القضاء على الفساد فى مهده قبل استفحاله وتغوَّله هو ما تحتاج إليه مصر فى هذه المرحلة التى بدأت فيها الدولة تطبيق استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد على مدار 4 سنوات، ومن أجل تجفيف منابع الفساد فى الجهاز الإدارى للدولة تقدم نحو 140 ألف باحث قانونى بمقترح يتضمن مشروع قانون الهدف منه إنشاء هيئة عامة مستقلة تنقل إليها تبعية جميع وحدات الشئون القانونية فى الجهات والمصالح الحكومية.. حتى يتمكن الباحث القانونى من الكشف عن وقائع الفساد من المنبع فى المصلحة التى يعمل بها بدون خضوعه لسلطة لرئيس هذه المصلحة.فى البداية تقول نعمات عطية الباحثة القانونية بمديرية التربية والتعليم بالقاهرة إن الباحث القانونى هو خريج كلية الحقوق والمعيّن بالإدارات والشئون القانونية بالجهاز الإدارى للدولة بالوزارات والدواوين العامة للمحافظات والوحدات المحلية والخدمية التابعة لها فى مصر مثل الصحة، والتربية والتعليم، والقوى العاملة، والشئون الاجتماعية، والزراعة، والتنظيم والإدارة، والشباب والرياضة، والطرق والكبارى، والتموين وغيرها من الجهات التى يوجد بها شئون قانونية، حيث تتمثل طبيعة العمل إجراء التحقيقات فى المخالفات الإدارية والمالية وإبداء الرأى القانونى فيها ومن ثم استصدار القرارات من السلطة المختصة واعتمادها، كما أنه يشارك فى جميع اللجان التى تكلفه بها السلطة المختصة وينظم عملها القانون رقم 89 لسنة 1998. مساندة الدولة وأضافت نعمات أن الباحث القانونى يمثل الدولة أمام مصلحة الخبراء فيما لها أو عليها، ويشارك كلًا من النيابة العامة والرقابة الإدارية فى كشف الفساد والجرائم الماسة بالمال العام وإحالتها إليهما وفقا لاختصاصه، كما يشارك الجهاز المركزى للمحاسبات فى التصدى للفساد الإدارى والمالى من خلال إرسال كافة أوراق القضايا والتحقيقات المتعلقة بالمخالفات المالية لأعمال شئونه نحوها واتخاذ كافة الإجراءات القانونية للحفاظ على المال العام، ويشارك أيضا هيئة قضايا الدولة فى الدفاع عن الدولة أمام القضاء من خلال تقديم المستندات والمذكرات المؤيدة وإرسالها لهم لتقديمها لعدالة المحكمة. وأشارت إلى أن الباحث القانونى يخضع لقانون نظام العاملين المدنين بالدولة الصادر بقانون 47 لسنة 1978 وهو ما يؤدى إلى أن تبعية الباحثين القانونيين إلى رئيس الجهة الإدارية التى يعملون بها مما يترتب على ذلك العديد من المشكلات خاصة أن الباحث القانونى هو من يتصدى بالتحقيق مع العاملين بالجهة التى يعمل بها فيما يرتكبونه من مخالفات إدارية أو مالية ويقوم بإعداد تقرير يتم اعتماده من السلطة المختصة وإحالة المخالف للنيابة الإدارية أو العامة وبالتالى يمثل الباحث القانونى حائط السد الأول الذى من خلاله يتم كشف الفساد بالجهة التى يعمل بها من خلال ما يقوم به من إجراء التحقيقات لتحديد الصالح والطالح فى هذه الجهة. وقالت نعمات: لن يستطيع الباحث القانونى ممارسة هذا الدور مادام تابعًا إداريا إلى الجهة التى يعمل بها، ولن يكون هناك دور فاعل وفعّال فى القضاء على الفساد المالى والإدارى بالجهاز الإدارى للدولة ما لم يتحقق له الاستقلال الوظيفى عن الإدارة لأنه فى غالب الأمر قد يمس الفساد الذى يكتشفه الباحث رئيس المصلحة التى يعمل بها أو إحدى القيادات التابعة له وبالتالى لا يقبل رئيس الهيئة أو الجهة التى يعمل بها الباحث بإحالته إلى التحقيق، مما يحول بين الكشف عن الكثير من قضايا الفساد الإدارى بالدولة ويؤدى إلى استشراء الفساد فى جسد الجهاز الادارى بصورة فجة، متسائلة كيف يطلب من رئيس الهيئة إحالة نفسه إلى جهات التحقيق المختصة؟!! وتواصل نعمات حديثها قائلة: لذلك نطالب السلطة المختصة فى حق إصدار القوانين وفقا لنص المادة 123 من الدستور المصرى بحيث يكون هناك هيئة مستقلة للباحثين القانونيين بالجهاز الإدارى للدولة وبالإدارات القانونية عن الجهات التى يعملون بها ويناط بها مكافحة الفساد المالى والإدارى بالتنسيق مع الرقابة الإدارية والجهاز المركزى للمحاسبات والنيابة العامة والإدارية كلا حسب اختصاصاته التى حددها القانون. السلاح المضاد وفى نفس السياق، قال السيد عوض باحث قانونى بمديرية التربية والتعليم بشمال سيناء منذ 11 عاما: نحن لا نريد مصالح شخصية أو مطالب فئوية بل