لم تقتصر موهبة الشاعر الكبير الراحل عبدالرحمن الأبنودى على كتابة الشعر والأغانى فقط بل تخطتها إلى السينما أيضا ..وقدم الأبنودى فى مسيرته عدداً من الإسهامات السينمائية، بعيدا عن كتابة الأغانى، حيث كتب السيناريو والحوار لفيلمين سينمائيين كما كتب مسلسلا تليفزيونيا. صوت البوسطجى والبداية كانت مع المخرج حسين كمال فى فيلمه الثانى البوسطجى عام 1968، والذى كتبه للسينما صبرى موسى عن قصة للأديب يحيى حقى، كان وقتها الأبنودى شاعرا شهيرا ، فقرر حسين كمال أن يستخدم أشعار الأبنودى وصوته فى فيلمه ولكن سقط اسمه من تيترات الفيلم. ويحكى الفيلم عن عباس البوسطجى (شكرى سرحان) الذى ينقل حديثا من القاهرة الى قرية كوم النحل باسيوط ليعمل ناظرا لمكتب البريد. وهناك يعانى من جهل أهالى القرية وتزمتهم ومعاملتهم له بجفاء. ويشعر عباس بالحرمان العاطفى فيتفق مع غازية القرية (سهير المرشدى) لزيارته ولكن أهل القرية الذين يتربصون به ومنهم خادمه بالمكتب (حسن مصطفى) يهاجمون المنزل ويطردون الغازية ويضربونها ويفضحون عباس. وبسبب الملل الذى يعيش فيه يقرر الانتقام من أهل القرية بأن يتجسس على رسائلهم ويعرف اسرارهم. وتلفت نظره رسالة من فتاة تدعى جميلة (زيزى مصطفى) الى حبيبها خليل (سيف عبد الرحمن) ويقرر متابعة قصتهم التى يعرف منها أن الفتاة حامل منه وانها تستنجد به ليأتى ليتزوجها. وبالفعل يتقدم خليل لوالدها (صلاح منصور) ليتزوج منها ولكنه يرفض لأن الشاب رأى الفتاة وتعرف عليها عندما كانت تدرس بالمدرسة وهذا يتنافى مع التقاليد رغم أنه اغتصب خادمته وتسبب فى قتلها. وتعترف الفتاة لامها (ناهد سمير)بانها حامل وتطلب مساعدتها وتذهب الى الداية (إحسان شريف) لتجهضها ولكنها تكون قد سافرت ولا تجدها. وتصل رسالة لها من خليل لانقاذها ولكن عباس يكون قد تسبب فى تلفها فلم يسلمها لها. يعرف الأب أن ابنته حامل ويقرر قتلها ولكنها تهرب من البيت وتجرى على غير هدى يطاردها الأب ويمسك بها ويقتلها ويحملها على يديه سائرا فى أنحاء القرية وسط صريخ والدتها وذهول أهل القرية. يعرف عباس انها الفتاة التى كان يبحث عنها لتسليمها خطابا جديدا من خليل ولم يحضر أحد لاستلامه ويدرك انه كان السبب فى قتلها لعدم تسلميها الخطاب فينهار ويمزق كل الرسائل التى كانت معه ويسير حزينا ويشعر انه القاتل الحقيقى المجهول. لم يكن الأبنودى فى البوسطجى مؤلفا أو شاعراً، بل أدى بصوته أحد الخطابات التى فتحها البوسطجى «عباس» شكرى سرحان، أثناء انتقامه البطىء من أهل القرية، واختار كمال الخطاب الثالث من «جوابات الأسطى حراجى القط» والتى تعد واحدة من أشهر أعمال الأبنودى الشعرية، ليضمنها فى فيلمه فى إشارة إلى أن القرية أوسع من إدراك عباس وليس جميع أهلها كما يظن. عتريس وفؤادة أما اللقاء الحقيقى بين حسين كمال والأبنودى، فقد كان من خلال فيلمه المهم «شىء من الخوف» عام 1969، حيث شارك الأبنودى فى كتابة الحوار مع المؤلف صبرى عزت الذى كتب المعالجة السينمائية والسيناريو لقصة الأديب الكبير ثروت أباظة، ليقدم الأبنودى واحداً من أهم علامات السينما المصرية وأحد أجرأ الأفلام التى تناولت الأوضاع السياسية فى مصر خلال العهد الناصرى. والفيلم الذى منع من العرض على الرغم أنه من إنتاج المؤسسة المصرية العامة للسينما، أى أنه إنتاج القطاع العام لجرأته ولاعتقاد الرقابة أن صناعه يشبهون عبدالناصر ورجاله بعتريس وعصابته، بعدها