ما كان يُدبر فى الخفاء بشأن المقدسات الإسلامية فى مدينة القدس صار يقال فى العلن بل لم يعد الأمر يقتصر على الكلام ولكنه تحول إلى أفعال مثل الاقتحامات المتكررة من المتطرفين اليهود لساحات الأقصى مدعومين من قوات الأمن الإسرائيلية ومن وزراء ومسئولى اليمين الإسرائيلى المتطرف وحكومة نتنياهو وذلك فى خطوة تصعيدية لإقرار سياسة التقسيم الزمانى والمكانى للمسجد الأقصى وتخصيص أماكن وممرات لليهود لدخول المسجد وإقامة شعائرهم غصبًا، تنفيذًا لسياسة فرض الأمر الواقع ومن ثم التمهيد لهدم الأقصى وبناء الهيكل الذى هدم من قبل مرتين قبل ألفى عام مرة، وقبل ثلاثة آلاف عام (تقريبًا) مرة أخرى.. وبأفعالهم تلك يدفع اليهود أتباع الديانات الإبراهيمية الثلاث (المسلمين والمسيحيين واليهود) لحرب دينية يرى البعض أنها حرب الأيام الأخيرة قبل يوم القيامة ويرون أيضًا أنها الحرب المشهورة فى تراث الديانات الثلاثة ب «هرمجدون».«فى الطريق إلى هرمجدون» عنوان فيلم وثائقى يحكى فى 21 دقيقة تاريخ مدينة القدس، خلال أربعة آلاف عام منذ هجرة أبى الأنبياء إبراهيم عليه السلام إلا فى طريق سفره الدائم قادمًا من مدينة (أور الكلدانيين) التى كانت تقع على تخوم الشام شمالى سورياوالعراق وارتحاله إلى مصر بصحبة قومه الذين عبروا معه نهر الأردن فأطلق عليهم: «العبرانيين». إبراهيم كان حنيفًا مسلمًا والحنيفية فى الإسلام معناها الانحراف إلى الحق، ولا يصح أن يحتكر أيًا من أتباع الديانات إبراهيم لأنفسهم ويجعلونه أبًا لهم فقط.. ويرتبون على هذا الاحتكار -لأنفسهم- وعد إلهى دائم بتمليكهم أرض فلسطين واغتصابها وطرد أهلها.. الوعد مربوط بالإيمان ومن يقول بغير ذلك فهو يخلق أسطورة ويسيس الدين أو يصهينه (يسمه بالصهيونية) وهذا ما نجح فيه الصهاينة خلال تاريخهم الممتد إلى ما قبل 3 آلاف عام، وبالتحديد بعد حكم نبى الله داود ومن بعده ابنه سليمان سلام الله عليهما، والأخيران كانا قد أقاما مملكة أرضية لبنى إسرائيل على جزء من أرض فلسطين ودعمها الله سبحانه وتعالى لأن داود وسليمان دعيا إلى دين التوحيد وكان أتباعهما يمثلان القوم الموحدين فى الأرض ومن بعد داود وسليمان جاء من بنى إسرائيل من انحرف بالرسالة وحرّفها فحق عليهم العذاب واللعنة ودفع الله ضدهم بجنود من العراق فحطموا الهيكل الذى بناه سليمان لعبادة الإله الواحد الأحد من قبل، لكن المعبد تحول مع الأيام لأسطورة تحولوا لعبادتها من دون الله. السبى البابلى وخلال منصف القرن السابع قبل الميلاد جاءت حملة عسكرية من بابل العراق وغزت مملكة يهوذا فحطمت الهيكل الذى بناه سليمان وجمعت سكان يهوذا من الرجال والنساء ودفعت بهم أسرى وسبايا وعبيد فى العراق. وفى العراق وتحت نير العبودية خلق اليهود فى السبى أسطورة الصهيونية التى حلموا فيها بالعودة إلى فلسطين يقودهم قائد حربى من نسل داود ليعيد لهم بناء المملكة وينتقم لهم من أعدائهم وسموا هذا القائد المسيح المخلّص أى الذى يخلصهم من اضطهاد وظلم أعدائهم. بعد نصف قرن من هذا السلب البابلى سمح لهم حاكم العراق الفارسى قورش بالعودة الجزئية إلى فلسطين وإقامة معبدهم أى بنائه لثانى مرة.. فعلوا لكن روحهم الخبيثة لم تستقر وانحرافهم الدينى لم يعد للاستقامة حتى بعث الله المسيح عيسى بن مريم ليجدد لهم الإيمان ويصلح ما أعوج من أمرهم ويطهر بيت الله فى القدس من أوثانهم وقد حوله كهنة اليهود إلى سوق وتجارة ودخل معهم المسيح فى جدل فحاربوه بعد أن رفض طلبهم الذى يبحثون فيه عمن يوجد لهم المملكة الأرضية.. فقال المسيح لهم قولته المشهورة «مملكتى ليست من هذا العالم» وتنبأ على أورشاليم المدينة العاصية تحت سيطرة اليهود بالخراب والدمار. ومرت أربعون سنة بعد اختفاء عيسى عليه السلام وعلى أثر تمرد اليهود على السلطات الرومانية الحاكمة للمدينة أرسل حاكم روما القائد تيطس فهدم المعبد لثانى مرة وسواه بالأرض واختفى وكان لاختفائه قصد إلهى كما يقول الأب متى المسكين أحد آباء الكنيسة الأرثوذكسية مفسرًا هذا الاختفاء «حتى لا يكون لبيت الله شكل محدد يستعيد له الإنسان».. إعادة إنتاج الأسطورة وخلال ألفى عام يصرّ اليهود على إعادة إنتاج الأسطورة بإعادة بناء الهيكل لثالث مرة ويصرون على أن مكانه هو مكان المسجد الأقصى الحالى، هكذا بدون أى دليل إلا أحلامهم الأسطورية.. ويسعون إلى ذلك حتى ولو كان فيه خراب الدنيا ونهاية الأيام. هذا مختصر الحكاية التى تناولها الفيلم الوثائقى «الطريق إلى هرمجدون» والرؤية والإنتاج للزميل عاطف عبد الغنى، وقد عرضت جمعية دريم لاند للثقافة والتنمية الفيلم وأعقبته بندوة تحدث فيها المفكر والمؤرخ د. وسيم السيسى وصانع الفيلم عاطف عبد الغنى وأدار الندوة رئيسة الجمعية لونا بهجت التى استطاعت إدارة الحديث واستقبال أسئلة الجمهور باقتدار خلال ساعتين ونصف الساعة لم تكن كافية - من وجهة نظر حضور الندوة - لإشباع فهمهم إلى معرفة تاريخ مجهول للصراع العربى الإسرائيلى وخاصة أن مدينة القدس هى حجر الزاوية المحورى فى هذا الصراع.