هل هناك من سبب لهذا الفشل الذريع الذى رأيناه.. فلا حشد ولا ثورة مسلحة وإنما شراذم محدودة تسعى لإثارة القلق وحسب؟ كان هذا سؤالا مباشرا من أحد مُعدى البرامج الإخبارية فى قناة أجنبية مساء يوم الجمعة وبعد مرور أكثر من ثمانى ساعات على انقضاء صلاة الجمعة التى أريد لها أن تكون بداية لفوضى عارمة فى مصر. أما إجابتى فكانت يسيرة ومباشرة، فالفشل أو بالأحرى الهزيمة والانكسار له ثلاثة أسباب.. أولها أن هؤلاء الذين دعوا إلى هذه المظاهرات تحت اسم ثورة الشباب المسلم ودعوا فيها إلى رفع المصاحف هم أناس منفصلون عن المجتمع المصرى، وأساءوا إليه كثيرا فى السنوات الثلاث الماضية، بل وصل بهم الأمر إلى إلقاء القنابل وإطلاق النار على المصريين فى الشوارع والميادين وقتلوا من قتلوا وأصابوا من أصابوا، وأشعلوا النيران وقطعوا الطرق وخربوا كثيرا من المنشآت العامة كمحطات الكهرباء، وحاولوا تخريب السكك الحديدية والمترو، وخربوا عددا لا بأس به من سيارات الأتوبيس العامة التى يستعملها بسطاء الناس فكيف للمصريين بعد ذلك أن يستجيبوا لمثل هذه الدعوات التخريبية الإرهابية. السبب الثانى يكمن فى إيمان المصريين وقناعاتهم الدينية الوسطية السمحة، وارتباطهم بالقرآن الكريم باعتباره كلام الله تعالى الُمنزل على نبيه الكريم والواجب الاحترام والتقديس، فكيف لهم أن يستجيبوا لدعوة من مجموعة مجهولة تستهدف إهانة كتاب الله تعالى؟ فكان رد المصريين ليس فقط تجاهل هذه الدعوة بل إدانتها ورفضها والنظر إلى أصحابها باعتبارهم خارجين عن الدين، ودعاة فتنة وخوارج هذا العصر. السبب الثالث وهو أن هؤلاء الذين دعوا إلى هذه المظاهرات الخبيثة لا يحسنون قراءة الواقع، ولا يدركون التغيرات التى حدثت فى أرجاء الوطن بعد 30 يونيو 2013. وتفسير ذلك بسيط للغاية فهم جماعات مغلقة على أنفسهم، غير منفتحين على الآخر والعالم الرحب المحيط بهم، يعشقون العمل السرى ويتصورون أن المصريين مغرمون بهم، وسوف يتلقون دعوتهم بكل ترحاب. وقد بدا الانغلاق فى أكثر من موقف، يكفى أن نشير إلى واحد ذى دلالة، حيث تداولت مواقع الجماعة الإخوانية الإرهابية وحلفائها بيانا بائسا صباح يوم الجمعة يبشر المصريين بأن الرئيس المعزول بعد تحريره سوف يلقى بيان النصر من مبنى التليفزيون فى ماسبيرو فى الساعة الثامنة مساء، وبالرغم من أن هذا البيان البائس موجه بالأساس لرفع الروح المعنوية لأعضاء الجماعة، وإثارة القلق لدى جموع المصريين، لكنه يكشف عن طريقة بائسة ورخيصة فى التفكير، فالرئيس المعزول محاط برعاية أمنية مشددة سواء فى سجنه أو فى حله وترحاله من وإلى المحكمة، فكيف له أن يصبح حرا طليقا ويذهب هكذا بكل سهولة وأريحية لكى يطل على المصريين معلنا الانتصار؟ هناك بالقطع انفصال كامل بين من يديرون جماعة الإخوان الإرهابية وبين ما يجرى بالفعل على أرض الواقع، وهو الانفصال الذى يؤدى بتحركاتهم إلى الارتباك والانكسار والخسران المبين. تأكدت الفضيحة كاملة وعلى الملأ وبدون رتوش. وفى قلب الفضيحة تستمر قناة الإخوان الإرهابية من الدوحة تعيث فسادا وتنشر كذبا وتختلق الوقائع، وترمى مصر بكل سوء لقد تأكد للجميع أن ما يسمى بتحالف دعم الشرعية أو الجبهة السلفية ليسوا سوى دمى تتلاعب بها الجماعة الإرهابية لقد بشرتنا وأنذرتنا الجبهة السلفية بأن يكون 28 نوفمبر بداية لثورة تطيح بكل شىء وتعيدنا إلى الوراء المظلم، وأنذرتنا الجماعة الإرهابية بأن هذه المظاهرات سوف تخلع أركان النظام الحاكم وتأتى بأركان النظام المعزول، بل توعدت بأن تزج فى السجن بكل من أيد ثورة 30 يونيو، لكن يقظة الشعب ودعمه للمؤسسات وللدولة أفسدت هذه الترهات. هذه اليقظة هى التى حولت هذا اليوم إلى يوم انتصار للدولة فخرج المصريون فى أكثر من ميدان حاملين الأعلام واللافتات المؤيدة للرئيس المنتخب وللجيش والشرطة فى رسالة واضحة أن المصريين أكبر من أى خداع. لقد أظهر التناطح بالبيانات بين الجماعة الإرهابية والجبهة السلفية منتصف يوم الجمعة المدى القبيح الذى وصل إليه ما يسمى بتحالف دعم الشرعية، أو بالأحرى بين دمى تحالف دعم الشرعية، فالجبهة وبعد أن رأت هزيمتها بأم أعينها، حيث لم يحدث ما أنذرت به، أصدرت بيانا تدعو فيه أنصارها أن تكون فعالياتهم الاحتجاجية فى حدود النصف ساعة بعد صلاة الجمعة.. أما الجماعة الإرهابية فأصدرت من جانبها بيانا طالبت فيه أنصارها بتوخى الحذر والالتزام بالشعارات الثورية وتعليمات دعم الشرعية، وكلا التطورين أكدا أننا أمام جماعة فقدت عقلها، وأمام حلفاء لها ليسوا أكثر من دمى تحركها جهات خارجية تمول وتضع الخطط وتصدر التعليمات، وهم لها منفذون.. لقد ظهرت الفضيحة كاملة وعلى الملأ وبدون رتوش، وفى قلب الفضيحة تستمر قناة الإخوان الإرهابية من الدوحة تعيث فسادا وتنشر كذبا وتختلق الوقائع، وترمى مصر بكل سوء، وتتصور أن أكاذيبها سوف تعيد عقارب الساعة إلى الوراء. ينسى هؤلاء المغيبون عن الواقع المصرى أن محاولة استنساخ ما جرى فى يناير 2011 هو درب من المستحيل إن لم يكن هو المستحيل نفسه.. ففى السنوات الخمس الأخيرة من حكم الرئيس الأسبق مبارك كانت الطبقة الوسطى المصرية فى حالة ضيق وضجر فى أعلى المستويات، وكان الشعور الغالب بأن نظام مبارك لابد أن يرحل، ويكفيه ثلاثين عاما من الحكم، وفى الآن نفسه كانت جماعات المعارضة ومنها جماعة الإخوان الإرهابية مُحاطة بقدر من التأييد من قاعدة معقولة من الشعب المصرى الذى لم يكن يتصور أن الجماعة ما زالت تؤمن بالعنف وأن هدفها الرئيس هو الاستيلاء على السلطة لنفسها فقط ولحساب القوى الخارجية وليس لحساب مصر والمصريين. هناك بالقطع انفصال كامل بين من يديرون جماعة الإخوان الإرهابية وبين ما يجرى بالفعل على أرض الواقع، وهو الانفصال الذى يؤدى بتحركاتهم إلى الارتباك والانكسار والخسران المبين وفى ذلك الوقت أيضا كانت كل المؤشرات تصب فى حالة احتقان مجتمعى غير مسبوقة، ولن ينفع معها أية ألاعيب من تلك التى مارسها نظام مبارك من قبل، والأكثر من ذلك كانت حالة الثقة