شهدت الآونة الأخيرة، تطورا للأعمال الإرهابية، وبات استخدام التكنولوجيا، سمة رئيسية فى تلك الأعمال، ويعد استخدام الهواتف المحمولة فى التفجير عن بعد صورة من صور استخدام التكنولوجيا فى الإرهاب وتحول «الموبايل» من وسيلة اتصال وتواصل إلى أداة للتفجير، حيث تعتبر الخطوط غير المسجلة هى العامل الرئيسى الذى يعتمد عليه الإرهابيون والمتحدثون بلغة العنف والدم فى تنفيذ عملياتهم الإرهابية التى يذهب ضحيتها أرواح أبرياء. «أكتوبر» فى هذا العدد تفتح ملف شرائح المحمول المجهولة التى يتم تداولها دون بيانات وكيف تستخدم فى الجريمة من خلال آراء خبراء اتصالات وخبراء أمن للوقوف على كيفية وقف مخاطر تلك التكنولوجييرى خبراء الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، أهمية كبرى فى تشديد الرقابة على بيع وتداول خطوط التليفون المحمول من خلال الحصول على بيانات المشترك قبل عملية تشغيل الخط، إذ إن ذلك من شأنه أن يحد من استخدام تلك الخطوط فى ارتكاب الجرائم كالابتزاز والتفجير عن بعد، إلا أن بعض الخبراء أكد أيضًا أن الرقابة ربما لا تكون كافية للقضاء نهائيًا على جريمة التفجير باستخدام شرائح المحمول، لأن صانع الإرهاب ربما يلجأ لاستخدام خطوط تليفون أجنبية لتنفيذ جرائمه وهو ما يجعل القضاء على تلك الجريمة مستحيلًا ما لم يجر العمل من كافة أجهزة الدولة لدحر الإرهاب كفكرة وليس كعمل فقط.وقد حذر رئيس الاستخبارات البريطانية ألكس يانجر قبل أسابيع قليلة من أن وكالات الاستخبارات فى سباق تسلح تكنولوجى مع الإرهابيين ومجرمى الإنترنت الذين يرغبون فى إلحاق الضرر بالبلاد، وقال إن رجال وكالات الاستخبارات يواجهون منافسين لا يتقيدون بالأخلاق والقانون، ويستغلون التكنولوجيا لتهديد حياة الناس وأصبحت العمليات الإرهابية أكثر تعقيدا. ووصف يانجر التهديد الذى تواجهه الدول، «بالجانب المظلم من العولمة»، فى إشارة إلى استخدام الإرهابيين للإنترنت والتكنولوجيا الحديثة فى شن هجمات على الآمنين. وفى سياق تاريخى عن دخول خدمة الهاتف المحمول إلى مصر، كشف المهندس محمود أبو شادى خبير الاتصالات، فى تصريحات سابقة عن أن الرئيس الأسبق مبارك كان متخوفا، ورافضا لفكرة استخدام الهاتف المحمول فى مصر، حيث أمر بإلغاء مشروع إنشاء الشركة المصرية للاتصالات لشبكة محمول، بعدما تمت دراسة المشروع للبدء فيه عام 1994، وذلك تخوفًا من صعوبة مواجهة مخاطر الهاتف المحمول أو استخدامه استخدامًا سيئًا، إلا أنه بعد عقد المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ عام 1995، وحفاظا على موقف مصر، وسعيها لخلق بيئة استثمارية جاذبة، خاصة أن الهاتف المحمول كان قد دخل للدول الأوروبية عام 1992 ومن بعدها الدول العربية تراجع مبارك عن القرار وأمر بإنشاء المصرية للاتصالات ودخول خدمة المحمول. تطورالجريمة ويقول د. محمد عبد الحافظ خبير تكنولوجيا المعلومات إن مستوى التطور التكنولوجى العام فى المجتمع ينعكس على حركة التطور فى أساليب الإرهاب داخل هذا المجتمع، لا سيما فى مجال التكنولوجيات القابلة للاستخدام الإرهابى ودرجة انتشارها على نطاق واسع، وهو ما يبدو جليا فى قضية استخدام الهواتف المحمولة فى عمليات التفجير، فتلك العملية ليست جديدة على مسرح الجريمة، فهى معروفة