أيام قليلة وينطلق قطار البرلمان فى طريقه الذى رسمت ملامحه خريطة الطريق.. أيام قليلة ويكتمل آخر الاستحقاقات التى تضع مصر على أول طريق المستقبل.. أيام قليلة وتنعقد أولى جلسات البرلمان الذى اختار الشعب أعضاءه بإرادة حُرة ليعبروا عن هذه الإرادة الحرة.. وإذا كان من حقنا أن نفرح ونبتهج لاكتمال مؤسسات الدولة بالمؤسسة التشريعية.. فإن من حقنا أيضا أن نطالب الذين اخترناهم بأن يكونوا على مستوى المسئولية وأن يبذلوا ما فوق طاقتهم لمواجهة التحديات التى تفرضها عليهم الظروف والقيام بالمهام الصعبة التى تتطلبها المرحلة القادمة.. من حقنا أن نفرح ونبتهج.. ومن حقنا أن نطلب ونتمنى! ولعل أول ما نطالب به ونتمناه أن ينجح أعضاء البرلمان نواب الشعب فى أول اختبار يفرض عليهم.. اختيار رئيس البرلمان. المهمة بقدر ما هى سهلة إجرائيًا بقدر ما هى صعبة واقعيا.. لأن نجاح البرلمان الجديد فى تأدية الدور المنوط به مرهون بالمايسترو الذى يمسك بعصا القيادة ليضبط إيقاع المجلس ويقوده إلى الطريق الصحيح. مواصفات رئيس البرلمان الجديد يحددها ويختارها أعضاء البرلمان لكننا فقط نطالب ونتمنى أن ينحاز أعضاء البرلمان للمصلحة العامة عند اختيارهم.. وأن يبتعدوا عن الخلافات والصراعات التى تجعلهم يخطئون قراءة البوصلة. وعقب اختيار رئيس البرلمان أو فى الحقيقة اختبار رئيس البرلمان سيتعين على أعضاء البرلمان الدخول فى اختبار آخر يفرضه عليهم الدستور.. اختبار المادة 156. فكما تنص المادة 156 من الدستور يجب عرض كل القوانين الصادرة بقرارات من رئيس الجمهورية خلال فترة غياب المجلس التشريعى على مجلس النواب خلال 15 يوما من انعقاده. وأظننا نعلم أن الرئيس السابق المستشار عدلى منصور والرئيس الحالى عبد الفتاح السيسى أصدرا خلال العامين الماضيين وعقب ثورة 30 يونيو عددًا من القوانين يقترب من الربعمائة قانون.. وذلك لأنهما يمتلكان حق التشريع وإصدار القوانين فى ظل غياب البرلمان.. ومهمة المجلس أن يواجه هذا التحدى الصعب وأن يراجع القوانين التى صدرت فى غيابه لإقرارها أو رفضها وإلغاء الآثار المترتبة عليها. وبدون الدخول فى تفاصيل قانونية معقدة تتعلق بمراجعة هذه القوانين وما يترتب على إقرارها أو إسقاطها فإن كل ما نطالب به أن يؤدى أعضاء المجلس هذه المهمة وأن يخوضوا هذا الاختبار واضعين فى الاعتبار أن المصلحة وحدها هى الهدف وهى الوسيلة.. وليس أى اعتبار آخر. فإذا انتهى المجلس الجديد من اختيار رئيسه ومراجعة القوانين التى صدرت خلال العامين الماضيين.. يكون الجهاد الأصغر قد انتهى ليبدأ الجهاد الأكبر! *** ليس خافيًا أن البرلمان الجديد يبدأ مهمته فى ظل ظروف صعبة وقاسية ومعقدة.. فالإرهاب يتربص بمصر والمصريين.. وهناك دول إقليمية وغير إقليمية تدعم هذا الإرهاب.. باختصار المخاطر تحيط بنا من كل جانب. أما على مستوى الداخل فإن هناك من يسعى إلى عرقلة مصر وتعطيل انطلاقها ودفعها إلى دائرة الفوضى