نريد تمكيننا من الكشف عن الفساد الإدارى والمالى لمساعدة الدولة فى القضاء عليه وهذا ما أكد عليه رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب أن الفساد الإدارى أخطر على أجهزة الدولة من الفساد المالى وهذا يتوقف بناء على قرار من رئيس الجمهورية بمنح الاستقلالية لنا وهو «السلاح» الذى نحارب به الفساد حتى لا نكون تابعين لجهة الإدارة، فنحن نعمل تحت مظلة الجهة الإدارية والتى يرأسها وكيل وزارة قد يكون خريج تربية رياضية وبالتالى يعتمد قرار الباحث معلم تربية رياضية وهذا مخالف للدستور والقانون. وأضاف أن العمل الفنى فى كل المهن له قانون ينظمه، فمهنة المحاماة عمل فنى لها قانون ينظمها، وأن المادة 53 من الدستور 2014 تنص على أن المواطنين لدى القانون سواء فى الحقوق والحريات دون تميز وبالتالى كل من يمارس العمل الفنى لابد أن يعامل معاملة واحدة أسوة ببقية المهن الأخرى، ولابد من ضرورة الاستقلال الفنى عن جهة الإدارة والقيد بنقابة المحامين والمساواة فى المعاملة بين الباحثين القانونيين والإدارات القانونية. ونحن تقدمنا بمقترح مشروع قانون الهدف منه ليس مكافحة الفساد الإدارى فى الدولة فحسب، بل القضاء عليه نهائيًا، بإصدار قانون يجعل الإدارات القانونية بالجهاز الإدارى بالدولة هيئة عامة مستقلة عن الجهات التى تعمل بها، ويناط بها مكافحة الفساد المالى والإدارى بالدولة إلى جانب اختصاصاتها الأخرى، والأعمال التى تقوم بالتنسيق مع النيابة الإدارية الرقابية والجهاز المركزى للمحاسبات، والنيابة العامة. وأوضح السيد عوض: أن الهدف من ذلك هو مكافحة الفساد الإدارى والقضاء عليه، وتعزيز قيم النزاهة والشفافية، ضمانًا لتحسن أداء الوظيفة العامة والحفاظ على المال العام، ووضع وتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، بالتنسيق والمشاركة فيما بينها من أجل الارتقاء بالجهاز الإدارى بالدولة. وأشار إلى ضرورة استقلال الشئون القانونية بالإدارات المختلفة بشتى الوزارات عن جهة الإدارة، لأن الوضع الحالى هو وضع يساعد على استمرار الفساد بالجهاز الإدارى، والذى يعد الفساد به من أكبر المعدلات العالمية، وتقدر خسائره بمليارات الجنيهات، فكيف برجل القانون يكون مكبلا ولا يستطيع تطبيق القانون داخل جهة عمله، إلا بموافقة المدير الإدارى؟! واقترح إنشاء هيئة مستقلة للشئون القانونية تكون تابعة لوزارة العدل بحسب ما تراه الدولة مناسبا وضم أعضاء الإدارات القانونية العاملين بالوزارات ووحدات الإدارات المحلية لهذه الهيئة. أما عزة الشرقاوى - باحثة قانونية بمستشفى دسوق العام ونقيب الباحثين القانونيين بمحافظة كفر الشيخ - فقالت: نحن نتعرض لضغوط كثيرة أثناء عملنا ولا توجد الحماية القانونية وقد تم اضطهادى وإيقافى عن العمل من الرئيس الإدارى لحين الانتهاء من التحقيقات وذلك حينما تم اكتشاف واقعة اختلاس أموال بدون وجه حق بمستشفى دسوق العام بكفر الشيخ وتقدر بحوالى 477 ألف جنيه. وأضافت الشرقاوى أعمل تحت مظلة المدير الإدارى وهو «طبيب» و ليس لديه خلفية عن القانون ورغم ذلك له الحق فى توقيع القرار على المذكرة وخفض الجزاء أو حفظه. وأخيرًا تناشد عزة الشرقاوى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء قائلة «مش عايزين حقوق مالية مش هنخسَّر الدولة مليما ونحن باحثين على درجاتنا ولنا رواتبنا وهناك 140 ألف باحث قانونى يتمنون أن يساعدوا فى كشف الفساد الإدارى بالدولة» لذا تطالب بسن قوانين تعطى الحصانات والضمانات اللازمة لنزاهة عمل الباحث القانونى من أجل القضاء على إخطبوط الفساد فى مصر. وقال اللواء أبو بكر عبد الكريم مساعد وزير الداخلية للإعلام والعلاقات العامة فى تصريح خاص ل أكتوبر: أن الباحثين القانونيين بالجهاز الإدارى للدولة يتبعون الوزارة المعينين بها وبالتالى ليس لهم علاقة بوزارة أخرى وذلك لأن كل وزارة مستقلة بموظفيها فلا يصح أن يكون معينًا فى وزارة ويتبع وزارة أخرى. مؤكدا أنه من المفترض أن يكون رئيسه المباشر شخصا قانونيا حتى يكون قادرًا على اتخاذ القرارات المناسبة فى تلك القضايا أما إذا كان هناك بعض الأجهزة يرأسها خريجو تربية أو مؤهل آخر فلابد من الرجوع إلى رئيس الجهة الذى قام بتعيين هذا الشخص لمراجعة ذلك واختيار الشخص المناسب فى المكان المناسب.