فى العالم تقريبا منذ تسعينيات القرن الماضى، ولكنها جديدة فى مصر وتواكب التطور والتوسع الذى شهده مجتمعنا فى استخدام الهواتف المحمولة، حيث تتم العملية من خلال توصيل الهاتف بالعبوة والابتعاد عنها، ثم إجراء اتصال بالشريحة الموجودة فى الهاتف يعقبه تفجير العبوة، إذ تعمل شريحة الهاتف كمفتاح يسمح باكتمال الدائرة الكهربائية بالمفجر فيخلق قناة تمر بها المعلومة التى تكون أمرا من الجهاز إلى القنبلة الموضوعة ليتم تفعيلها، وتحدث الكارثة وبدون وجود الشريحة لا يمكن تنفيذ عملية التفجير. وأشار عبد الحافظ إلى أن شركات المحمول الثلاث ومعها الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات، عليها عبء كبير يتمثل فى العمل على تشديد الرقابة على بيع خطوط المحمول بدون الحصول على بيانات المشترى، مشددًا على ضرورة التأكد من تلك البيانات قبل تفعيل الخط واستخدامه. ودعا خبير تكنولوجيا المعلومات إلى ضرورة مراجعة بيانات العملاء من جانب الشركات كل فترة زمنية للتأكد من أن الخطوط التى يستخدمونها كاملة البيانات وأنه لم يحدث تغيير لتلك البيانات، مشيرًا إلى أن هناك أشخاصًا يفقدون خطوطهم ولا يبلغون بفقدها وهناك خطوط يجرى شراؤها ببطاقات مفقودة من أصحابها، وغيرها من الأساليب التى تتيح للمستخدم الحصول على خط الهاتف دون رقابة. وأشار عبد الحافظ الى أن التشديد المطلوب ليس حماية من الأعمال الإرهابية فقط، إنما أيضا من الجرائم الأخرى المتعلقة بالخطف والقتل والتهديد والابتزاز، وجميعها يستخدم فيه الهاتف المحمول، مشيرًا إلى أن هناك العديد من القضايا التى تمكنت فيها قوات الأمن من ضبط المجرمين من خلال تتبع بياناتهم عن طريق الخطوط التى يستخدمونها الأمر الذى يتطلب اهتمام الأجهزة المعنية وعلى رأسها جهاز تنظيم الاتصالات بهذا الشأن. خارج السيطرة أما د. عمرو بدوى الرئيس السابق لجهاز تنظيم الاتصالات فقد أكد أن هناك معايير معروفة لدى شركات المحمول الثلاث لبيع وتفعيل الخطوط تتضمن ضرورة الحصول على بيانات العميل قبل تشغيل الخط، وهو معيار مفروض منذ اللحظات الأولى لعمل تلك الشركات إلا أن التشديد على هذا الأمر لم يكن بالقدر الكافى، وكان يحدث بعض التسهيلات من جانب الشركات فى ظل السباق المحموم فيما بينها للحصول على أكبر عدد ممكن من المشتركين، ولم يكن ذلك محل قلق، حيث كانت الأمور الأمنية فى مصر مستقرة تماما، ورغم ذلك كان يتم إنذار الشركات من جانب جهاز تنظيم الاتصالات لمراجعة العميل والحصول على بياناته. وأضاف: لكن الأمر تغير الآن وباتت مصر محلا للعديد من العمليات الإرهابية التى تستهدف النيل من استقرارها، وأمنها الأمر الذى يدعو للتشديد على الحصول على بيانات صحيحة لكل مستخدم من مستخدمى خطوط التليفون المحمول، إلا أن د. عمرو بدوى أكد أنه لا يمكن إحكام السيطرة على مثل تلك العمليات، لأنه مع التطور التكنولوجى، فهناك إمكانية لإجراء العمليات التفجيرية من خارج مصر، من خلال برامج لاسلكية، فيتم وقف الشريحة وتحويل الهاتف المحمول إلى جهاز إرسال واستقبال لاسلكى، مضيفًا: كما يمكن استخدام تقنية الرومينج «شبكة الاتصال الدولى فى إجراء العمليات التفجيرية، دون الحصول على خط تليفون من مصر وهو الأمر المتاح لكل من لديه خط من أية دولة أخرى مفعل