والحروب الأهلية. فى هذه الأجواء سيتعين على البرلمان الجديد ممارسة مهمته ووضع التشريعات اللازمة لتحجيم هذه المخاطر والأخطار. فى نفس الوقت فإن مصر تحتاج إلى الكثير وتستحقه أيضا.. تحتاج مصر إلى بنية تشريعية تكون الأساس لعقد اجتماعى جديد يقوم على أسس ومبادئ ثورة 30 يونيو.. وتحتاج مصر إلى إصلاح وتجديد مؤسسات الدولة وتحتاج أيضا إلى تحقيق العدالة الاجتماعية. ثم إن مصر تحتاج بعد ذلك كله إلى تحسين وإصلاح وتطوير منظومة التعليم ومنظومة الصحة على وجه الخصوص والنهوض بعد ذلك بمستوى معيشة المواطن.. ويتطلب ذلك تطوير الإنتاج ورفع معدلاته والنهوض بالاقتصاد.. باختصار تحتاج مصر إلى تحقيق معدلات نمو كبيرة تتناسب مع طموحات المصريين. كيف تتحقق كل هذه المعجزات بدون ثورة تشريعية تكون بمثابة منصة إطلاق صواريخ المستقبل؟!.. كيف تتحقق هذه الأحلام بدون تشريعات تهيئ المناخ الصحيح لتحقيقها وتحويلها إلى واقع؟ فى نفس الوقت فإن مهمة البرلمان الصعبة لا تقتصر على إصدار التشريعات وإنما على البرلمان أيضا أن يراقب أداء الحكومة ويعمل على تصحيح مسارها.. باستمرار. مراقبة أداء الحكومة لا يكون بالترصد واصطياد الأخطاء وإنما بهدف تصحيح وتصويب الأخطاء.. ثم إن الحكومة والبرلمان يبحران فى قارب واحد وعلى الاثنين تقع مسئولية الوصول بهذا القارب إلى بر الأمان.. أما أن يصبح الصراع والصدام هدفا.. فقل على القارب ومن فيه السلام! وليست هناك نهاية لمطالبنا وأمانينا من البرلمان الجديد! *** يتصور البعض أن نجاح عضو البرلمان مرهون بقدرته على تحقيق خدمات لأبناء دائرته.. والحقيقة أن هذا التصور بعيد كل البُعد عن الدور الحقيقى لعضو البرلمان. عضو البرلمان أكبر بكثير من تقديم الخدمات والسعى إلى تحقيقها.. عضو البرلمان له دور أشمل.. فليس مطلوبا منه أن يوفر عشرات فرص العمل لأبناء دائرته وإنما مهمته أن يسعى لتوفير فرص العمل لكل أبناء الوطن. عضو البرلمان ليس مطلوبا منه أن يسعى لمد خط مياه أو ماسورة صرف صحى لأبناء منطقته.. وإنما مهمته أن تمتد خطوط المياه لكل شبر من أرض مصر وأن تصل مواسير الصرف لكل قرية ونجع فى مصر. السعى وراء الخدمات مهمة المجالس المحلية أما أعضاء البرلمان فعليهم أن يتفرغوا لما هو أكبر وأشمل. فى نفس الوقت فإن مجلس الشعب الجديد يضم ربما للمرة الأولى عددًا كبيرًا من رجال الأعمال.. وعلى هؤلاء ألا ينسوا أن هناك مسئولية وطنية تقع على عاتقهم لحماية مصالح الأغلبية الفقيرة وتحسين مستوى معيشتها. وبعد ذلك كله فإننا نطالب المجلس الجديد ونتمنى ألا يتحول إلى ساحة للمعارك ومنصة للخلاف.. وإنما مطلوب منه أن يبلور رؤية واضحة لمواجهة كل مشكلات المجتمع. *** ليس خافيا أن أهم أسباب انخفاض الإقبال على انتخابات البرلمان.. اهتزاز ثقة الناخبين فى عضو مجلس الشعب.. ومهمة أعضاء المجلس الجديد ونحن على أعتاب مرحلة جديدة.. استعادة هذه الثقة. وهذا هو أهم ما نطالب به ونتمناه!