قبل أن تكمل عامها الثانى على الانفصال عن السودان، يبدو أن دولة جنوب السودان تتجه بصورة دراماتيكية نحو السقوط فى مستنقع الفشل، فى ظل معاناة الدولة منذ ميلادها من الصراعات المحتدمة فى قمة السلطة بين الرئيس سلفاكير ميارديت ونائبه المعزول رياك مشار، الأمر الذى كبد مواطنى الجنوب خسائر بشرية ومادية لا تقل عما تكبدوه لنيل استقلالهم عن السودان..إذ أوقعت الحرب الأهلية عشرات الآلاف من القتلى، وأجبرت نحو مليونى شخص من أصل 11 مليونا هم إجمالى عدد السكان على النزوح من ديارهم، ووضع الاقتتال الداخلى دولة الجنوب على حافة المجاعة. الأزمة الحقيقة فى جنوب السودان، والتى تدور بين طرفى الصراع (الرئيس سلفاكير من جهة، والمعارضة أو المتمردين كما تسميهم الحكومة بقيادة رياك مشار من جهة أخرى) لا تزال تتمحور حول سياسة واحدة تقوم على المراوغة والعناد والاعتماد على لغة واحدة عنيفة لا يكاد كلاهما يفهم غيرها وهى لغة السلاح، إذ شهدت كل جولات الصراع بين كير ومشار مراوغات مستمرة للهروب من الالتزامات والاتفاقات التى توصلت لها الأطراف الوسيطة فى حل الأزمة. ورغم كل بارقات الأمل التى بزغت فى المراحل المتعددة للوساطة، إلا أن جهود منظمة «إيجاد» بالإضافة إلى الجهود التى يبذلها عدد من زعماء القارة باءت جميعها بنتيجة واحدة هى الفشل الذريع، والتى كان آخرها قيام الرئيس التنزانى جاكايا كيكويتى بالجمع - لأول مرة منذ بدء الصراع - بين رئيس جنوب السودان سلفاكير ونائبه السابق مشار فى مدينة أروشا التنزانية، ثم أعقب هذا اللقاء انعقاد قمة مجموعة تنمية دول شرق أفريقيا (إيجاد) فى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا خلال الأسبوع الماضى. رغم اتفاق القمة الأفريقية على وقف إطلاق النار فورا فى جنوب السودان، لكن الأمور تدهورت على الأرض عقب ساعات فقط من انعقاد القمة، وكالعادة تجددت الاشتباكات الدامية بين الطرفين المتنازعين فى الشمال الغنى بالنفط وعدة جبهات أخرى، وكالمعتاد أيضا تبادل الطرفان الاتهامات بانتهاك وقف إطلاق النار. وما يزال الموقف الدولى من الأزمة فى جنوب السودان محيرا بدرجة كبيرة، إذ لم يخرج عن حدود التنديد أو التهديد على أقصى تقدير، دون اتخاذ التدابير اللازمة لإجبار طرفى النزاع على الالتزام بتعهداتهما التى نكثوها عدة مرات، ومن هذا القبيل ما ذكره مسئول أمريكى أن وفد بلاده لدى الأممالمتحدة سيوزع مشروع قرار يدعو لإنشاء نظام خاص للعقوبات الأممية على دولة جنوب السودان، بينما أعلن الأسترالى جارى كوينلن رئيس مجلس الأمن الدولى، أن عددا كبيرا من أعضاء المجلس مهتمون بدراسة فرض عقوبات محددة الأهداف على جنوب السودان، إضافة لفرض حظر على الأسلحة. ومع ذلك، لم تتخذ الدول ال15 الأعضاء فى مجلس الأمن أية خطوات عملية حتى الآن، وامتنعت سابقا عن فرض عقوبات على جنوب السودان بحجة إفساح المجال لجهود السلام التى يبذلها القادة الأفارقة فى المنطقة.. هذه المواقف الدولية المتقاعسة تزيد الأوضاع تفاقما فى جنوب السودان، حتى أن تقريرا لمنظمة غير حكومية يرأسها ديفيد ميليباند رئيس الوزراء البريطانى السابق، حذر من أنه «فى حال لم ينته النزاع فإن الأزمة فى جنوب السودان ستتحول إلى دوامة لا نهاية لها من جرائم القتل الأثنية والعنف الجنسى والاعتماد التام على المساعدة الدولية.