كشفت ثورتا 25 يناير و30 يونيو عن وجه جديد للمرأة المصرية لم يعتده مجتمعنا من قبل ثورة 1919م، وكان مفاجئاً بكل المقاييس للعالم الغربى الذى سيطر عليه الاعتقاد بأن المرأة المصرية هى ظل الرجل، حيث وقفت حواء المصرية جنباً إلى جنب مع الرجل فى ساحة ميدان التحرير تطالب بالعدالة الاجتماعية، واليوم تستكمل مشاركتها الفعالة فى انتخابات البرلمان كما عاهدت عليه فى الاستحقاق الأول والثانى بقوة بحثًا عن حياة أفضل فى المستقبل القريب لأبنائها وأسرتها. أكتوبر تناقش فى السطور التالية سبب حرص السيدات على المشاركة ولماذا يتصدرن فى مقدمة الصفوف؟. تشير إحصائية أجرتها اللجنة العليا للانتخابات على عينة عشوائية قدرها 2 % من إجمالى الناخبين ارتفاع نسب مشاركة النساء فى الانتخابات البرلمانية أربعة أضعاف معدل الذكور، وأن كبار السن (فوق سن 60) هم الفئة العمرية الأكثر مشاركة»، بينما كانت الفئة العمرية من 18 حتى 21عاما أقل نسبة مشاركة. وفسر الدكتور أحمد حجازى أستاذ علم الاجتماع بجامعة كفر الشيخ، مشاركة النساء بفاعلية فى المشهد السياسى سواء كان فى الاستفتاء على الدستور أو الانتخابات الرئاسية والبرلمانية إلى شعورهم بالخطر من المستقبل جاء ذلك عقب قيام ثورتى 25 يناير و30 يونيو بعد ان سادت الفوضى فى البلاد، بعكس الشباب الذين لم يدركوا بعد أن التغييرات الاجتماعية تحتاج إلى وقت. وأكد حجازى، أن عملية مشاركة المرأة فى الحياة السياسية أصبحت ضرورة لتحقيق أهداف النظام السياسى ليساعد على توسيع قاعدة الشرعية للمؤسسات مما يعطيها قوة مستندة إلى الخيار الديمقراطى وتعزز من مكانة المرأة فى المجتمع بل ويعطى دافعًا للعمل من أجل خدمة قضاياها، مطالبًا بضرورة تعزيز ثقة المرأة بنفسها على أنها قادرة على صناعة التغيير فى المجتمع والوصول إلى مستقبل يمكن مشاركتها فى الحياة السياسية والعملية بما يضمن مكانتها الاجتماعية بين فئات المجتمع وفى كافة مؤسسات الدولة. ورأت الدكتورة جيهان فرحات رئيس جمعية المرأة المبدعة، مشاركة المراة أمرًا ضروريًا لاكتمال تمتعها بالمواطنة ومراعاة حريتها العامة وذلك يخلق مجتمع ديمقراطى ويرسخ وجوده اجتماعياً وسياسيًا من خلال مواكبة ثقافة وعى الأفراد وفق عملية تسمح له الانتقال من معانى وقيم الديمقراطية إلى وعى مدرك ومن ثم إلى سلوك وممارسة فى الواقع، فالسلوك الديمقراطى مرتبط بترسيخ ووعى وقناعه لدى الأفراد وبالتالى ينعكس ذلك على إدراكهم للمتغيرات السياسية التى تمر بها البلاد لاستكمال الاستحقاق الآخير من خارطة الطريق. وأوضحت فرحات، حرص المراة على المشاركة بشكل كبير فى الانتخابات يرتبط بادركها التام بحجم القضايا التى تواجه الوطن بشكل عام والمراة بشكل خاص، مطالبة بضرورة العمل على رفع مستوى وعى الأفراد السياسى وإكسابهم قيماً واتجاهات سياسية ومعرفة حديثة تخلق لديهم قناعات ثقافية بأهمية الديمقراطية وأهمية مشاركة المرأة خاصة. وقالت فرحات، إلى أن تاريخ المرأة وانجازاتها هى التى تتحدث عنها ففى مجالات الاختراعات احتلت النساء النصيب الأكبر فى الابتكارات فالمرأة تتصارع على انتزاع الحقوق من أجل البناء والتطوير فى مختلف نواحى الحياة، لافته إلى أن التنمية الحقيقية فى العالم ترتبط بالابتكار ومؤشرتها التى تفرض نفسها كمرجع رئيسى على ساحة التنمية والتطوير فهى أداة قياس مهمة لقادة السياسات. على الجانب الآخر رأت منى عزت مسئولة برنامج النساء والعمل بمؤسسة المرأة الجديدة، تراجع مشاركة المرأة والشباب فى الانتخابات البرلمانية مقارنة بانتخابات الرئاسة بسبب عدم تهيئة البيئة السياسية للانتخابات مما أدى عزوف الكثير من الشباب عن العملية الانتخابية، فكلما توافرت البيئة المناسبة للانتخابات كلما زادت فرص مشاركة المرأة كاناخبة او مرشحة لإعتبارها الكتلة التصويتية الأكبر فهى تمثل حوالى 24 مليون صوت انتخابي، بما يقارب نحو 49%. وقالت الدكتورة هدى بدران رئيسة مجلس إدارة الاتحاد العام لنساء مصر، أن هناك تناقض بين التغنى بدور النساء فى التصويت وإنكاره فى العملية السياسة ومواقع صنع القرار، وما سيؤدى