لم يترك لك المخ ولا العضلات.. فمازال يسرق العقول الواعدة والنابغة كما قلنا آنفا.. وتظل الدول النامية والشرق الأوسط فى فراغ علمى وثقافى وتخلف.. وعلى التوازى تستأصل ثرواتها وتحتكرها لتعانى قسوة الفقر والبطالة والمرض.. ومن أجل ذلك لابد أن تقحم شعوبها وحكوماتها فى أتون الصراعات فيما بينها تارة وبين جيرانها تارة أخرى.. ففى عام 1885 انعقد مؤتمر فى برلين تحت قيادة بسمارك المستشار الألمانى فى ذلك الوقت ضم دول أوروبا لبحث تقسيم القارة السمراء وتوزيع خيراتها وثرواتها عليهم لتدعيم النهضة الصناعية الأوروبية التى بدأت فى النمو وذلك من خلال الاحتلال العسكرى. وبعد الحرب العالمية الأولى تغير المسمى الاستعمارى إلى الانتداب البريطانى تحت إشراف عصبة الأممالمتحدة.. وفى مطلع القرن العشرين بدأت حركات الاستقلال لكافة الدول الأفريقية من الاحتلال الفرنسى والبلجيكى والإيطالى والإنجليزى وما لبثت أن عادت القوى الاستعمارية بثوب جديد اسمه الوصاية الدولية.. ولكن بمشاركة لاعبين جدد على رأسهم الولاياتالمتحدةالأمريكية ثم الصين.. وهذه الأخيرة حذر منها نابليون بونابرت منذ قرنين بقوله: «ويل للغرب إذا صحا التنين الأصفر».. فقد قفز حجم التبادل التجارى بين الصين وأفريقيا من عشرة مليارات دولار عام 2000 إلى 166.3 مليار دولار عام 2011، وحصلت بكين على 24% من احتياجاتها البترولية من أفريقيا.. أما أسلوبها فى العلاقات فيختلف عن شكل الابتزاز والاحتكار الغربى والأمريكى.. ويقوم على المنفعة المشتركة واحترام السيادة والثقة المتبادلة وعدم فرض الشروط أو الامتيازات.. وتقدم المساعدات والمنح والقروض الميسرة، وإنشاء المشروعات الخدمية.. وهذا سر توغلها وتفوقها على الغرب. فهل يعنى ذلك أن الدول الاستعمارية القديمة والحالية تترك الملعب لكل من هب ودب فى استغلال مناجم ثروات القارة السمراء.. وعلى الفور تم التحرك السريع لزيادة تأجيج الصراعات القبلية والطائفية ونشر الفساد داخل النظم الحاكمة.. ثم قامت بإرسال وحداتها العسكرية فى جيبوتى ومالى وأفريقيا الوسطىوالكونغو بدعوى إحلال السلام والحرب على الإرهاب والحفاظ على الأمن القومى الأمريكى والغربى.. فعلى سبيل المثال تدخلت فرنسا عسكريًا فى جمهورية أفريقيا الوسطى بنفس الدعوى السابقة، وسرعان ما انحازت القوات الفرنسية لصالح طرف ضد الآخر ودعّمته بالسلاح وأشعلت الصراع.. وفى كل دولة أفريقية تتوغل هذه الدول وتنشر الفوضى الخلاقة كما أطلقوا عليها سابقا.. وبعد ذلك تترك شركاتها متعددة الجنسيات تتغلغل فى احتكار ثرواتها لتظل دولا مستهلكة فقيرة لا تستطيع أن تنمو أو تصنع منتجاتها.. كما أوضحنا فى مقال سابق عن سياساتها الاستعمارية الاحتكارية. هناك عدة عوامل تجعل أفريقيا دائمًا تحت نيران الغرب وأمريكا أولها امتلاكها للنفط بكميات كبيرة ولاحتياطها الضخم ثم لوفرة أراضيها بالمعادن المهمة والثمينة.. ثانيًا لإطلال القارة على المعابر والموانئ الاستراتيجية فى المحيط الهندى والأطلسى والبحر الأحمر والبحر المتوسط.. ثالثًا تشكل سوقًا تجاريًا رائجًا للمنتجات الغربية.. رابعًا خطورة تنامى دور الصين فى أفريقيا. ومن المشاهد الأخرى للبزنس القاتل تحت مسمى الشرعية الدولية.. سيطرة أمريكا على الشريط الساحلى بين أنجولا ونيجيريا لوجود النفط بوفرة، ولهذا نفسر تصاعد الأعمال الطائفية والمجازر فى نيجيريا.. كما تنبأ «بول مارشال» فى واشنطن بوست عام 2002 إن نيجيريا الهدف القادم لتصبح المصدر الرئيسى للنفط وبديلا عن الشرق الأوسط.. وفرنسا وبلجيكا تنهب الذهب والنحاس والكوبالت والألماس من الكونغو وتغض الطرف عن الفساد والصراعات.. وكذلك تبسط فرنسا هيمنتها على مناجم اليورانيوم فى النيجر.. Nn والغريب تخرج كل فترة تقارير الأممالمتحدة تتغنى بمجاعات ومجازر والوضع الإنسانى فى كثير من دول القارة السمراء.. والإنسان الأمريكى والغربى ينعم بالرفاهية والاستقرار وتتضخم رؤوس أموالهم مع رجال الأعمال وفى البنوك.