لكل حكاية أصل.. والحكاية التى نبحث عن أصلها هى حكاية مسلمى الروهينجيا فى ميانمار.. الأقلية الأكثر تعرضا لمجازر التطهير العرقى، والطرد، والنفى، والتشريد وانتهاكات حقوق الإنسان – الآن- فى العالم، حسب ما عرفناه من تقارير مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.. من هم الروهينجيا المسلمون؟! وكيف ذهبوا إلى هذه البلاد الآسيوية البعيدة؟! ولماذا يتعرضون لهذه الأعمال الوحشية، وهذا العنف المستمر منذ الخميسنيات من القرن العشرين وحتى اليوم؟! وكيف تحولوا إلى عبيد يباعون ويشترون فى أسواق النخاسة فى دول شرق آسيا؟! مأساة المسلمين (ذابحو البقر) فى ميانمار ! الاسم: الروهينجا وينطق أحيانًا الروهنجيا والروينجة وهى جماعة عرقية مسلمة أحدث التقديرات الرسمية الصادرة عام 2012 تشير إلى أن عدد أفرادها 800 ألف نسمة، تعيش هذه الأقلية فى ولاية راخين (اسمها القديم أراكان) وهى إحدى ولايات دولة جمهورية اتحاد ميانمار (كان اسمها حتى عام 1985 بورما) وهى إحدى دول شرق آسيا، وجغرافيا محصورة بين الصين والهند وبنجلاديش من الشمال (الشرقى والغربى) وخليج البنجال والمحيط الهندى من الجنوب، ومن حيث التركيب العرقى تتعدد العناصر المكونة للدولة، لكن يغلب على سكانها عنصر البورمان البوذيون، ومن بين الجماعات المتعددة جماعات الأركان، وجماعات الكاشين وينتشر الإسلام بين هذه الجماعات حيث وصل إليهم عن طريق إقليم "أراكان" بواسطة التجار العرب فى عهد الخليفة العباسى هارون الرشيد، يقول المؤرخ الشهير «أر. بى. اسمارت» صاحب كتاب BURMA GAZETTEER: كان للتجار العرب صلة وثيقة مع أهل أراكان منذ قبل 788م، وفى ذاك الوقت قاموا بتعريف الإسلام أمامهم بأسرع ما يمكن. ويقال إن موطن أسلاف الروهنجا هو إقليم الروها فى أفغانستان، ويقال أيضا إن بعض مسلمى الروهينجا الحاليين من أصلاب المستوطنين الأوائل من التجار العرب والفرس، بالإضافة إلى أن البريطانيين إبان احتلالهم لهذه البلد جلبوا العديد من المسلمين الهنود إلى ميانمار لمساعدتهم فى الأعمال المكتبية والتجارة، وذلك حين خضعت ميانمار للاحتلال البريطانى ضمن المناطق والدول التى احتلها الإنجليز فى شرق آسيا. وخلال سنوات الاحتلال التى امتدت من عام 1886 وحتى 1948 تصدت الأقلية المسلمة فى ميانمار للاحتلال الإنجليزى بعنف، وفى المقابل رد المحتل الإنجليزى على هذه المقاومة بزرع بذور الفتنة على أساس طائفى بين البوذيين والمسلمين، وفى هذا لجأوا لاستخدام مخططهم الشيطانى المشهور «فرق تسد» فقاموا بتطبيق سياسات التمييز من خلال استلاب حقوق وأملاك المسلمين من الأراضى والعقارات وحتى الوظائف العامة ومنحوها للبوذيين عن غير حق، وفى خطوة تالية تم الزج ببعض قادة المسلمين فى السجون ونفى البعض خارج البلاد، أما أخطر مراحل الفتنة فتمثلت فى تزويد البوذيين بالسلاح وتحريضهم ضد المسلمين وكانت النتيجة مذبحة بشعة تعرض لها الأخيرون عام 1942. ودون أن نسترسل فى تفاصيل التاريخ للسياسات والأحداث الداخلية، نؤكد أن أحوال المسلمين فى هذا البلد ومنذ النصف الثانى من القرن العشرين وحتى اليوم كانت سيئة وتزداد سوءًا حيث تعرضوا خلال حقب متعاقبة من الحكم الديكتاتورى للتهميش والإقصاء والطرد من الوظائف العامة والجيش، ومع تصاعد موجة العنصرية البوذية، تعرضت طقوسهم الدينية للسخرية والازدراء حتى منعوا من ذبح أضحيتهم فى عيدهم الأضحى وأطلق البوذيون عليهم سخرية وصف «ذابحو البقر» فالبوذيون يعتبرون ما يفعله المسلمون نوعا من العنف ضد الحيوان بينما هم يؤمنون بفضيلة المحبة نحو جميع المخلوقات فهل - حقًا - يمارسون ذلك فى حياتهم العملية؟! وفى تاريخ بورما الدموى هناك عشرات الجرائم التى ارتكبت ضد المسلمين، بسبب شعيرة الذبح الحلال، وفى كتاب التاريخ أن الملك «ألاينجبايا» الذى حكم ميانمار خلال السنوات (1752- 1760) منع تمامًا الذبح والأكل الحلال للمواشى وفى عهد ملك تالى هو «بوداوبايا» تفجرت فتنة هائلة فى البلاد بعد إعدام أربعة من أئمة المسلمين رفضوا أكل لحم الخنزير، ولم تقتصر الأسباب التى أدت لاضطهاد مسلمى بورما على الصراع الطائفى فى الداخل فقط ولكن كان قدر المسلمين الروهانجيين أن يدفعوا فاتورة تشدد أقرانهم فى البلاد المجاورة مثل إندونيسيا وأفغانستان، ففى شهر مارس عام 2001 قامت عناصر من حركة طالبان الأفغانية بتدمير تمثالين أثريين لبوذا منحوتين فى وادى جبلى بمنطقة هزارستان شمال غرب كابول العاصمة الأفغانية وفى ميانمار كان الرد دمويا من قبل غوغاء البوذيين مدعومين بعدد كبير من الرهبان البوذيين ضد مسلمى الروهينجا، وتصاعد العنف ضدهم ليبلغ ذروته فى شهر مايو من نفس العام حين قاد الرهبان الغوغاء وهاجموا مقرات المسلمين من شركات وممتلكات وحرقوا ودمروا ما يزيد على 400 منزل و11 مسجدًا ومن نجا من الحريق مات بالضرب العنيف حتى وصل عدد القتلى من المسلمين ما يزيد على المائتين وتم إغلاق عدد آخر من المساجد بمعرفة السلطات الحاكمة نزولا على طلب رهبان البوذية انتقامًا لتدمير تمثالى بوذا فى أفغانستان.