الشعبية فى جماعات ومنظمات حقوق الإنسان عالية للغاية وهى الأكثر انتقادا لنظام مبارك، والأكثر قدرة على تعبئة الجماهير ضد النظام وضد رموزه، بل وضد مؤسسات بعينها وفى مقدمتها وزارة الداخلية، التى مثلت آنذاك اليد الباطشة لنظام مبارك. وكان طبيعيا آنذاك أن صفحة تواصل اجتماعى مثل صفحة وكان طبيعيا آنذاك أن صفحة تواصل اجتماعى مثل صفحة خالد سعيد على الشبكة الدولية للمعلومات والتى كان يديرها ناشط سياسى، عرف الجميع لاحقا، انه مدعوم بقوة من قبل الإدارة الأمريكية، كانت تستقطب الشباب المصرى وتعده للثورة ولمهاجمة وزارة الداخلية تحديدا، والتى كانت سمعتها آنذاك قد وصلت للحضيض، حتى أن دعوة التظاهر ضدها جاءت بحساب دقيق فى يوم عيد الشرطة الموافق 25 يناير والذى يعود إلى العام 1951، والذى يمثل يوما مجيدا بكل المقاييس فى تاريخ مصر، حيث وقف ضباط وجنود الشرطة المصرية صامدين بكل الشرف الوطنى والإباء المهنى أمام هجوم وحصار جنود الاحتلال البريطانى لمقرهم فى مدينة الإسماعيلية حتى قتل منهم العدد الأكبر فداء للوطن، وحين توافقت القوى السياسية المعارضة على البدء بمظاهرات ضد الداخلية يوم 25 يناير 2011، كان الهدف الرمزى، وهو ما تحقق بعدها بثلاثة أيام، أن يكون عيد الشرطة هو يوم انكسارها. ينسى هؤلاء المغيبون عن الواقع المصرى أن محاولة استنساخ ما جرى فى يناير 2011 هو درب من المستحيل إن لم يكن هو المستحيل نفسه بعد أربعة أعوام اختلفت الصورة تماما لم تعد الجماعة محل ترحاب من الشعب، بل صارت محل رفض واستنكار وكراهية أما الناشطون السياسيون والكثير من جمعياتهم الحقوقية فقد أصبحت محل انتقاد وفى أفضل الأحوال محل تجاهل وبينهما كثير من الشكوك الشعبية فى الأهداف الحقيقية التى تبتغيها هذه الجمعيات وهؤلاء الناشطون الذين فقدوا بريقهم مقارنة بما كانوا عليه فى العامين التاليين للخامس والعشرين من يناير 2011. ولعل أهم ما فى الصورة الجديدة لمصر، أن مؤسسات الدولة أصبحت مُقدرة من كل المصريين عدا النفعيين والإرهابيين، وصار لدى المصرى إيمان قوى بأن ما تريده الجماعة هو خراب البلاد وهدم المؤسسات وإغراقها فى الفوضى التى تفيد أعداء مصر أولا وأخيرا، وصار لديه أيضا قناعة تامة بأن قوة مؤسسات مصر هى قوة له ولبلده، وأن الوقوف وراء المؤسسات يعنى حماية مصر الدولة والمجتمع والتاريخ والهوية من السقوط فى براثن الإرهاب والإرهابيين، وفى هذا السياق، يؤمن المصريون بأنهم أصحاب الثورة الحقيقية التى أطاحت بحكم الجماعة الإرهابية وأنهم مسئولون عن إفشال وإسقاط كل الدعاوى الزائفة التى تستهدف أمنهم واستقرارهم.. لقد صنع المصريون نظاما جديدا فى 30 يونيو وليس أمامهم سوى الحفاظ عليه والدفاع عنه وعن رموزه السياسية التى انتخبوها عن قناعة وثقة فى وطنيتها وفى التزامها بأمن البلاد والعباد. هذه الصورة الجديدة تفسر الجانب الأخر مما جرى فى 28 نوفمبر 2014، جانب الانتصار للدولة ومؤسساتها والانتصار للمستقبل ودحر كل ما هو إرهابى.