التى تنتهجها ميركل، من خلال الربط بين هذه الحادثة البشعة وبين اللاجئين. كانت التقارير تحدثت عن تعرض نحو 121 امرأة للتحرش الجنسى من مجموعات من الرجال السكارى تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاما، أثناء احتفالهن فى أماكن عامة ليلة رأس السنة، وقال قائد الشرطة فى مدينة كولونيا إن المعتدين بدوا «من أصل عربى أو شمال أفريقى»، وأثارت الحادثة حالة من الغضب والصدمة الشديدة سواء بين المواطنين أو السياسيين، كما تعرضت ميركل وحزبها المسيحى الديمقراطى إلى انتقادات شديدة داخل وخارج معسكرها المحافظ. وقد دفعت هذه الانتقادات إلى اختلاف فى نبرة ميركل تجاه اللاجئين، صحيح أنها لم تمس الخطوط العريضة لسياستها الخاصة باستقبال اللاجئين، لكنها تحدثت بنبرة تشدد جديدة لم تستخدمها من قبل، فقالت إنها تؤيد تشديدًا واضحًا لقواعد طرد طالبى اللجوء الذين يدينهم القضاء الألمانى حتى بأحكام مع وقف التنفيذ. هذه اللهجة المتشددة أثارت المخاوف من تغير سياسة ميركل، وتراجعها أمام ضغط القاعدة الحزبية المحافظة، وضغوط الناخبين، خاصة أن بعض الولايات ستشهد انتخابات محلية فى الربيع القادم. لم تقتصر ردود الفعل داخل ألمانيا فقط، فبعض الدول الأوروبية الرافضة لاستقبال اللاجئين استغلت هذه الحادثة لتأكيد موقفها المعادى للاجئين، وفى هذا الإطار أعلن رئيس حكومة سلوفاكيا «روبيرت فيكو» أن بلاده بصفة عامة لن تستقبل لاجئين مسلمين، مضيفًا أن بلاده لا تريد أن يقع فيها مثلما حدث فى ألمانيا. وفى وارسو خرجت تصريحات تتبنى نفس اللهجة، فقد انتهز نائب رئيس الحكومة «بيوتر جلينسكى» ما حدث فى كولونيا فى رأس السنة كتحذير عام ضد المهاجرين، وقال إن بولندا ستبحث بدقة فى طلبات اللاجئين، كما امتدت تأثيرات هذه الحادثة خارج أوروبا أيضًا، فالمرشح الجمهورى للرئاسة الأمريكية دونالد ترامب، المعروف بمعاداته للأجانب، استغل الأحداث لصالح حملته الانتخابية، قائلًا «ألمانيا تعرضت لهجوم واسع من قبل المهاجرين، الذين سمحت لهم بنفسها بدخول أراضيها». ومنذ تفجر قضية التحرش، أصبحت هى الشغل الشاغل لجميع الصحف الألمانية والأوروبية، وتنوعت تقارير تلك الصحف، ما بين هجوم شديد على اللاجئين، ومطالبات بعدم استقبال المزيد منهم، وتحليل موقف الحكومة الألمانية، والضغوط التى تتعرض لها ميركل، وأخيرًا مناقشة قضية اللاجئين ككل، ومستقبلهم داخل البلدان الأوروبية. كانت صحيفة «دى تسايت» الأسبوعية الألمانية من أكثر الصحف هجومًا على اللاجئين، فذكرت فى سياق أحد تقاريرها «بدت ليلة رأس السنة مثل كابوس يعمق القلق السائد بشأن رجال يعيشون بيننا، رجال معادين للسامية، ويحتقرون المثليين والنساء، وبالرغم من أنه لم يتم إثبات شىء من ذلك حتى الآن، لا من خلال حالة كولونيا أو حالات أخرى، إلا أن القلق واضح سواء لدى الشرطة أو الساسة أو وسائل الإعلام»، وفى نفس السياق كتبت صحيفة «دوما» البلغارية: «لا يزال الساسة الألمان يتصرفون فى إطار اللياقة السياسية، وتسامح التعدد الثقافى، فيما مزاج الرأى العام فى مواقع التواصل الاجتماعى وردود فعل الناس يزداد توترا»، واتهمت الصحيفة المهاجرين بفرض عاداتهم قائلة: نحن شهود على كيفية قيام المهاجرين الجدد بفرض عاداتهم على السكان، وتمضى الصحيفة فى هذا الاتجاه لتخلص إلى أن «غض الطرف عن الصدام بين ثقافتين مختلفتين ليس مؤشرًا إيجابيًا، وفى يوم ما سينفجر الورم المنتفخ». على الجانب الآخر، تناولت عدة صحف الصعوبات التى ستواجهها ميركل خلال الفترة القادمة، جراء سياسة الانفتاح التى تتبعها بشأن اللاجئين، فذكرت صحيفة «الباييس» الإسبانية أن ميركل ستواجه صعوبات فى جهود إدماج اللاجئين، بالموازاة مع تنامى تيارات العنف اليمينى المتطرف.