فى خطوة تبشر بإنهاء عشرات السنين من القتال شمال البلاد، وبعد ثمانية أشهر من المفاوضات التى جرت فى الجزائر، جاء توقيع حكومة مالى على اتفاق تمهيدى للسلام مع ثلاث من الجماعات الازوادية الانفصالية المسلحة، فى حين طلبت الجماعات الثلاث الأخرى مهلة قبل التوقيع. وأوضح وزير الخارجية الجزائرى رمطان لعمامرة الذى قاد المفاوضات منذ بدايتها فى يوليو 2014 أن المفاوضات ستتواصل فى مالى حول قضايا الدفاع والأمن والتنمية الاقتصادية للتوقيع الرسمى والنهائى على الاتفاق. ووقعت الحكومة المالية على اتفاق «السلم والمصالحة» مع حركة أزواد العربية وتنسيقية شعب أزواد وتنسيقية الحركات والجبهات الوطنية للمقاومة بينما طلبت الحركة الوطنية لتحرير أزواد والمجلس الأعلى لوحدة أزواد وحركة أزواد العربية المنشقة مهلة لتقاسم الاتفاق مع شعب أزواد قبل التوقيع عليه، وصرح رضوان آيت محمد رئيس «تنسيقية حركات أزواد»، التى تضم الجماعات الثلاث غير الموقعة، بأن الوثيقة التى عرضت للتوقيع «تتضمن بعض النقائص من بينها الغموض الذى يكتنف الوضع القانونى لمنطقة أزواد، ونقاطا أخرى متصلة بالأمن وبالدفاع فى هذه المنطقة»، فى إشارة ضمنية إلى مطلب سابق لهذه الجماعات، يتمثل فى إقامة حكم ذاتى فى كيدال وجاو وتومبوكتو، وهى مدن حدودية مع الجزائر. ومع ذلك أعلنت الجماعات الثلاث التزامها باتفاق وقف إطلاق النارالموقع فى 24 يوليو 2014 فى الجزائر، والذى تم التأكيد عليه فى 19 فبراير 2015. كما أعرب المتحدث باسم هذه الجماعات محمد عصمان اغ محمدو عن تفاؤله بإمكانية التوقيع فى مالى خلال بضعة أسابيع. ومن جانبه، عبر وزير خارجية مالى ممثل حكومة باماكو عبد اللاى ديوب عن ثقته بأن جميع الأطراف ستوقع على الاتفاق النهائى خلال الأسابيع المقبلة. وكما ترغب باماكو، لم يتحدث الاتفاق عن حكم ذاتى ولا عن نظام فيدرالى وينص على إعادة بناء الوحدة الوطنية لمالى على أسس تحترم وحدة أراضيها وطابعها الجمهورى والعلمانى مع الأخذ فى الاعتبار تنوعها الإثنى والثقافى. فى المقابل، يعتبر الاتفاق تسمية «ازواد» التى يطلقها الانفصاليون على منطقتهم حقيقة اجتماعية ثقافية تتقاسمها شعوب مختلفة من شمال مالى، ملبيا بذلك رغبة الانفصاليين وأغلبهم من الطوارق. وينص الاتفاق على تشكيل مجالس إقليمية منتخبة قوية يقودها رئيس ينتخب بشكل مباشر، وذلك فى غضون 18 شهرا. كما ينص على تمثيل أكبر لسكان الشمال فى المؤسسات الوطنية. وعلى الصعيد الأمنى ينص الاتفاق على إعادة تشكيل القوات المسلحة من خلال انضمام مقاتلين من الحركات المسلحة فى الشمال إلى الجيش. وبحسب الاتفاق، يتعين على الحكومة المالية ابتداء من 2018 أن تضع آلية لنقل 30% من عائدات الميزانية من الدولة إلى السلطات المحلية مع التركيز بشكل خاص على الشمال. وبالرغم من الترحيب على المستوى الدولى بالاتفاق الجديد، فإن هناك الكثير من الشكوك حول إمكانية صموده فى ظل التحديات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية التى تواجهها دولة مالى، وخاصة شمال البلاد، الذى يمثل ثلثى مساحة الدولة وتقطنه أغلبية من الطوارق والعرب الذين يعانون الفقر والمرض. كما يواجه الاتفاق الجديد، بحسب المحللين، صعوبات كبيرة بسبب الخلافات العميقة بين الحركات الانفصالية نفسها، وهى خلافات تقليدية بين قبائل الطوارق التى تقود هذه الحركات، وقد وصل الأمر فى الأشهر الماضية إلى درجة الدخول فى معارك طاحنة للسيطرة على بعض المناطق. ومنذ استقلال مالى من الاستعمار الفرنسى عام 1960، انتفضت المنطقة الصحراوية فى شمال مالى التى يطلق عليها الطوارق اسم أزواد أربع مرات، وكانت آخرها هى الأعنف على الإطلاق حيث استغل الطوارق حالة الفوضى التى نتجت عن الانقلاب العسكرى فى مارس 2012 ضد الرئيس المالى السابق ألفا عمر كونارى، وأعلنوا فى أبريل 2012 قيام جمهورية أزواد فى المناطق التى يسيطرون عليها، وهو ما اتاح الفرصة لجماعات إسلامية متطرفة مرتبطة بتنظيم القاعدة للسيطرة على شمال مالى لأكثر من تسعة أشهر قبل أن يتم طردها اثر التدخل العسكرى الدولى بقيادة فرنسا فى يناير 2013، إلا أن الاضطرابات استمرت فى شمال البلاد نتيجة سيطرة الجماعات الانفصالية بقيادة الطوارق على 80? من الأراضى الأزوادية. يذكر أن الطوارق هم قبائل تنحدر من أصول بربرية فى شمال أفريقيا، ويعتنقون الإسلام منذ القرن السادس عشر الميلادى، ويتحدثون اللغة الطرقية. وتتوزع قبائل الطوارق بين النيجر ومالى وبوركينا فاسو وليبيا والجزائر.