طالب بطريرك الروم الأرثوذكس بالإسكندرية وعموم أفريقيا ثيودوروس الثانى بضرورة التفرقة بين الإسلام والأصولية الإسلامية، حيث إن الإسلام كعقيدة وممارسة دينية له كل الاحترام، أما الأصولية فتقوض التسامح، وقال فى خلال حديثه ل «أكتوبر» إن الغالبية العظمى من المسلمين تمقت التعصب والعنف. وشدد البطريرك على أن حادث مقتل 21 مصريا فى ليبيا ،أبشع تعبير مأساوى وغير إنسانى لعدم التسامح المتزايد ضد الآخرين، مؤكدا إعلانه وكنيسة الروم الأرثوذكس إدانة هذه الجريمة البشعة. وعن علاقة كنيسة الروم الأرثوذكس بمصر وسط التحديات التى تشهدها المنطقة، أكد البطريرك أن مصر هى مقر كنيسة الروم الأرثوذكس فى أفريقيا لأكثر من ألفى عام والعلاقات بين البطريركية مع جميع أطياف المجتمع المصرى ممتازة، وكشف تفاصيل الاحتفالية الكبرى المزمع إقامتها بمناسبة افتتاح كنيسة دير «مارجرجس» .. وإلى نص الحوار..? ما تفاصيل احتفالية افتتاح كنيسة دير «مارجرجس» بمصر القديمة ؟ وما هى الترميمات التى أجريت بالكنيسة؟ ?? يسرنى أن أعلن أننا فى المرحلة النهائية من أعمال ترميم دير «مار جرجس» التاريخى بمصر القديمة، وهو من المبانى الأثرية الفريدة من نوعها فى الشرق الأوسط، وقد تم إنجاز هذا المشروع بدعم مالى كبير من رجل الأعمال اليونانى السيد «مارتينوس» والذى تكفل بمعظم ميزانية تجديد هذا الجزء المقدس من أرض مصر، فهو أحد الأماكن التى زارتها العائلة المقدسة أثناء لجوئها إلى مصر وكان أيضا المكان الذى سُجن فيه القديس العظيم الشهيد مار جرجس. وقد تأسس الدير فى القرون الأولى للمسيحية، فوق جزء من قلعة بابليون الرومانية البيزنطية القديمة، وظل على مر القرون حصناً لكنيسة الروم الأرثوذكس فى بلد النيل، بل إنه فى كثير من الأحيان تولى تقديم خدمات قيمة للمجتمع المصري، كمستشفى ودار للمسنين وفندق ودار للعجزة ومدرسة ومقبرة ومأوى للمسيحيين فى أوقات الشدة، لذلك فإن قصة الدير تلخص تقريبا تاريخ الحياة الرهبانية والمساهمة الاجتماعية لبطريركية الإسكندرية للروم الأرثوذكس فى مصر. أما بالنسبة للمجتمع اليونانى والقبطى فى مصر، فإن دير مار جرجس لا يمثل مجرد أثر تاريخى، بل هو من أهم المعالم الدينية المسيحية فى أفريقيا، يأتى إليه الآلاف من المسيحيين والزائرين، يتشفعون لتحقيق أحلامهم وآمالهم فى حياة أفضل، كما أن القديس «مارجرجس» مشهور بالمعجزات، ولهذا يأتى الآلاف من المؤمنين للدير من جميع أنحاء البلاد، للاحتفال بذكراه يوم 23 إبريل من كل عام. وقد استقبلت بمزيد من السرور التخطيط لإقامة احتفالية كبرى بمناسبة الانتهاء من أعمال الترميم والتطوير، فى 24 أبريل الجارى، يحضرها قادة الكنائس الأرثوذكسية وقادة الدول والحكومات، ومن المنتظر حضور رئيس اليونان «بافلوبولوس» ورئيس الوزراء إبراهيم محلب, وبفضل الجهود الدءوبة لعلماء الآثار والمهندسين والمعماريين وخبراء الترميم، عاد البرج الرومانى ودار العبادة إلى سابق رونقهما، وتم تدعيم السراديب الموجودة تحت الأرض، وإظهار مقياس النيل القديم، وصيانة الأيقونات الرائعة الموجودة به، مما جعل الدير والمنطقة المحيطة به واحة للاستجمام النفسى والروحى فى قلب العاصمة المصرية المزدحمة. مستشفى خيرى ? التقيت الرئيس عبد الفتاح السيسى عدة مرات، ما رأيك فى التعامل مع التحديات التى تشهدها مصر والمنطقة؟ ?? إن مصر هى مقر كنيسة الروم الأرثوذكس فى أفريقيا، والعلاقات بين البطريركية مع جميع أطياف المجتمع المصرى ممتازة، فهى تستند على احترام التنوع الدينى، واحترام الرغبة المشتركة فى التعايش السلمى بين الناس، بغض النظر عن العرق أو الدين أو اللغة أو التراث الثقافى. من هذا المنطلق، فإن دير مار جرجس يمثل أيضاً رمزاً تاريخياً للصداقة بين مصرو اليونان، وقد وجهت الدعوة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسى وإلى رئيس الوزراء إبراهيم محلب، لحضور افتتاح دير مار جرجس، معرباً عن أملى فى أن يكون الاحتفال تحت رعاية رئاسة الجمهورية والحكومة المصرية. وقد التقيت فى وقت سابق من هذا العام برئيس الوزراء إبراهيم محلب، لأطلعه على استكمال أعمال الصيانة والتحديث فى الدير والفعاليات الثقافية العالمية المخطط لها للاحتفال بهذا الحدث الكبير، كما أتيحت لى الفرصة أن أطلب مساعدة الحكومة المصرية فى استكمال إجراءات إنشاء مستشفى خيرى فى منطقة مصر القديمة لعلاج الفئات الأضعف مادياً. ? تجمعك علاقة جيدة بالرئيس السيسى.. ما هو رأيك بالنسبة لمسار مصر الجديد ؟ ?? لقد أتيحت لى الفرصة للقاء الرئيس السيسى عدة مرات، وأرى أنه زعيم عادل وقائد مستنير، وقد عبرت له فى لقاءاتى عن تقديرى لشخصيته، كما أننى أعتبر مصر بلدى الثاني، فهى مقر البطريركية لأكثر من ألفى عام. نحن نقدر كثيرا الجهود التى يبذلها الرئيس السيسى لانتقال البلاد إلى الاستقرار الدستورى والسياسى وعودة الحياة الاجتماعية والاقتصادية إلى زخمها، لذلك نؤيد بقوة جميع المبادرات الرامية إلى استعادة الاستقرار ودعم التوافق فى نسيج المجتمع المصرى، حيث إنه الطريق الوحيد لحقيق الازدهار. ويسرنى الاهتمام الذى يوليه الرئيس شخصياً ومعه جميع الجهات المختصة، لتسهيل أنشطة البطريركية الرعوية والخيرية، وأؤكد على ضرورة مشاركة القيادات الدينية فى البلاد، قولاً وفعلاً فى نهضة هذا البلد، ولذلك فأنا لا أدخر جهداً فى تسليط الضوء على أهمية الحفاظ على استقرار مصر، فى ظل الأوضاع غير المستقرة حالياً فى الشرق الأوسط، ويبذل الرئيس السيسى فى هذا الاتجاه جهودا كبيرة، مصحوبة بصلواتنا من أجل الحفاظ على مصر من الفيروس الخطير المنتشر الآن وهو فيروس الإرهاب. منبع الشرور ? الرئيس السيسى طالب بتجديد الخطاب الدينى ومواجهة التطرف فى المنطقة.. ما هى رؤيتك لتحقيق هذا الهدف؟ وهل يوجد حوار بين الكنيسة والأزهر للتصدى للفكر والتطرف الدينى؟ ?? إن الشرق الأوسط بأكمله يعانى حالياً من انتشار الإرهاب، لأن من كانوا يتحكمون فى هذه المنطقة ذات القيمة الجيوسياسية والاقتصادية الضخمة، لم يهتموا بصدق بتحسين الظروف المعيشية للناس العاديين ولم يراعوا سوى مصالحهم الخاصة، فضحوا بالتناغم الاجتماعى على مذبح الطائفية، تطبيقاً للأسلوب المعروف «فرق تسد». وكان من الممكن أن يتناسى المجتمع الدولى هذه المشكلة، ويلقيها خارج ذاكرة التاريخ دون اكتراث، لولا الخطر الذى بات يهدد بانتشار تلك الأفكار والعمليات الجهادية داخل المجتمعات الغربية المتقدمة، لكن ما يجب على الجميع إدراكه هو أن القضاء على المشكلة لن يكون إلا بالضرب على منبع كل الشرور، وهو البؤس البشرى. مصر وروسيا ? كيف ترى دعم روسيا لمصر؟ وما تقييمك لزيارة الرئيس الروسى بوتين مؤخرا للقاهرة؟ ?? كان من دواعى سرورى أن ألتقى مرة أخرى الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، على هامش القمة المصرية الروسية التى انعقدت فى القاهرة فى العاشر من فبراير الماضى، حيث ناقشت معه المسائل المتعلقة بالكنيسة الأرثوذكسية ومصر وأفريقيا، بالإضافة للنشاط الخيرى لبطريركية الروم الأرثوذكس بالإسكندرية، كما أشرت كذلك إلى أزمة اليونان. وأتيحت لى أيضاً الفرصة لأشكره شخصياً، لما قدمته بلاده إلى الكنيسة الأرثوذكسية فى أفريقيا، وأن أهنئه على اختياره السياسى السديد، المتمثل فى دعم وتعزيز العلاقات بين روسيا ومصر، ومساندته للجهود الوطنية المبذولة لتصحيح المسار فى مصر وسط التحديات الراهنة، فيكفى النظر إلى الوضع فى سوريا وليبيا للتأكد من أهمية السلام السياسى والاجتماعى. وقد أيقنت أن الرئيس الروسى يشاركنى الاعتقاد بضرورة وجود منظومة مشتركة من القيم، من أجل تحقيق التعايش السلمى فى كل مكان يعيش فيه مواطنون من مختلف الأديان. إن روسيا بلد متعدد الديانات، الغالبية فيها من المسيحيين ولكن يوجد بها أيضا عدد كبير من المسلمين، ولذلك فالرئيس بوتين لديه خبرة طويلة فى تكريس العلاقات السلمية بين الناس من مختلف الأديان، والعلاقات السلمية لا يمكن أن تتواجد فى ظل عدم احترام عقائد الآخرين باسم حرية التعبير، أو عندما يسود منطق السلاح على منطق الحوار والقلم. الفكر المحرض ? ما وجهة نظركم لرد الفعل المصرى بشن غارات جوية ضد تنظيم داعش الإرهابى بعد حادث ذبح 21 مصريا؟ ?? ينبغى أن نفرق بين الإسلام والأصولية الإسلامية، فالإسلام كعقيدة و ممارسة دينية له كل الاحترام، أما الأصولية الإسلامية كمفهوم يكرس للتعصب الدينى، بممارساته التى تقوض التسامح والحق فى الاختلاف فهى مدانة تماما. ويمثل قتل 21 مصرياً من إخوتنا فى الوطن أبشع تعبير مأساوى وغير إنسانى لعدم التسامح المتزايد ضد الآخرين، وقد أعلنا إدانتنا لهذه الجريمة، كونها تعبيرا يائسا للفكر المحرض على العنف، وعبرنا عن تعازينا لقيادات الكنيسة القبطية، ونصلى أن يُسكن الرب الرحيم أرواح الذين استشهدوا فى سبيل إيمانهم فى النعيم الأبدى. خيبة أمل ? كيف يمكن توفير الأمن للأقليات المسيحية فى الشرق الأوسط فى ضوء تصاعد حدة العنف والقتل المستهدف من المنظمات الإرهابية الأخرى فى المنطقة؟ ?? إن الغالبية العظمى من المسلمين تمقت التعصب والعنف باسم الإسلام، ولكنهم يمقتون أيضاً السياسات التى يتخذها صناع القرار الكبار فى العالم، ليس فى غيبتهم فقط، بل على حسابهم فى كثير من الأحيان. وإلى يومنا هذا، لم تمح مجتمعات أفريقيا والشرق الأوسط من ذاكرتها التاريخية تلك التجارب المؤلمة التى عاشتها جراء الاستعمار، وأنا أحس بخيبة الأمل لرؤية الاستعمار القديم يعود مرة أخرى وقد تحور من الاحتلال العسكرى إلى الاحتلال الاقتصادى، لذلك فيجب ألا نسمح للتعصب الدينى أن يستغل الشعور بالظلم المتولد من اللاأخلاقية السياسية والاقتصادية.