فى خطوة تبشر بإنهاء عشرات السنين من القتال شمال البلاد، وبعد نحو عام من المفاوضات الشاقة بقيادة الجزائر، جاء توقيع المتمردين الطوارق على اتفاق سلام نهائى مع الحكومة المالية ليمنحهم حكما ذاتيا جزئيا فى منطقة الشمال. وينص اتفاق «السلام والمصالحة» التاريخى على إنشاء مجالس محلية ذات صلاحيات واسعة ومنتخبة بالاقتراع العام والمباشر، ولكن دون استقلال ذاتى أو نظام فيدرالى فى شمال البلاد، كما لم يتضمن الاتفاق أى اعتراف بتسمية «أزواد» التى يطلقها الانفصاليون من العرب والطوارق على شمال مالى، لكن الحكومة المركزية تعهدت باحترام التنوع العرقى والثقافى لمنطقة الشمال وخصوصياتها الجغرافية والاجتماعية. وجاء توقيع الاتفاق النهائى بعد جولات من المفاوضات الشاقة والطويلة والمكثفة منذ يوليو 2014، ورغم توقيع الحكومة المالية وبعض الجماعات الازوادية الانفصالية المسلحة على اتفاق تمهيدى فى مارس الماضى، إلا أن تنسيقية حركات أزواد التى تضم أبرز الحركات الانفصالية فى شمال البلاد، ويهيمن عليها الطوارق، رفضت التوقيع وتحفظت على بنود الاتفاق بوصفها لا تلبى مطالبهم، وفى 5 يونيو الحالى وافقت التنسيقية على توقيع اتفاق السلام بعد انتزاعهم تسويات مهمة، أبرزها دمج مقاتليهم ضمن قوة أمنية خاصة بالشمال، وتمثيل أفضل لسكان الشمال فى مؤسسات الدولة. كما ألغت الحكومة المالية مذكرات توقيف كانت صادرة فى حق قيادات الطوارق. ومنذ استقلال مالى من الاستعمار الفرنسى عام 1960 انتفض الطوارق فى المنطقة الصحراوية شمال البلاد، والتى يطلقون عليها اسم أزواد، أربع مرات، كانت آخرها هى الأعنف على الإطلاق حيث استغل الطوارق حالة الفوضى التى نتجت عن الانقلاب العسكرى فى مارس 2012 ضد الرئيس المالى السابق ألفا عمر كونارى، وأعلنوا فى إبريل 2012 قيام جمهورية أزواد فى المناطق التى يسيطرون عليها، مما أتاح الفرصة لجماعات إسلامية متطرفة مرتبطة بتنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى للسيطرة على أغلب مناطق شمال مالى لأكثر من تسعة أشهر قبل أن يتم طردها إثر التدخل العسكرى من قبل فرنسا بدعم من الأممالمتحدة فى يناير 2013، إلا أن الاضطرابات استمرت فى شمال البلاد نتيجة سيطرة الجماعات الانفصالية بقيادة الطوارق على 80% من الأراضى الأزوادية، مما أدى إلى تصاعد العنف بين الانفصاليين الطوارق والعرب من جهة والقوات الحكومية والميليشيات المقربة منها من جهة أخرى. وقد لاقى الاتفاق الذى تم توقيعه فى 20 يونيو الجارى، ترحيبا دوليا واسعا، وتعهد وزير الدفاع الفرنسى، جان إيف لودريان، بأن القوات الفرنسية المنخرطة فى القتال ضد التنظيمات الجهادية، خصوصاً فى مدينة جاو ومحيطها شمال مالى، ستساهم فى رعاية الشق العسكرى من اتفاق السلام المتعلق بتخلى المقاتلين الطوارق عن أسلحتهم ودمجهم فى الجيش المالى. وعلى الرغم من توقيع «تنسيقية أزواد» لاتفاق المصالحة، فإن هناك الكثير من الشكوك حول إمكانية صموده، ليس بسبب الاتفاقيات التى وقعت سابقاً ولم تصمد لفترة طويلة، بل بسبب التحديات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية التى تواجهها دولة مالى، خاصة شمال البلاد، الذى يمثل ثلثى مساحة الدولة وتقطنه أغلبية من الطوارق والعرب الذين يعانون الفقر والمرض وهشاشة البنية التحتية، مما يوفر كل ظروف اللاسلم. كما يواجه الاتفاق، بحسب المحللين، صعوبات كبيرة بسبب الخلافات والانقسامات بين الحركات الانفصالية نفسها، وهى خلافات تقليدية بين قبائل الطوارق التى تقود هذه الحركات، وقد وصل الأمر فى الأشهر الماضية إلى درجة الدخول فى معارك طاحنة للسيطرة على بعض المناطق، والسيطرة على طرق التهريب المربحة إلى شمال أفريقيا. ويخشى المراقبون من تمرد القواعد المقاتلة على القيادات التى وقّعت على الاتفاق وحدوث انشقاقات داخل «التنسيقية»، ومن بين المؤشرات التى تعكس تعقّد تطبيق الاتفاق، خروج تظاهرات فى مدينة كيدال، معقل الطوارق، تندّد بالاتفاق رفعت شعار «الشهادة ولا الذل»، فى إشارة إلى كون الاتفاق يخيّب آمال الطوارق فى الاستقلال الفعلى. يذكر أن الطوارق هم قبائل تنحدر من أصول بربرية فى شمال أفريقيا، ويعتنقون الإسلام منذ القرن السادس عشر الميلادى، ويتحدثون اللغة الطرقية. وتتوزع قبائل الطوارق بين النيجر ومالى وبوركينا فاسو وليبيا والجزائر.