اشتعلت أزمة بين السلطة القضائية والنيابة العامة، ووزارة المالية بعد إصرار الأخيرة على إخضاع جميع العاملين بالدولة لقانون 63 لسنة 2014 الذى حدد آلية لتطبيق الحدين الأقصى والأدنى للأجور، بينما أصدرت الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة فتوى باستثناء الجهات القضائية والنيابة من الحد الأقصى للأجور.كان القانون قد حدد للعاملين بأجهزة الدولة وهم العاملون فى الحكومة ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة والقومية الخدمية والاقتصادية وغيرهم من الأشخاص الاعتبارية العامة والعاملين بقوانين وكادرات خاصة الحد الأقصى للأجر بألا يتعدى 35 ضعفًا من الحد الأدنى وهو 1200 جنيه، ويأتى إقرار هذا القانون عملا بنص الدستور والمادة 27 منه التى جاء فى فقرتها الأخيرة أنه «يلتزم النظام الاقتصادى اجتماعيًا بتكافؤ الفرص والتوزيع العادل لعوائد التنمية وتقليل الفوارق بين الدخول والالتزام بحد أدنى للأجور والمعاشات يضمن الحياة الكريمة وبحد أقصى فى أجهزة الدولة لكل من يعمل بأجر وفقًا للقانون». ولا يسرى الحد الأقصى على العاملين بهيئات التمثيل الدبلوماسى والقنصلى والتجارى وغيرهم ممن يمثلون جمهورية مصر العربية أثناء مدة عملهم فى الخارج. ورغم شمول القانون للهيئات العامة والخدمية والعاملين بقوانين وكادرات خاصة وعلى رأسها الهيئات القضائية إلا أن الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة انتهت إلى عدم خضوع أعضاء السلطة القضائية والنيابة العامة للقانون الخاص بالحد الأقصى لأجور العاملين بالدولة. فى البداية يقول المستشار شريف الشاذلى رئيس المكتب الفنى إن الجمعية العمومية نظرت عددا من القضايا المهمة وانتهت إلى عدم جواز خضوع القضاة والنيابة العامة للقانون رقم 63 لسنة 2014 بشأن الحد الأقصى للأجور. وكانت قد صدرت هذه الفتوى فى ضوء طلب تقدم به رئيس محكمة استئناف المنصورة إلى رئيس مجلس الدولة يستفسر عن مدى جواز خضوع بدل الدواء والعلاج المخصص للقضاة لمظلة الحد الأقصى المقدر بمبلغ 42 ألف جنيه شهرياً، وبالتبعية عن مدى جواز خضوع رواتب القضاة بكامل مفرداتها لهذا الحد. وكانت هيئة التشريع والفتوى بمجلس الدولة قد فصلت سابقا فى عدد من الإخطارات التى تقدمت بها بعض أجهزة الدولة المتضررة من القانون وجاءت بعض الأحكام لصالح جهات معينة على مراحل. وبالتالى أصبحت هناك عدة فئات غير خاضعة للحد الأقصى للأجور وهم: أعضاء السلطة القضائية، استنادا إلى ما أصدرته الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، وقالت فى حيثيات فتواها بعدم خضوع القضاة لقانون الحد الأقصى للأجور إن أعضاء السلطة القضائية ليسوا تابعين للجهاز الإدارى للدولة وبالتالى فهم ليسوا موظفين عموميين ولا يخضعون لقانون العاملين المدنيين بالدولة، مؤكدة أن القضاة وأعضاء النيابة العامة لهم كادر مالى خاص بهم، على الرغم من ذكر القانون للعاملين بقوانين وكادرات خاصة . والعاملون ببنكى «التعمير والإسكان» و«البنك المصرى لتنمية الصادرات»، بعد حصولهم على حكم بإلغاء قرار رئيس مجلس الوزراء الصادر بتطبيق قانون الحد الأقصى للأجور على العاملين والموظفين بالبنك المصرى لتنمية الصادرات وبنك الإسكان والتعمير من الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإدارى برئاسة المستشار يحيى دكرورى نائب رئيس مجلس الدولة . وقالت الدعوى إن قرار رئيس مجلس الوزراء وضع بنكى تنمية الصادرات والإسكان والتعمير فى مركز قانونى مغاير لعدد من البنوك غير الخاضعة لتطبيق الحد الأقصى للأجور رغم أنهما مشابهان لها من حيث نظام الملكية وطريقة العمل واللوائح المنظمة. العاملون فى وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات حيث إن الشركة المصرية للاتصالات شركة مساهمة ومن أشخاص القانون الخاص. فضلا عن استثناء الدبلوماسيين فى القانون نفسه. وأضاف المستشار نور الدين على نائب رئيس هيئة قضايا الدولة وممثل الهيئة فى لجنة الخمسين لكتابة الدستور أن القضاة يخضون من الناحية العملية للحد الأقصى والأدنى للأجور، مشيرا إلى أن نسبة 99 % من القضاة وأعضاء النيابة العامة يتقاضون أقل من 20 ألف جنيه، وأن نسبة ال 1 % الذين يتخطى مرتبهم الحد الأقصى للأجور هم مستشارو المحكمة الدستورية العليا، وذلك نظرا لطبيعة عملهم وقلة عددهم فهم 11 عضوا فقط و25 فى المفوضين، كما أكد أن ميزانية المحكمة الدستورية العليا تأتى من خلال منحة من إحدى الدول تشجيعا للحياة الدستورية فى مصر. موضحا أن فتوى قسم التشريع بمجلس الدولة لا تنطبق على الواقع، فالقضاة لا يتقاضون فى أى حال من الأحوال أكثر من الحد الأقصى للأجور. وعن الأسباب التى استندت إليها الفتوى، أكد نائب رئيس هيئة قضايا الدولة أن الدستور ترك تنظيم هذه المسألة للقانون عندما نص على عبارة «وفقا للقانون»، وبالتالى فقد تصدر فتاوى وأحكام تستثنى بعض الفئات من الحدين الأقصى والأدنى، كما حدث فى هذه الفتوى . وأكد نور الدين أن هذه الفتوى غير ملزمة سواء لوزارة المالية أو الجهاز المركزى للمحاسبات، مضيفا أن السلطة القضائية من ضمن الفئات المشمولة فى قانون الحد الأقصى والأدنى للأجور. فتوى خاطئة من جانبه وصف المحامى ومقيم دعوى عدم دستورية قوانين الانتخابات أسعد هيكل الفتوى بأنها خاطئة وغير ملزمة لسلطات الدولة، موضحًا أن جميع من يتقاضى أجرا من ميزانية الدولة هو عامل فى الدولة أيًا كانت صفته سواء كان رئيس جمهورية أو قاضيا. مضيفًا أن الاستناد إلى هذه الفتوى سيخرج العديد من الفئات من مظلة قانون الحد الأقصى والأدنى للأجور وعلى رأسهم رئيس الجمهورية والوزراء باعتبارهم يشغلون مناصب سياسية. وأشار هيكل إلى أن هناك فرقا بين الفتوى والحكم القضائى، فالفتوى هى مجرد رأى استرشادى للجهة المرسلة، مضيفًا أن الفتوى صدرت لشخص وهو رئيس محكمة المنصورة وأن البعض قام بتغييرها بشكل خاطئ. وأشار إلى أن قسم التشريع والفتوى بمجلس الدولة استند فى الفتوى إلى تفسير عبارة العاملين المدنيين بالدولة وأن القضاة لا يعتبرون من العاملين فى الدولة على اعتبار أن القضاء ليس وظيفة إنما هو ولاية. واستطرد هيكل أن هناك بعض الأجنحة فى الدولة والأشخاص والجهات تعمل لمصالحها الخاصة والبعض لا يزال يعيش فى جلباب النظام القديم وغير متفهم للتغيير الجديد فى مصر ولذلك فما بين الحين والآخر نرى مثل هذه الدعاوى الرجعية والأحكام التى لا تتفق مع مبادئ الثورة. إثارة أزمة من جهته أعرب الدكتور عبد الله المغازى أستاذ القانون الدستورى ومعاون رئيس مجلس الوزراء عن دهشته لتلك الفتوى التى صدرت عن قسم التشريع بمجلس الدولة، مؤكدًا ضرورة أن تكون هذه الفتوى محل بحث ودراسة. وأوضح المغازى أن نسبة 98% من القضاة لا يتقاضون نصف الحد الأقصى للأجور، متسائلا: إذًا فلماذا هذه الفتوى وهذا الاستثناء فى القانون. وحذر أستاذ القانون الدستورى من أن الفتوى قد تسبب أزمة وحالة حساسية شديدة ما بين فئات الشعب المصرى والقضاة، خاصة أن الشعب لطالما كان ينظر إلى القضاة كونهم حماة الوطن ولذلك قد يتسبب فى خلق أزمة نفسية ومعنوية خطيرة وأن الكثير سوف يطالب باستثنائه فى قانون الحد الأقصى والأدنى للأجور. وأضاف المغازى أن هذا الأمر سوف يفتح بابًا كبيرًا للاستثناءات، مشيرًا إلى أن مثل هذه الإخطارات التى ترسل إلى قسم التشريع بالاستفسار عن أمر أو طلب مثل الاستثناء من الحد الأقصى للأجور تكون لمصالح شخصية لبعض الأشخاص فى بعض هذه الجهات أو الفئات، مطالبًا الجميع سواء كانوا قضاة أو غيرهم مراعاة الفترة الحرجة التى تمر بها البلاد، مشيرًا إلى أن رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسى قدم نموذجًا مشرفًا فى هذا الأمر عندما تخلى عن نصف مرتبه وهو الحد الأقصى للأجور والتزم به وتبرع بنصفه للدولة وكذلك فعل رئيس مجلس الوزراء المهندس إبراهيم محلب.. فى المقابل أكد مصدر فى وزارة المالية - رفض ذكر اسمه - أن الوزارة لن تتراجع عن تطبيق الحد الأقصى للأجور حسب القانون 63 لسنة 2014.. وقال المصدر إن الفتوى الصادرة عن مجلس الدولة بشأن عدم خضوع القضاة والنيابة لتطبيق الأقصى للأجور غير ملزمة لوزارة المالية. مشيرًا إلى أن الموافقة على أى استثناءات فى القانون يؤدى إلى عدم دستوريته ومضيفًا أن القضاة يتقاضون أجورهم من ميزانية الدولة وبالتالى فينطبق عليهم قانون الحد الأقصى والأدنى للأجور على جميع أجهزة الدولة والعاملين بها وبكادر خاص.