تردد كثيرًا هذا السؤال فى الآونة الأخيرة.. بل إنه صار الآن أكثر إلحاحًا من أى وقت مضى، ولتكن المحاولة فى تلك السطور للإجابة عنه، ولن يتسنى لنا ذلك، إلا بالوقوف توضيحًا على تعريف حالة الحرب وبيانها.. ذلك أن لحالة الحرب علامات ودلالات إذ ما تبدت لنا، تأكد لنا أننا نعيش أجواء حرب وإن لم تكن معلنة ببيانات حرب مذاعة. فالدلالة الأولى: تكمن فيما إذا وقفت البلاد على حافة هاوية فى معترك أحداث بدت تهدد الدولة فى بقائها، عبر عمليات عسكرية أو إرهابية قد تكلف الدولة شوطا كبيرًا، أو جهدًا عسيرًا لاحتوائها والسيطرة على الموقف تجاهها، فذاك هو الملمح الأول فى أن الدولة قد دخلت مواجهة عنوانها «تهديد بقاء الدولة». الثانية: إذا كان هناك عناوين فكرية ذات مضامين متطرفة تصطدم بعنوان «حتمية وجود الدولة الوطنية» لتحل محلها الفوضى والتقسيم على أسس طائفية، تكون البلاد حينئذ فى حالة حرب فكرية خطيرة.. وأقرب مثال لذلك ما حدث لألمانيا فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، حين شرعت فى القضاء على النازية، إذ ظلت ألمانيا تشكل حكومات حرب بغية القضاء على الفكر النازى داخل البلاد، والذى كان يعتنقه ملايين من الألمان.. وليس أدل على ذلك ما حدث للولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر، لما أعلنت أمريكا أنها فى حالة حرب ضد الإرهاب، وعلى فورها حركت الأساطيل خارج حدودها، ويومها قال الساسة الأمريكيون إن الهجوم خير وسيلة للدفاع.. فكانت حرب أفغانستان 2001م والعراق 2003م، إذن عندما تكون فى الدولة بؤر تمرد سواء فكرية أو مسلحة، تصطدم بالدولة وسيادتها الوطنية، تعتبر الدولة نفسها فى حالة حرب حتى القضاء عليها. وفى حال تطبيق هذا النموذج على الحالة المصرية فإننا نجد التالى: أن الحدود الشرقية فى سيناء تُعد منطقة حرب بما تعنيه الكلمة، وإلا لما أسند السيد الرئيس إدارة سيناء مدنيا وعسكريا للفريق أسامة عسكر.. كما أن العمليات الإرهابية تلك التى يتم ارتكابها فى الداخل المصرى، ويقع ضحيتها شهداء أبرياء من الشرطة والجيش والمدنيين العزل، لهى خير دليل على استهداف مصر وشعبها وأمنها، وإن لم تكن المواجهة مباشرة كما الحروب النظامية، فهى مع ذلك حرب وأى حرب، بل هى أخس أنواع الحروب. لكن هناك من هم بيننا لن يروا أبدا أن الدولة فى حالة حرب.. فالسواد الأعظم من أشباه النخب، وبعض قطاعات من المجتمع المصرى، وتحديدًا نخبته السياسية، وأطياف من المعارضة، وشرائح من تيارات المجتمع المدنى، ولفيف من الحقوقيين والنشطاء، وغير ذلك من المسميات المستحدثة، تلك التى حملتها معها رياح الخريف العربى العاصفة، أولئك الذين تصدروا المشهد الإعلامى طيلة السنوات الأربع السابقة.. لن يروا أبدا أن هناك خطرا يتهدد البلاد، كى يقروا أننا فى حالة حرب، لماذا؟ لأن هذا الفصيل له منطلق خاص به، فهم يعتبرون أن فى طرح هذا العنوان (حالة الحرب) وإن كان معبرا عن حالة تعيشها بالفعل البلاد، ما هو إلا فزاعة لعودة الدولة البوليسية أو الأمنية حسبما يعتقدون وهمًا. وخاصة أولئك الذين يضعون الدولة فى خانة الاتهام على طول الخط، وهم المتشدقون بشعار الحرية وحقوق الإنسان، وهؤلاء لو سألوا أسيادهم فى الغرب كيف يكون حال الديمقراطية ساعة تتهدد البلاد الأخطار، لو سألوهم لوجدوا الإجابة فى تلك الحادثتين.. ففى أعقاب مظاهرات ما يعرف ب «ضواحى باريس» أصدر البرلمان الفرنسى مجموعة من القوانين الاستثنائية لمواجهة العنف السياسى.. وفى بريطانيا عقب حدوث مجموعة من التفجيرات خرج رئيس الوزراء «كاميرون» ليقول علنا أمام الجميع: «حينما يتهدد أمن المجتمع من قبل قوى الإرهاب الدينى لا تحدثنى عن حقوق الإنسان». أما الذين ينطلق تفكيرهم من أولوية بقاء الدولة قوية، وينادون بعودة الهيبة لها، فهؤلاء تحركهم وطنيتهم وخوفهم على أمن وسلامة الوطن، وهم الغالبية الكاسحة، بل هم السواد الأعظم لشعب مصر.. هؤلاء يقفون على حقيقة الأمر، حين يكون جللاً خطيرًا، فيه مصر تخوض حربًا ضروسًا تخطط لها من بعيد الصهيونية العالمية، وتقوم أذرعها بالتنفيذ.. والسؤال الذى يطرح نفسه الآن: ما هى الإجراءات الواجب اتخاذها داخليًا للتعامل المناسب مع حالة الحرب التى تواجهها الدولة؟