يعانى العراق منذ أكثر من عشر سنوات من أمراض استشرت فى جسد الدولة زرعتها وعملت على تأسيسها الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد غزوها للبغداد فى 2003 حيث استشرى الفساد وانتشرت المحاصصة وظهرت فئة من الوزراء اللصوص بثروات طائلة مقابل تردى الخدمات المقدمة للمدنيين. ونتيجة لهذه الأوضاع المتردية خرجت طوائف وجموع الشعب العراقى للتعبير عن غضبها فى مظاهرات اجتاحت مدن العراق وعلى رأسها بغداد والنجف والبصرة والناصرية سببها انتشار الفساد وتردى الخدمات وتزاوج السياسة والدين وإنتاج منظومة حكم كرست إمكانات الدولة لحماية المفسدين ونشر الطائفية على حساب الأمن والحرية والخدمات. أما أبرز مثال على ما يعانيه العراق من فساد مستشر فى جسد الدولة العراقية هو تدهور الخدمات كالكهرباء. فعلى الرغم من صرف ما يقرب من ثلاثين مليار دولار على ملف الطاقة إلا أن العراق لا يزال يتخبط فى الظلام ومما عمق الأزمة ارتفاع درجات الحرارة وعدم قدرة الحكومة على توفير نصف الاستهلاك الوطنى من شبكة الكهرباء التى تضررت خلال الغزو الأمريكى عام 2003 بالإضافة إلى تعرضها للتخريب على يد مسلحين. وطالب المتظاهرون الذين بلغ عددهم فى بغداد وحدها 8 آلاف متظاهر بتشكيل لجنة دائمة لجمع ملفات الفساد وتقديمها للقضاء بشكل مباشر والتنسيق مع الجهات القضائية لملاحقة هذه الملفات وبتفعيل جهاز الإدعاء العام بوصفه ممثلا لحقوق الشعب. كما طالبوا بإبعاد القضاء وهيئة النزاهة عن المحاصصة الطائفية والقومية وتطهيرهما من الفاسدين على أن يتولّى رئيس الوزراء حيدر العبادى شخصيا مسئولية إدارة وزارة الكهرباء.. وإزاء موجة الغضب الشعبى اتخذت السلطات العراقية إجراءات أمنية مشددة فى أغلب المحافظات التى شاركت فى المظاهرات. وسعيا لتهدئة الشعب الثائر عقدت الرئاسات الثلاث فى العراق اجتماعا بشأن المظاهرات ودعت فى أعقابه لفتح حوار بين الشعب ومؤسسات الدولة ووعدت الرئاسات الثلاث باتخاذ إجراءات عاجلة للإصلاح ومكافحة الفساد وتزامن ذلك مع تأكيد مصدر بالتيار المدنى المنظم للمظاهرات أنه سيشكل هيئة لمتابعة قضايا الفساد وجمع ملفاتها منذ عام 2003. من جانب آخر أعطى العبادى توجيهات بالغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس مجلس الوزراء وبإبعاد جميع المناصب العليا عن المحاصصة الحزبية والطائفية وإلغاء المخصصات الاستثنائية لجميع الرئاسات والهيئات ومؤسسات الدولة إضافة إلى تكليف لجنة مهنية باختيار المرشحين على ضوء معايير الكفاءة والنزاهة. كما أصدر أمرا بتقليص شامل وفورى لأعداد حمايات كل المسئولين بما فى ذلك الرئاسات الثلاث والنواب والدرجات الخاصة، بالإضافة إلى ترشيق الوزارات والهيئات لرفع الكفاءة فى العمل الحكومى وتخفيض النفقات وإلغاء المخصصات الاستثنائية للرئاسات والهيئات ومؤسسات الدولة والمسئولين المتقاعدين وفتح ملفات الفساد ومحاسبة المتورطين. ومن جانبه رحب رئيس الجمهورية فؤاد معصوم بقرارات العبادى، كما دعا زعيم التيار الصدرى مقتدى الصدر الذى تشارك كتلته السياسية بمناصب مهمة فى الحكومة فى بيان له إلى التحقيق مع المقصرين فى الحكومتين السابقة والحالية ممن سرقوا المليارات، إلا أن رئيس مجلس النواب سليم الجبورى صرح بأن حزمة الإصلاحات الحكومية التى أعلن عنها العبادى جيدة إلا أنها ليست كافية. وأضاف أن هناك عددا من الإصلاحات سيقدمها مجلس النواب خاصة بالمؤهلات التعليمية لموظفى الدولة. من جهة أخرى كشف نائب عن كتلة الأحرار عن اعتراض نائبى رئيس الجمهورية آياد علاوى ونورى المالكى على تقديم استقالتهما لرئيس الجمهورية فؤاد معصوم وإلغاء منصبيهما تنفيذا للقرارات التى اتخذها رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادى. كما صوت مجلس محافظة بغداد بالإجماع على إلغاء المجالس البلدية نظرا لوجود فساد مالى وإدارى، بالإضافة الى دمج الوزارات ذات الاختصاصات المتشابهة وإنهاء ملف التعيينات بالوكالة.. وأصدرت هيئة النزاهة أوامر باستقدام واعتقال 316 مسئولا سابقا وحاليا بينهم وزراء ونواب متقاعدون على خلفية اكتمال تحقيقات وملفات خاصة بقضايا فساد مالى وإدارى واختلاس، ومازال الشعب العراقى منتظرا لنتائج تلك الإصلاحات التى طالما حلم بتنفيذها للخروج من المعاناة التى يعيشها.