اجتازت عائلتنا البشرية خلال القرن الماضى ثلاث مآسٍ جماعية وغير مسبوقة، الأولى - اعتبرت بشكل كبير كأول إبادة فى القرن العشرين - ضربت شعبكم الأرمنى.. بهذه الكلمات فاجأ بابا الفاتيكان فرنسيس الأول تركيا، بل والعالم أجمع، خلال قداس احتفالى بحضور السياسيين الأرمن وقادة الكنيسة الأرثوذكسية فى روما الأسبوع الماضى، مستخدما لفظة «إبادة» فى سابقة تاريخية لم تحدث من قبل، لوصف مجازر الأرمن قبل 100 عام فى ظل السلطة العثمانية. وعلى الرغم من معرفة البابا بأن تصريحه هذا سيؤدى إلى إثارة اضطرابات كبيرة فى العلاقات الدبلوماسية بين الفاتيكانوتركيا، إلا أنه أصر على استخدام كلمة إبادة التى ترفضها أنقرة بشدة. وكان البابا الراحل يوحنا بولس الثانى وقع عام 2000 بيانًا مشتركًا مع البطريرك الأرمنى يدين الإبادة الأرمينية، لكن لم يسبق أن استخدم أى حبر كلمة «إبادة» فى الحديث عن مجازر الأرمن فى إطار قداس رسمى فى كاتدرائية القديس بطرس. ويقدر عدد الأرمن الذين قتلوا بين عامى 1915 و1917 قبل سقوط السلطنة العثمانية بمليون ونصف المليون شخص، غير أن تركيا تؤكد أنها كانت حرب أهلية قتل فيها بين 300 و500 ألف أرمنى، ومثلهم من الأتراك. وسوف تحيى أرمينيا الذكرى المئوية للإبادة فى 24 أبريل الحالى، اليوم الذى جرى فيه عام 1915 اعتقال مئات الأرمن، قبل ذبحهم لاحقًا فى اسطنبول، وشكل بداية المجازر، وترفض تركيا حتى الآن الاعتراف بأن هذه المجازر كانت عملية تصفية ممنهجة نفذتها السلطة العثمانية. وبحسب المتوقع، جاء الرد التركى عنيفا، فقال رئيس الوزراء التركى أحمد داود أوغلو، إن تصريحات البابا فرنسيس حول الإبادة الجماعية للأرمن متحيزة وغير لائقة، مضيفًا أن قراءة هذه الأحداث المؤلمة بطريقة متحيزة لا يتناسب وشخص البابا والسلطة التى يمثلها، وفى نفس السياق قال وزير الخارجية مولود جاوش أوغلو: «لا يمكن قبول تصريح البابا الذى لا يمت للوقائع القانونية والتاريخية بصلة»، مضيفا «السلطات الدينية لا يجب أن تكون جهة للتحريض على الحقد والكراهية من خلال مزاعم لا أساس لها». ولم تكتف تركيا بالتصريحات فقط، بل استدعت سفير الفاتيكانبأنقرة للاحتجاج على وصف الأحداث بالإبادة الجماعية. من جانبها، لم تكن الصحف التركية أقل غضبا تجاه تصريحات البابا، حيث عبرت عن استيائها من استخدامه كلمة إبادة، وكتبت صحيفة «جمهوريت» أن البابا أول زائر للقصر استخدم كلمة إبادة، فى إشارة إلى أن البابا كان أول زائر لقصر أردوغان الجديد العام الماضى، أما صحيفة «انترنت أجانس» فعلقت على تصريح البابا قائلة إنه يعتبر إهانة كبيرة للأمة التركية، فقد أوجع هذا التصريح النفوس، وأن تركيا لن تقبل بهذا الوصف، وسوف يكون هناك رد شديد اللهجة. وحظيت القضية بتحليل واسع فى العديد من الصحف العالمية، حيث ذكرت صحيفة «التليجراف» البريطانية فى تقرير لها أنه كانت هناك تكهنات كثيرة حول ما إذا كان البابا سيستخدم مصطلحًا مثيرًا للجدل أثناء خطابه، والذى أتى قبل أسبوعين من إحياء أرمينيا للذكرى السنوية لعمليات القتل فى 24 أبريل، وبذلك يخاطر بتنفير حليف محتمل فى جهود الكنيسة الكاثوليكية لوقف الإسلاميين الراديكاليين عن اضطهاد المسيحيين فى الشرق الأوسط. ومع ذلك، أدلى البابا بنواياه الواضحة بعد دقائق فقط من بدء خطبته، واصفًا المذابح بأنها «أول إبادة جماعية فى القرن ال 20». وأضافت الصحيفة، أنه سيُنظر إلى تصريحاته بأنها تجاهل واضح للاحتجاجات الدبلوماسية السابقة من أنقرة بعد أن تحدث عن إبادة الأرمن فى خطاب غير رسمى قبل عامين، وفى تلك المناسبة اضطر المتحدث باسم الفاتيكان أن يُنكر هذا الكلام فى تصريح رسمى.