الإسلام حث على العمل واكتساب المال من وجوه الحلال للإنفاق منه والارتقاء به فبالمال يقتات الإنسان ويكتسى، ويربى عياله، ويصل رحمه، ويحفظ عرضه ويصونى دينه، ويذود عن وطنه ويصطنع الرجال، ويستغنى عن السؤال، ويحيا عزيزًا كريمًا، ويموت جليلاً حميدًا.. لكن فى زماننا هذا نجد من يهمل فى عمله ولايتقنه ويقول "على قد فلوسهم" حول هذا كان هذا التحقيق:-يقول د. عبد الفتاح عبدالغنى العوارى استاذ التفسير وعميد كلية أصول الدين جامعة الأزهر:- من المعلوم أن العقد شريعة المتعاقدين فإذا كان العامل قد وقع عقدًا مع من يعمل سواء كان فردًا أو مؤسسة أو مصلحة حكومية أو غير ذلك فليعلم أن العقد الذى وقعه أمر مقدس فى الشريعة، يترتب عليه واجبات على العامل أن يقوم بها وأن يؤديها أتم ما يكون الأداء، فإن الله مطلع على عمل العامل:- {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} ويقول النبى صلى الله عليه وسلم:-(إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) فإذا قام العامل بما يجب عليه من عمل وأداه فإن له حقًّا يجب على المؤسسة التى يعمل بها أن تؤديه له كاملًا غير منقوص، ولا يجوز لتلك المؤسسة أو صاحب العمل أن يماطل فى إعطاء العامل حقه يقول النبى صلى الله عليه وسلم:- (أَعْط الأَجِيرَ أَجْرَهُ، قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ)، وقد بينت لنا السنة المطهرة أن من بين الذين فرج وفتح لهم الغار حين أووا إليه وكانوا ثلاثة نفر، واحد قد عمل عنده عامل لم يأخذ أجره، فإذا بصاحب العمل يفرز حق هذا العامل وينميه له فيكثر فيه حتى أصبح قطيعًا من البقر فلما جاء العامل يسأل عن أجره قال له:-"اذْهَبْ إلى ذَلِكَ البَقَرِ وَرُعَاتِهَا، فَخُذْ فَقَالَ:-"اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَسْتَهْزِئْ بِي". فقال له:- إِنِّى لاَ أَسْتَهْزِئُ بِكَ، فَخُذْ. فَأَخَذَهُ، فقال الرجل:- "فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّى فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ مَا بَقِيَ. فَفَرَجَ اللَّهُ" وأمنه من كل كرب، فمتى عرف صاحب العمل أن للعامل حقًّا، وعرف العامل واجباته تحقق التعاون المأمور به، ويتحقق الاستقرار ويعم الرخاء. فإذا كلف صاحب العمل العامل عملًا فلا بد ألا يحمله فوق طاقته؛ لأن العامل له شخصية معتبرة، وله من الحقوق الإنسانية هى وجهة الإسلام فالعامل له حقوق وعليه واجبات فلا يطالب بحقوقه إلا بعد أن يؤدى واجباته. ويقول محمود شوقى المعيد بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر:- علينا أن نرسخ حقيقة مهمة فى بداية الأمر وهى، أن كل عمل يقوم به الإنسان المسلم بنيّة التقرب إلى الله عز وجل وعبادته هو عمل مقبول عند الله تبارك وتعالى يجازيه الله عز وجل عليه سواء أكان هذا العمل المراد به وجه الله تبارك وتعالى عملا دنيوياً أو عملاً أخروياً، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)، وأما ما ظهر فى هذه الأيام من انتشار عبارة " على قد فلوسهم " فهى كلمة تنتشر فى مجتمعنا فتقف حجر عثرة أمام التقدم والإخلاص فى العمل؛ ففى أوساط العمال والموظفين فتحيل الهمم الفائرة والعزائم المتوثبة إلى همم خائرة وعزائم متهالكة، وقد يرى أحدنا أنه يعمل فى مكان لا يحصل منه على ما يكافئ علمه الغزير وإمكانياته الفذة، ويعتقد أن أصحاب العمل أو مديريه لايقدرونه حق قدره؛ فيوسوس له شيطانه أنه لابد أن يقتص منهم فيحرمهم من مواهبه الفائقة، فيتخاذل فى عمله بحجة أنه يعمل "على قد فلوسهم" فيحرم نفسه من الاستفادة بعمره وعلمه، ويحرم نفسه من تحقيق ذاته بعمله وعرقه. فالعمل فى المقام الأول تحقيق للذات وبناء للمجتمع؛ بالإضافة إلى أنه وسيلة توفير سبل شريفة للعيش الكريم، وهذا ليس دعوة لتضييع حقوق العمال أو تخديرًا لأعصابهم وتثبيطًا لهممهم حتى لا تتعالى أصواتهم مطالبة بالعدالة والعمل على نيل حقوقهم المشروعة، وإنما هدفنا هو دعوة كل عامل إلى أن يجتهد ويتقن عمله قدر استطاعته، ولا يدع المشاكل المحيطة به تنال من عزيمته. كان أجدادنا يعملون ويبدعون وشعارهم: سأعمل على قدر جهدى. ولم نسمع واحدًا منهم يقول:- "سأعمل على قد فلوسهم".