أمام الإدارة السعودية اليوم تحديات هى بالتأكيد أكثر بكثير مما واجه جيل المؤسسين، وهى ليست تنموية فقط، لكنها أيضًا سياسية واستراتيجية، فالمنطقة تشهد توجهًا قويًا نحو الحروب الأهلية والطائفية، والعالم يدخل فى حالة من القلق، وبالنظر إلى الساحة السعودية نجد أن هناك استقرارًا داخليًا وذلك من طبيعة الحكم وعلاقته بالشعب. وقد جاءت إصلاحات الملك سلمان بن عبد العزيز معتمدة على ثوابت أخلاقية وسياسية واقتصادية، فجاءت الأوامر الملكية واضحة ومستقبلية وجريئة، صبت كلها فى اتجاه الصالح العالم ومواجهة التحديات ومصلحة المواطنين. ولاشك فى أن الأوامر الملكية التى أصدرها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز قد زرعت البهجة فى نفوس الشعب السعودى بدعم ومكافآت وإعانات بلغت 110 مليارات ريال، كما حملت بشرى العفو عن سجناء الحق العام، لجمع شمل الأسر ومنح هؤلاء السجناء فرصة لحياة جديدة. كما تضمنت الأوامر مجملها رؤية حاسمة وعملية لبناء حكومة مؤهلة لمواجهة تحديات المرحلة واستحقاقاتها، وتضع أسسًا جديدة لتحقيق المزيد من التقدم والتنمية والرخاء للمملكة وشعبها، حيث أمر بإعادة تشكيل مجلس الوزراء، ودمج وزارتى التعليم العالى والتربية والتعليم فى وزارة واحدة، وإلغاء كافة المجالس العليا. لقد جاءت القرارات لتؤكد أن المملكة تدخل مرحلة جديدة من العمل النوعى من خلال إعادة هيكلة مؤسسات الدولة.. أو من خلال رسم سياسات واضحة تركز على الجودة ورقى مستوى الأداء. كما جاءت تشكيلة مجلس الوزراء الجديدة محققة لهذه التوجهات، وذلك باختيار كفاءات عالية ومؤهلة وشابة تحقيقًا لأعلى مردود يتطلع إليه الملك سلمان، مع التذكير بأن إعادة تشكيل الحكومة أمر طبيعى ومنتظر ليحقق الملك رؤيته فى إدارة شئون الدولة. وبقدر ما للقرارات جميعها من أهمية كبرى فى إعادة هيكلة الدولة السعودية، فإن قرار تأسيس مجلس للشئون السياسية والأمنية، وآخر للشئون الاقتصادية والتنمية يمكن أن يكون حجر الأساس فى الآلية المستقبلية لعمل أجهزة الدولة بلا استثناء، وينتظر من هذين المجلسين عمل نقلة نوعية فى الأداء الحكومى بعيدًا عن البيروقراطية. ويعد القرار الأهم ضمن الأوامر الملكية هو تشكيل مجلس للشئون السياسية والأمنية. ويضم المجلس فى عضويته 9 وزراء ويرأسه الأمير محمد بن نايف ولى ولى العهد والنائب الثانى لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، ويضم وزارات الداخلية والخارجية والدفاع والحرس الوطنى والإعلام والشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد والاستخبارات. وسيتولى المجلس تقديم استشارات شاملة للملك، ورسم سياسات عامة للدولة. أما مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية فقد تشكل برئاسة الأمير محمد بن سلمان وزير الدفاع، ويضم فى عضويته وزراء العدل والبترول والمالية والعمل والإسكان والمياه والكهرباء والاتصالات والشئون الاجتماعية والشئون البلدية والقروية والزراعة والتعلمى والثقافة والإعلام. ويعتبر مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية هو الأول من نوعه على مستوى المملكة، وسيرسم ملامح المستقبل، لتوفير روافد مالية جديدة تعتمد عليها المملكة خلال السنوات القادمة بخلاف صادراتها من النفط. كما سيعمل المجلس على تعزيز جهود الدولة فى استمرار الانتعاش الاقتصادى بوتيرة ثابتة، وسط تفاؤل بأن تحقق السعودية إنجازات عملاقة، واستمرار الخطط التنموية التى حققت المملكة فيها مستويات قياسية من الإنجازات. ومن المتوقع أن يكون لقرار دمج وزارتى التعليم العالى والتربية والتعليم بوزارة واحدة هى وزارة التعليم مردود ملموس فى تطوير مخرجات التعليم وتحقيق متطلبات سوق العمل، وسينعكس بالإيجاب على المشهد التعليمى بإعطاء مؤسسات التعليم المزيد من المرونة وتحقيق الجودة فى الجانب المنهجى. الأوامر الملكية حملت البهجة للملايين من أبناء الشعب السعودى، بصرف راتب شهرين لموظفى الدولة من مدنيين وعسكريين، وطلاب وطالبات العليم الحكومى داخل المملكة وخارجها، ومعاش للمتقاعدين ومستفيدى الضمان الاجتماعى. وصرف مبلغ مليارى ريال دعمًا للجمعيات الخيرية وأيضًا العفو عن سجناء الحق العام، كما تم اعتماد 20 مليار ريال لتنفيذ خدمات الكهرباء والمياه. ولم يغفل خادم الحرمين الشريفين فى قراراته الإصلاحية الجانب الإنسانى الذى انتهجه منذ عقود لرعاية ذوى الاحتياجات الخاصة، وذلك عبر اعتماد إعانة شهرين، إضافة إلى ضم قوائم الانتظار لإعنة المعاقين اعتبارًا من تاريخ الأمر الملكى. لقد جاءت الأوامر الملكية متوافقة مع آمال الشارع السعودى، إذ لامست هذه الأوامر همومهم وبعثت الاطمئنان فى نفوسهم من المستقبل فى ظل الظروف الدولية المضطربة، وذلك بعد أيام قليلة من اطمئنانهم الأهم بخصوص انتقال السلطة التى تمت بسهولة ويسر كانت محل تقدير الجميع، وحقق فيها الملك سلمان أمرًا غير مسبوق فى تاريخ الحكم فى المملكة عندما عين أحد أحفاد الملك المؤسس فى منصب الرجل الثالث فى الدولة، وهو الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز ولى ولى العهد النائب الثانى لرئيس مجلس الوزراء مع احتفاظه بحقيبة وزارة الداخلية التى شغلها عدة سنوات حقق خلالها حضورًا فى مجال مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن. لقد جاءت هذه التغييرات الكبرى فى المناصب الوزارية والأجهزة الحكومية الأخرى تحقيقًا لرؤية الملك سلمان بن عبد العزيز التى تحتاج إلى فريق ينفذها، لقد جاء اختيار الملك سلمان هذا الفريق لتحقيق رؤية فى دولة تواجه تحديات سياسية واقتصادية وأمنية. وقد أوضحت الأوامر الملكية والقرارات أن الملك سلمان يعى تمامًا نبض الشارع السعودى، وهو القريب منه لعقود طويلة ويعرف تمامًا تحولاته وطموحاته.