إلى تراجع العملية السياسية. واوضحت بدران، أن الاتحاد تابع عبر جمعياته بمحافظات مصر العملية الانتخابية فى مرحلتها الأولى، وقد اتضح عدد من المؤشرات منها ارتفاع معدلات مشاركة النساء بالنسبة للرجال لكن ذلك لا يخفى ضعف المشاركة بشكل عام وخصوصا فى الفئات العمرية ما بين 18 إلى 45 عامًا، بينما ارتفعت نسبة المشاركة فيما فوق 45 عامًا وكانت النسبة الأكثر فوق ال60 عامًا فى معظم المحافظات. وأرجعت بدران، انخفاض فرص المشاركة إلى ضبابية المشهد الانتخابى قبل بدء عملية الاقتراع واتسام العملية السياسية بالارتباك الشديد، وتشابه القوائم الانتخابية ولعل تأجيل الانتخابات أكثر من مرة ساهم فى ذلك، كما أن غياب النساء القيادات فى العمل السياسى والمجال العام من نقابات وجمعيات أهلية عن الترشح وغلب المال السياسى والتكتلات الاقتصادية على تشكيل القوائم. وقال الدكتور عثمان محمد عثمان رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة أكتوبر، المرأة المصرية دائما تتصدر المشهد السياسى والاجتماعى خاصة بعد ثورة 30 يونيه، وكانت فى مقدمة الصفوف سواء فى المشاركة بالاستفتاء على الدستور كاستحقاق أول لاستكمال خارطة الطريق او الانتخابات الرئاسية واخيرا الانتخابات البرلمانية رغم ملاحظة مشاركة المواطنين بشكل عام مستطردة: إلا أن مشاركة المرأة تظهر بشكل واضح ربما أكثر من الرجل، إلى جانب المسنين. ورأى عثمان، أن إقبال المرأة على المشاركة فى الاستحقاقات السياسية الثلاثة يرجع الى عدة أسباب اهمها حرص المرأة على مستقبل أبنائها واسرتها بشكل خاص ورغبتها فى تحقيق الاستقرار للوطن عامة، وحتى المرأة الريفية التى لم تحظى بقدر من التعليم لديها غريزة للحفاظ على الأسرة باعتبارها نواه المجتمع ولهذه الصفة تتسابق المرأة على المشاركة. واتفق صلاح عبد الحميد مستشار التنمية السياسية بالاتحاد الأوربى، أن مشاركة المرأة فى الحياة السياسية من الوتيرات الجديدة التى ظهرت بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو، مستطردًا: وهذا ما لاحظناه فى اقرار الدستور، حيث كانت المرأة اول من تصدرن المشهد أمام اللجان منذ الصباح الباكر بشكل لم يشهده المجتمع المصرى من قبل مما أذهل المجتمعات الغربية الذى سيطر عليه الاعتقاد بأن المراة ظل الرجل، كما تصدرت الصفوف الأولى فى الانتخابات الرئاسية منذ الصباح الباكر بينما تقاعس الرجال إلى بعد الساعة العاشرة صباحًا، وكذلك فى الانتخابات البرلمانية فهى كانت فى صدارة من اقبلوا من الناخبين على عمليات الاقتراع فى اليوم الأول والثانى على التوالى يليهن كبار السن فوق 60 عامًا ثم الشباب والتى تقع فى الفئة العمرية ما بين 18 - 30 عام، مؤكدا ان تمثيل النساء فى الحياة العامة على كافة المستويات هو المفتاح نحو التغيير الاجتماعى الإيجابى. وأوضح عبد الحميد، أن سر إقبال المرأة المصرية على المشاركة يرجع إلى شعورها بالتهميش خلال السنوات الماضية ما دفعها الى المشاركة بايجابية فى الحياة السياسية من أجل الحصول على فرص حقيقة فى كافة المجالات، مؤكدا أن دستور 2014م لم يغفل دورها وتضمن ما يزيد على 19 مادة لضمان حقوقها والتزام الدولة نحوها، وأعتقد أن هناك نوعًا من التوأمه بين الدولة والمرأة لم تحدث فى النظام السابق بدليل اعتلاء المراة العديد من المجالات التى لم نعتد على وجودها مثل الطيران والسلك القضائى والشرطة وغيرها، متوقعًا أن تصبح المرأة رئيس وزراء أو وكيل مجلس الشعب كما فى الماضى آمال عثمان. وأضاف أنه رغم التحديات التى تواجه المرأة فى المجتمع إلا أنها لم تعزف عن المشاركة لاستكمال خارطة الطريق، حيث أشادت البعثات الدولية بأن المرأة المصرية "غير كسولة" أخذت أبنائها للمشاركة فى الانتخابات البرلمانية قبل الرجال وهذا يحسب لصالحها، وبالطبع أصرارها على المشاركة سيعيد لها حقوقها التى سلبت فى حكم جماعة الإخوان المسلمين من خلال تفعيل مواد الدستور فى البرلمان، هذا بالإضافة إلى مراجعة ومناقشة كافة القرارات التى صدرت منذ تولى المستشار عدلى منصور رئيس الجمهورية المؤقت حتى وقتنا هذا.