إننا فى حاجة ماسة إلى إلغاء هذه الكلمة من قاموسنا، وإلى رفع شعار الأجداد: سأعمل على قدر جهدى. فلكى نحقق إتقان العمل ينبغى على المسلم أن يبذل قصارى جهده حتى يخرج بالعمل على أكمل وجه من أجل تحقيق حياة دنيوية سعيدة والفوز أيضاً برضوان ربه فى الآخرة، ينبغى أن نلتزم بإعطاء العمل حقه لأننا التزمنا بالعمل كما أنه إرتضى بالمقابل المادى أيضاً. ويقول أحمد على محمد المدرس بالمعاهد الأزهرية وإمام مسجد الصحابة بالمقطم:-من يردد مقولة "على قد فلوسهم" فهو بعيد عن مبادئ لإسلام؛ لأن المسلمين عند شروطهم فالنبى صلى الله عليه وسلم يقول:(إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) لم يشترط فى هذا الأجر العالى او المغالى فيه بل جعل اتقان العمل أحب الأشياء إلى الله عز وجل، وليست العبرة بكثرة المال الذى يؤتى من العمل فذا أجر دنيوي، ولكن العبرة فى الثواب الذى يقضيه الله للمرءالذى يتقن عمله، وليس أفضل ثواب من أن يحبه الله عز وجل، ولكن ما اتنتشر فى الآونة الأخيرة من الجهال والهدامين من أفكار لا يريدون بها أى خير لهم ولا للناس ولا لأوطانهم، فمقولة "على قدر فلوسهم" لابد من الابتعاد عنها قولا وعملا والعودة إلى الله، وليعلم الجميع أن عمله ما هو إلا نوع من التعاون على البر والتقوى، والله سبحانه وتعالى يرفع بعضنا فوق بعض درجات ليتخذ بعضنا بعضا سخريا، أى (خدم كل فى مجال عمله)، ولابد على كل واحد منا إتقان العمل كل فى مجاله، ومن يتبنى مقولة "على قد فلوسهم" إنما هو خائن لدينه ووطنه واهله ودنياه وآخرته، ونقول له كما تدين تدان فكما قصرت فى العمل الذى تؤديه فسيقصر آخر فى خدمة يؤديها لك ولايؤديها بنفس الإتقان المطلوب الذى تريده. ويقول محمد سليمان المعيد بكلية التربية جامعة الأزهر:- إن مقولة "على قد فلوسهم"مشكلة مزدوجة نصفها على رب العمل ، وهو ما بينه النبى صلى الله عليه وسلم:-(أَعْط الأَجِيرَ أَجْرَهُ، قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ)،وقال:- (أنا بريء من َرَجُل اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِه ِأَجْرَهُ)، فلا بد أن يكون هناك رضا من صاحب العمل والعامل. ولابد أن يحدد صاحب العمل للعامل حقه وواجبه، فلما عين أمير المؤمنين عمالًا كان يقول للعامل:- كم يكفيك، ويحدد له فى اليوم أو فى الأسبوع أجرًا من المال وأجرًا من الطعام، فلابد من صاحب العمل أن يحدد الأجر الذى يناسبه ويرضى العامل. ومن هنا يظهر نصفها الآخر، فالعامل جهده فى هذا العمل نافذ ويظهره إتقانه التى بينها النبى صلى الله عليه وسلم بالإحسان فهو حتم على كل مسلم، فلما رأى رجلًا تورمت يداه من العمل قال:- (هذه يَدٌ يحبها الله ورسوله) فالذى وفى أجره وأتم عمله على أكمل وجه أحبه الله، ولكن هذا فى حق العامل،ولكن نجد أن المجتمع قد نخر فيه خلل حصر له، فتجد خيانة من صاحب العمل وخيانة من العامل ومن المستأجر ومن الأجير، فإذا بصاحب العمل يسعى لأن ينقص من أجر العامل بقدر ما يستطيع إما من عدم رضا وإما إنقاص وإما مفاصلة فينعكس على الأجير فيبتكر من الخيانة ما يكمل أجره؛ لذا يزايد أصحاب المهن فى أجورهم حيث يظنون إنها شطارة. أسوق مثالًا عن أئمة السلف الصالح أتى إليه عامل يشكو قلة المال فقال له:- ماذا تعمل فقال له:- مهنته، فقال له:- كم تأخذ أجرًا، قال:- آخذ خمسة دراهم، فقال له الإمام:- خذ أربعة، قال خمسة لاتكفينى تقول خذ أربعة فذهب ورجع وقال الأربعة لا تكفينى، فقال له الإمام:- خذ ثلاثة، قال أربعة لاتكفينى تقول خذ ثلاثة فذهب ورجع وقال:- الثلاثة كفتنى، فلما أخذ ما يكافئ عمله بارك الله له فى المال وكفاه وكفى أهله.