بها تلك الخدمة كالسائحين الذين يدخلون مصر بالملايين سنويا فكيف يمكن السيطرة على خطوطهم. وأوضح بدوى، أن هواتف الثريا تعد واحدة من أخطر الأجهزة التى يمكن استخدامها فى عمليات التفجير عن بعد، موضحا أن ذلك النوع من الهواتف، يتعامل من خلال القمر الصناعى مباشرة، الأمر الذى يصعب معه معرفة هوية مستخدمه وتتبعه، مشيرًا إلى أن مصر تمر بمرحلة خطيرة تتطلب تضافر كافة الجهود للقضاء على ظاهرة الإرهاب التى أطلت برأسها مؤخرا لتهدد أرواح الأبرياء واستقرار الدولة داعيا إلى أهمية زيادة وعى المواطن بأهمية استخدام التكنولوجيا، ولكن مع التحذير من مغبة الاستخدام الخاطئ لها. تنظيم الاتصالات أما المهندس هشام العلايلى رئيس الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات، فقد أكد أنه لا توجد خطوط محمول بدون بيانات فى مصر، مؤكدًا أن الجهاز أوقف 10 ملايين من الخطوط مجهولة البيانات عن العمل خلال الفترة الماضية، إلا أنه أشار إلى أن الأزمة التى تواجه الجهاز حاليا هى أن البيانات المسجلة لبعض الخطوط غير صحيحة أو غير مكتملة، كما أن بعض الخطوط تكون مفعلة ببيانات قديمة، ويتم بيعها لمستخدمين آخرين. وأشار العلايلى إلى أن الجهاز مستمر فى إجراءاته الخاصة باستكمال بيانات عملاء شركات المحمول موضحًا أنه تم تحديث نحو 60 مليون خط، مشيرًا إلى أن الجهاز يقوم بالتفتيش الدورى على شركات المحمول بشأن بيانات العملاء. وأشار العلايلى إلى أن المهندس خالد نجم وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات اجتمع قبل أسابيع قليلة مع مجلس إدارة الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات وأقر لائحة جزاءات جديدة تعطى الجهاز الحق الكامل وتفعيل دوره فى التعامل مع جميع مخالفات شركات الاتصالات العاملة بالسوق مشيرًا إلى أن الوزير أكد أهمية التركيز فى الوقت الحالى على تدقيق قواعد بيانات العملاء لدى شركات المحمول لما يحمله هذا الموضوع من أهمية كبيرة للأمن القومى المصرى. وأشار العلايلى إلى أن لائحة الجزاءات الجديدة التى أعدها الجهاز وأقرها مجلس الإدارة تعد أداة قوية لمحاسبة المخالفين وتعطى الجهاز آليات فى تفعيل دوره لتنظيم قطاع الاتصالات بكفاءة وإحكام الرقابة عليه. موزع خطوط وقد تمكنت الأجهزة الأمنية، فى مصر مؤخرا من ضبط العديد من القضايا التى تورط فيها أشخاص باستخدام الهواتف المحمولة فى عملياتهم الإرهابية، إلا أن أكبرها وأشهرها خلال الأشهر الماضية وتحديدا نهاية ديسمبر كان فى محافظة البحيرة التى تمكنت الأجهزة الأمنية فيها من ضبط القائمين على تفجير عددٍ من العبوات الناسفة على أشرطة السكك الحديدية وبعض محطات الكهرباء باستخدام الهواتف المحمولة، وتبين أنه الموزع المعتمد لإحدى شركات الهواتف المحمولة وقيامه بتسجيل تلك الخطوط من خلال استخدام نسخ ضوئية لبطاقات رقم قومى دون علم أصحابها واحتفاظه بنسخ العقود الخاصة بها وقيامه ببيع تلك الخطوط لأشخاص من بينهم الجناة. واعترف المتهم بقيامه بتسجيل الخطوط الخاصة بشركة الهاتف المحمول عن طريق صور بطاقات الرقم القومى المضبوطة بحوزته بدون علم مالكيها والتى أحضرها له تاجر بقالة تموينية، مستغلا جمع بطاقات الرقم القومى لصرف المستحقات التموينية نظير تقاضيه مبالغ مالية.