بالصدفة قرأت إعلان استغاثة برئيس الجمهورية منشور فى جريدة الأهرام الأحد الماضى للشركة المصرية لتجارة الأدوية وهى إحدى شركات قطاع الأعمال العام. ملخص الإعلان «أن الشركة تقوم منذ 20 عامًا باستيراد ألبان الأطفال من خلال مناقصة عامة تحت إشراف وشروط وزارة الصحة، وتقوم الشركة بتوزيع هذه الألبان بالقواعد التى وضعتها الوزارة، وعند الإعلان عن مناقصة العام الحالى ورد خطاب من وزارة الصحة مفاده إلغاء المناقصة بعد التشاور مع شركات القطاع الخاص». ويستكمل الإعلان «وقد ورد إلى علمنا أنه سوف يتم إسناد استيراد الألبان عن طريق إحدى الجهات السيادية وليس لدينا مانع، ولكن الأخطر من ذلك أن يتم أيضا العمل على إسناد عملية التوزيع إلى شركات القطاع الخاص ولا ندرى سببًا لذلك أن يتم سحب هذه الأدوية المهمة والحساسة والتى تخص أطفال مصر من شركة قطاع أعمال عام إلى شركات القطاع الخاص». نهاية الإعلان أن الشركة يعمل بها أكثر من 500 عامل سيتأثرون سلبيًا بهذا القرار. الإعلان المنشور أثار فضولى للبحث فى هذه المشكلة التى أعتقد أنها ترقى لمستوى الأمن القومى، فمصر يولد فيها سنويًا أكثر من 2 مليون طفل يحتاجون للألبان لمدة عامين، كما يوجد أكثر من 2 مليون آخرين أتموا عامًا من عمرهم ولا يزالون فى حاجة أيضًا للألبان، كما أن معظم الأمهات يعانين من سوء تغذية ولا يستطعن إرضاع أطفالهن طبيعيًا. وتحتاج مصر إلى 24 مليون عبوة من ألبان الأطفال المدعمة سنويًا بدعم يصل إلى 500 مليون جنيه.. وسعر الألبان المدعمة للطفل من سن الولادة وحتى 6 شهور يصل إلى 17 جنيها للعبوة فى الصيدليات، إلا أنها غير متوفرة بكميات كافية، وكذلك ألبان المرحلة الثانية من 6 شهور إلى 12 شهرًا سعرها 18 جنيها وهى أيضا غير متوافرة. فالكميات التى تصرف للصيدليات تتراوح من 6 علب إلى 12 علبة شهريًا وهى غير كافية بالطبع، فالألبان المدعمة اختفت وغير المدعمة ارتفع سعرها بسبب ارتفاع سعر الدولار واليورو أمام الجنيه.. ويواجه اللبن المدعم نقصًا شديدًا ولا يصرف معظمه إلا فى الوحدات الصحية. وقد حددت وزارة الصحة شروطًا قاسية للحصول على ألبان الأطفال المدعمة، وتوقيع الكشف الطبى على الأمهات فى الوحدات الصحية للتأكد من عدم القدرة على تغذية الأطفال بصورة سليمة.. ولكن للأسف هناك من يقوم بتسريب هذا المنتج المدعم من الشركة المصرية المستوردة له بقصد الاتجار والربح، فالعلبة التى يبلغ ثمنها 18 جنيها تباع ب 35 و40 جنيها فى السوق السوداء، ويوجد عليها إقبال لأنها أرخص سعرًا من الألبان المستوردة غير المدعمة.. وقد بحثت وزارة الصحة إنشاء نظام لصرف عبوات اللبن المدعم على بطاقة التموين كما هو الحال مع السلع التموينية، وهذا لا يترك فرصة للتلاعب فى كميات الألبان المدعمة المخصصة لغير القادرين.. وكان وزير الصحة السابق قد أعلن منتصف الشهر الحالى أنه يبحث عملية صرف اللبن المدعم عن طريق الكروت الذكية من الصيدليات، وأنه ستتم إعادة هيكلة توزيع اللبن المدعم للأطفال، وشُكِّلت لجنة لبحث إعادة الهيكلة لعملية توزيع اللبن على مستوى الجمهورية. وحاليًا تقوم الوزارة بالتعاقد مع الشركات المنتجة للألبان فى الدول المُصدّرة بأسعار مخفضة، ومن المتوقع أن تمنع منظومة التوزيع الجديدة تسريب الألبان لغير المستحقين كما يحدث حاليًا. وكانت نقابة الصيادلة قد رفضت نظام الكروت الذكية المقترح لتوزيع ألبان الأطفال، لأنه يجعل الصيدلى مثل الفرّان وبقال التموين! أما نقيب الصيادلة فصرح بأن النقابة ستتصدى بكل حزم لمنع ترسية مناقصة ألبان الأطفال المدعمة من قبل الدولة على شركات خاصة. فإن إجراء وزارة الصحة ينهى احتكار الشركة المصرية لتجارة الأدوية، فالوزارة أعلنت أنه سيتم ترسية المناقصة على شركات خاصة بجانب الشركة المملوكة للدولة. وإجراء الوزارة ينهى عشرين عامًا من رحلة عذاب المواطن من أجل الحصول على علبة لبن مدعم، فالطوابير طالت وطالت عبر سنوات أملاً فى الحصول على الحليب المدعم دون طائل.