من جديد عادت أجواء التوتر بين الجزائر والمغرب بسبب قضية الصحراء، وبدأت فصول المعركة القديمة بين الدولتين بعد زيارة العاهل المغربى إلى مدينة العيون الصحراوية؛ بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، والتى أطلق خلالها الملك المغربى عدداً من مشاريع التنمية بقيمة 77 مليار درهم، ومن هناك وجه انتقادات شديدة اللهجة إلى الجزائر، مُتّهماً إياها بتحويل سكان مخيمات تندوف، والبالغ تعدادهم 40 ألف شخص، والتى تقع فى الجنوب الغربى للجارة الشرقية للمملكة، إلى متسولين يعتمدون على المساعدات الدولية التى تصلهم، مُتسائلاً عن الأسباب التى تجعل الجزائر تتركهم يعيشون فى ظروف وصفها ب غير الإنسانية. وزاد محمد السادس، هجومه على الجزائر بالتساؤل مرة أخرى كيف تقبل الجزائر التى صرفت الملايين فى حربها العسكرية والدبلوماسية ضد بلاده بترك سكان تندوف فى هذه الأوضاع اللإنسانية، مضيفاً أنّ الجزائر حولت أبناء الصحراء الأحرار إلى غنيمة حرب، ورصيد للاتجار غير المشروع، وفق تعبيره. لم يقف خطاب الملك عند انتقاد الجزائر لتعاطيها مع سكان مخيمات تندوف بل انتقد جبهة البوليساريو المطالبة بانفصال الصحراء عن المغرب، واتّهم قادتها ب الاغتناء اللامشروع، وبسرقة مئات الملايين من الأورو التى تصل إلى المخيمات الصحراوية كمساعدات إنسانية. ويرى محللون سياسيون أن هناك دلالات سياسية وراء زيارة العاهل المغربى لعدد من مدن الأقليم الصحراوى منها أن الزيارة تأتى على خلفية محاولات بعض الدول المتعاطفة مع البوليساريو، تغيير منحى العملية السياسية التى أطلقتها الأممالمتحدة منذ 2007، حين حثّ مجلس الأمن أطراف النزاع على التوصل إلى حل سياسى ومتوافق عليه، بناءً على مبدأ لا غالب ولا مغلوب. بخلاف الجمود الكلى الذى اتسمت به الأممالمتحدة فى تعاطيها مع ملف الصحراء خلال السنوات الأخيرة، ما جعل العملية السياسية تراوح مكانها، فى غياب أى تأثير يذكر للعمل الذى يقوم به المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة. كما يريد المغرب أن يظهر للمجتمع الدولى والرأى العام الدولى، أنه لن يتوانى فى الدفاع عن وحدته، وأن سيادته على الصحراء ليست محل مساومة، وبأن سيادة المغرب على الصحراء غير قابلة للتفاوض، وأن الصحراء ستبقى مغربية. كما أن المشاريع التنموية الكبرى التى أطلقها العاهل المغربى، تفنّد كل الادّعاءات التى تتهم المغرب باستنزاف الثروات الطبيعية للصحراء، كما يسعى المغرب إلى إبطال مفعول هذه الورقة السياسية التى بدأت تستعملها البوليساريو خلال السنوات القليلة الماضية، إلى جانب الدعاوى المتعلقة بحقوق الإنسان. من جانبها ردت الجزائر على خطاب الملك المغربى، على لسان وزير خارجيتها رمطان لعمامرة، واصفا تصريحات العاهل المغربى بغير الملائمة تجاه الجزائر، بسبب دعمها المطلق لحق الشعب الصحراوى فى تقرير المصير. وقال لعمامرة: على حد فهمنا، سيكون هناك المزيد من التفكك والتمزق بين الإخوة، كما شهدنا خلال السنوات الأربعين المنصرمة، فى حين أن العالم يمضى قدما ويعبر أكثر فأكثر عن تمسكه بالقيم الأساسية والمبادئ المؤيدة عالميا، على غرار تقرير مصير الشعوب. وأضاف: أن الخديعة التى وقعت يوم 6 نوفمبرعام 1975 - فى إشارة إلى ذكرى المسيرة الخضراء - أسفرت عن رهن المصير المشترك للشعوب المغاربية، من خلال توسع إقليمى على مر أربعين سنة من الزمن، موضحا أن الجزائر تسعى لتكون على الدوام مصدرة للسلم والأمن والاستقرار فى جوارها، وخاصة لما يتعلق الأمر بهذه المسألة - قاصدا الصحراء الغربية - مؤكدا أن الجزائر تمتنع عن تأجيج الأوضاع ولا تمارس دبلوماسية الأبواق وتقوم بأمور لا تفصح للعلن دائما. من جهتها اعتبرت جبهة البوليساريو، وحكومة ما يسمى الجمهورية الصحراوية، أن خطاب ملك المغرب الذى اتهم فيه قادتها ب مراكمة ثروات فاحشة، وسرقة المساعدات الإنسانية على حساب سكان يعيشون أوضاعاً مُذلة، خطوة تصعيدية خطيرة، لما حفل به من لغة التهديد والوعيد والتعنت. وحذرت الجبهة، فى بيان، من المخاطر المحدقة بالمنطقة والناجمة عن سياسات التوسع والعدوان للمملكة. وأعربت البوليساريو عن التزام الطرف الصحراوى بالتعاون البناء مع جهود الأمين العام للأمم المتحدة، بان كى مون، ومبعوثه الشخصى إلى الأقاليم الصحراوية، كريستوفر روس، من أجل استكمال تصفية الاستعمار من آخر مستعمرة فى إفريقيا. يذكر أن الصحراء الغربية التى يبلغ عدد سكانها أقل من مليون نسمة، مستعمرة إسبانية سابقة ضمها فى 1975 المغرب الذى يقترح حالياً منحها حكماً ذاتيا واسعاً،حيث لبى فى عام 1975 ما يقرب من 350 ألف مغربى نداء الملك الراحل الحسن الثانى فى مسيرة خضراء إلى الصحراء الغربية لاستعادة الأقاليم الصحراوية من المستعمر الإسبانى. بينما تطالب الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووداى الذهب (بوليساريو) المدعومة من الجزائر، بإجراء استفتاء حول منحها حق تقرير المصير، ومنذ عام 1974 دبت خلافات سياسية بين المغرب والجزائر بسبب هذه القضية، خاصة بعد إعلان الجزائر احتضانها لجبهة البوليساريو، التى تقاوم للحصول على استقلال الصحراء الغربية عن المغرب. وأدت هذه الخلافات إلى أزمات سياسية وغلق الحدود. وكان الأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون دعا الأسبوع الماضى إلى مفاوضات خلال الأشهر المقبلة بين الأطراف المتنازعة فى الصحراء الغربية، مشيراً إلى أن موفد المنظمة الدولية كريستوفر روس يكثف جهوده فى هذا الاتجاه.