الحق سبحانه يريد منا أن ننمى فينا حب الخير ونبتعد عن الشر، أن نتعاون على المعروف وأن نفر من المعاصى، وأن ننشر الفضائل ونحذر ونمنع من الرذائل. خاصة فى الاستعداد لرمضان ولا يتأتى ذلك إلا بالطاعة، قال الله تبارك وتعالى:{يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم، فان تنازعتم فى شيء فردوه إلى الله والرسول أن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، ذلك خير وأحسن تأويلا} النساء 59. فهناك حيثيات توجب هذا الأمر من الله تعالى لعباده فنحن ولله المثل الأعلى نلحظ بعد صدور حكم قاض من المحكمة أنه يصدر على حيثيات لهاذا الحكم، وهذه الحيثيات هى التبرير القانونى للحكم سواء كان بالعقوبة أو بالبراءة، إذن فالقاضى يحكم بناء على حدوث وقائع مطابقة لمواد القانون. وعلى هذا فحيثيات أى حكم هى التبريرات القانونية التى تدل على سند هذا الحكم. وقول الحق سبحانه وتعالى:{أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} فيه نلحظ أن الحق سبحانه لم يقل:" يا أيها الناس أطيعوا الله وأطيعوا الرسول" ولكنه سبحانه وتعالى قال:{يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول}. إذن فالحق سبحانه وتعالى لم يكلف مطلق الناس بأن يطيعوه، وانما كلف مطلق الناس أن يؤمنوا به. إذن فحيثيات الطاعة لله وللرسول نشأت من الإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه عدالة من الخالق سبحانه وتعالى، فهو سبحانه لم يكلف واحدا أن يفعل فعلا إلا إذا كان قد آمن به تعالى، وآمن بالرسول صلى الله عليه وسلم مبلغا وشرعا، ولذلك نجد كل تكليف من الله تعالى يبدأ بقوله سبحانه وتعالى:{يا أيها الذين آمنوا}، اذن فحيثيات طاعة الله تعالى، وطاعة الرسول هى الايمان، ولذلك نقول دائما: إياكم أن تقبلوا على أحكام الله بالبحث عن عللها أولا، ثم الايمان بها ثانيا، ولكن أقبلوا على أحكام الله أولا واسمعوا وأطيعوا، واخضعوا واخشعوا، ثم من بعد ذلك لا مانع من أن يقوم العقل بالتدبر والتأمل ليفهم شيئا من الحكمة التى من أجلها تم تحريم هذا الشيء أو ذاك، أقول بعض الحكمة وليس كل الحكمة، ذلك أن حكمة الله لا تتناهى ولا تدرك ولا يحاط بها. وهناك فرق بين أمر البشر للبشر، وأمر الله تعالى للمؤمنين به، فان أمر الله للبشر تسبقه العلة وهى أن الإنسان قد آمن به، أما أمر البشر للبشر فمنهم من يقول مثلا: أقنعنى حتى أفعل ما تأمرنى به، لأن عقلك ليس أكبر من عقلى، ولسن بأقدر على الفهم منى والإنسان لا يصنع شيئا صادرا إليه من بشر إلا إذا اقتنع به، وأن تكون التجارب قد أثبتت لك أن من يأمرك بهذا الأمر، أنه لا يغشك فتأخذ كلامه مصدقا، أما المساوى لك فأنت لا تأخذ كلامه على أنه واجب التنفيذ بأنه الاله الواحد الذى خلقك وأوجدك، ومنحك مقومات حياتك وهو سبحانه الغنى عنك، وعن الكون كله. فالحق سبحانه وتعالى حين يطلب منا أن نؤمن به فهذه الطاعة ليست لصالح الله ولكن لصالح البشر. فالله سبحانه قد خلقنا وهو غنى عنا، ولا يطلب منه شيئا لصالحه، ثم أن طاعتنا لا تضيف اليه سبحانه شيئا، وحتى خلقه لنا لا يضيف له صفة جديدة، بل هو سبحانه خالق قبل أن يخلقنا. فالحق سبحانه وتعالى يريد منا الطاعة باختيارنا، لا بالاكراه، ولا بالقهر، فالعبد يعبد الله تعالى لأنه سبحانه وحده المستحق للعبادة، يعبده طاعة له باختياره، فالعبد كما هو معلون منحه الله تعالى حق الاختيار فى أن يؤمن أو لا يؤمن، فاذا اختار الانسان الطاعة على المعصية فهو محب لله فعلا، فهناك فرق بين من يقره الله على الطاعة، وبين من يذهب الى الطاعة باختياره.