توجه حسين كمال بشكوى مباشرة للرئيس جمال عبدالناصر ، والذى طالب أن يشاهد الفيلم بنفسه وشاهده عبدالناصر أكثر من مرة حتى أمر بعرض الفيلم قائلا: «أنا لو كنت زى عتريس وبعمل زيه يبقى من حق الناس يقتلونى». واشتهر الفيلم بالعبارة التى صاغها الأبنودى، ورددها أبطال الفيلم واهل القرية المقهورة «جواز عتريس من فؤادة باطل»، ويقول النقاد إنها كانت اللقطة الأشهر فى تاريخ السينما المصرية، عندما أخذت حشود أبناء قرية الدهاشنة بقيادة الشيخ إبراهيم تتجمع حول بيت زعيم القرية «عتريس»، الطاغية المتجبر، الذى حكم قريته بالحديد والنار والظلم والقهر من خلال عصابة لئيمة فاسدة، وأخذت الجموع تهتف «جواز عتريس من فؤادة باطل». وذلك أن عتريس طلب الزواج من الفتاة فؤادة فرفضته، ثم أكرهت على الزواج بشهادة زور من شخصين قالا إنها موافقة، وبموافقة والدها الخائف الضعيف. لكن الفتاة كانت صلبة الإرادة فمنعته من نفسها، وساعدت الفلاحين على سقى مزروعاتهم بعكس إرادته. وتدخل الشيخ إبراهيم ليقف إلى جانب الفتاة، فقام عتريس بقتل ابنه وبحرق مزروعاته، وبقمع كل من يعترضه، لكن الشيخ إبراهيم ازداد إصرارا وكسر حاجز الخوف، وقاد أبناء القرية لحصار بيت عتريس، لينتهى الفيلم بإنقاذ فؤادة واحتراق البيت واحتراق عتريس فيه. الطوق والإسورة وابتعد الأبنودى عن السينما لمدة تزيد على 17 عاما ، قبل أن يعود مرة أخرى إلى السينما كمؤلف، ويقدم هذه المرة واحدة من أهم روايات صديقه الأديب الكبير الراحل يحيى الطاهر عبدالله ، حيث كتب الأبنودى سيناريو وحوار فيلم «الطوق والإسورة» عام 1986، من إخراج خيرى بشارة. والفيلم الذى تناول رواية الطاهر عبدالله، بكل أمانة وحرفية عالية على الرغم من تعاقب جيلين فى الرواية، إلا أن الأبنودى لم يسقطهما بل أبزرهما وقدمهما بشكل جيد، جاء حواره كأبدع ما يكون ليؤكد أن الشاعر إذا امتلك ناصية فن كتابة الحوار السينمائى فإنه يقدمه على أعلى مستوى. وتدور أحداث الفيلم عام 1933 فى قرية الكرنك بالأقصر، حيث تعيش «حزينة» مع زوجها بخيت البشارى المشلول والمصاب بالسل، وابنتهما فهيمة، التى تأمل أن يعود ابنها مصطفى الغائب والذى نزح إلى السودان بحثًا عن لقمة العيش، ويتزوج الحداد الجبالى من فهيمة بعد وفاة أبيها، ولأنه عاجز جنسيًا فإنها تتأخر فى الإنجاب فتلجأ أمها إلى المعبد ليباركها الشيخ هارون ويختلط الإيمان بالفساد، ويأتى الحل على يد حارس المعبد نفسه، وتنجب المولودة فرحانة التى لا يعترف بها الأب لعلمه بعجزه جنسيًا، تمرض فهيمة وتموت لعلاجها بشكل بدائى، تمر السنون وتسعى فرحانة الحفيدة مع جدتها حزينة لكسب قوتها. تحمل فرحانة سفاحا، ويعود خالها مصطفى بعد سفره الطويل ويحاول تغيير مفاهيم أهل القرية دون جدوى، تموت فرحانة قتيلة على يد ابن عمتها. أنشودة البرىء ولم يتوقف إبداع الأبنودى عند كتابة السيناريوهات ، فقد شارك بأغانيه فى عدد كبير من الأفلام «من بينها البرىء، ليلة بكى فيها القمر، شىء من الخوف»، كما قدم الأغانى لعدد كبير من المسلسلات الدرامية منها «الرحيل، الكهف والوهم والحب، وذئاب الجبل، خالتى صفية والدير، على الزيبق، الفلاح، الدم والنار، شيخ العرب همام». كما قدم الأبنودى للدراما التليفزيونية مسلسلا واحدا كتب له الحوار وهو مسلسل «وادى الملوك» عام 2011 والمأخوذ عن رواية الأديب الكبير محمد المنسى قنديل وسيناريو محمد الحفناوى وإخراج حسنى صالح.