لا أميل لتصديق المعلومة التى تؤكد أن لحن أنساك ليس من تلحين بليغ حمدى إنما هو لشيخ الملحنين زكريا أحمد برغم أن أبناء الشيخ قالوا إنهم تقاضوا ثمنه ويستشهدون بما كتبه صلاح جاهين فى الأهرام أيامها حيث كتب تعليقًا يؤكد فيه أن اللحن للشيخ وليس لبليغ وكتب «أنساك ياسلام.. يا بليغ دا كلام؟! أهو دا اللى حسب لحنك أيوا». بدأ زكريا أحمد مشواره فى التلحين عندما كان منشدًا فى بطانة الشيخ على محمود ولحن له توشيح «يا من يرجى فى القيامة» 1922 ثم اتجه للمسرح فترك لنا 56 أوبرا وأوبرت غير 160 أغنية منوعة منها 47 لأم كلثوم وقد غنى كثيرًا منها بصوته وسجلها على أسطوانات من أغنياته لأم كلثوم آه من لقاك، من أول يوم حبيبى، يسعد أوقاتك، الأولة فى الغرام، أنا فى انتظارك، الأمل، حلم، الورد جميل، نصرة قوية وفرحة، هو صحيح الهوى غلاب، جمال الدنيا يحلى، وغيرها. أول أغنية لحنها زكريا لأم كلثوم كانت «اللى حبك يا هناه» وكان قد سافر إليها فى قريتها طماى الزهارة مركز السنبلاوين دقهلية برفقة الشيخ أبو العلا محمد وأكرمتهما فذبحث لهما وزة وطلب هو منهما أن تأتى إلى القاهرة وفعلت وجاءت لتغنى من ألحانهما العديد من الأغنيات والقصائد، طبعا القصائد من ألحان الشيخ أبو العلا محمد لأن زكريا لم يكن يحبذ تلحين القصائد، فقد لحن لأم كلثوم قصيدة «آراك عصى الدمع» شعر أبو فراس الحمدانى وكان عبده الحامولى قد لحنها قبله ولحنها رياض السنباطى بعده وفى فيلم «سلامة»وصنع زكريا كل ألحان الفيلم إلا قصيدة «آراك عصىالدمع» فلحنها رياض السنباطى. كان الشيخ زكريا معمما باعتباره من طلبة الأزهر الشريف وكان يرتدى الزى الأزهرى الرسمى عمة وكاكولا وقفطان وذات يوم بينما كان جالسًا مع بعض أصدقائه على القهوة مد يده ليأخذ فنجان القهوة فأزاح كم الكاكولا الخاص به كوب الماء المجاور وهاج الجالسون الذين طالتهم مياه الكوب وقرر أن يخلع الزى الأزهرى ويرتدى البدلة والطربوش، وظهر بهما فى أول فيلم غنائى مصرى «أنشودة الفؤاد» مع نادرة 1932، ثم غنى مع ليلى مراد ثنائى فى أول مشاهد فيلمها «ليلى بنت الفقراء» وبمناسبة السينما فقد تسببت ألحانه فى فيلم «حكم قراقوش» فى كراهية الملك فاروق له فقد كانت هذه الألحان سببا رئيسيًا فى انتشار أغانى الفيلم التى تسخر من الحاكم ومنها «ياعنب ع الشجر شبع الغراب منك.. وفى الطريق تترمى ياعنب ولا مين ينسأل عنك» وأيضا أغنية «القمح حاضر ياهوه خشوا عليه اشتروه.. من قبل ما ينهبوا.. وتدورا ما تلاقوه» وأيضا «خيرات بلدنا كلها لأهلها من نصها ولا ربعها.. أو خمسها أو سدسها أو سبعها أو ثمنها.. أو تسعها أو عشرها لأكلها لأكلها». وفى عصر زكريا أحمد لم يكن نجوم الفن يسلمون من إشاعات الزواج والطلاق. فهو كان متزوجًا من شقيقة زوجة الشيخ درويش الحريرى الذى كان كان يحفظ على يده، وله منها 7 أبناء و4 بنات وثلاثة رجال، وكان كثير التلحين للمطربة فتحية أحمد نجمة عصرها وأحبته وظلت تطاره بلا فائدة، فلجأت لسلاح الإشاعات وفوجئت أسرة الشيخ بصورته إلى جوار صورتها مع تعليق يفيد بأنهما قد تم زواجهما، ولكن لم تدخل هذه الحيلة لا على زكريا ولا على أسرته. لم يلق الشيخ زكريا أحمد التكريم اللائق بإبداعاته اللحنية وقدراته الموسيقية التى كانت تدل على ثقافته الواسعة حيث كان من قراء الجاحظ وأبو العلاء المعرى وطه حسين وأحمد شوقى وتوفيق الحكيم وابن الرومى وابن المقفع ومعهم نجيب محفوظ وأحمد بهجت صديقه الصدوق وصلاح طاهر فلا وزارة الثقافة أقامت له متحفًا ولا الإذاعة حاولت أن تعيد صياغة ألحانه وفقا لآليات العصر ولما قررت شركةصوت القاهرة إنتاج مسلسل عنه كانت أحداثه تحركها راقصة ومؤلفه بلا خبرة وأبطاله من أنصاف النجوم واعترضت أسرته على الإنتاج وتوقف التصوير. وزكريا هو الملحن الوحيد الذى تحدى أم كلثوم وجرجرها إلى المحاكم والسبب مادى فقد كانت عقود الإذاعة تتضمن أن يعطى المطرب المتعامل معها حق المؤلف عن الحفلات والتسجيلات الإذاعية للمؤلف والملحن ولم تفعل الست ذلك فا شتكاها وحصل على حكم ابتدائى بحقه وانتهت المشكلة لتعود ألحان شيخ الملحنين أو الرجل الذى تحدى أم كلثوم مع إبداع بيرم التونسى لتغنى كوكب الشرق «هو صحيح الهوى غلاب» ليرحل بعدها بيرم 6 يناير 1961 ثم يرحل زكريا بعد ذلك فى الذكرى الأربعين لرحيل رفيقه فى الإبداع.