قضية على قدر كبير من الأهمية بدأت تطفو على السطح فى السنوات الأخيرة - ونحن فى غفلة عنها - ألا وهى عزوف الطلاب عن الدراسة العلمية والاتجاه للدراسة الأدبية.. فى ظل ارتفاع نسب الطلاب الملتحقين بالقسم الأدبى إلى 70% من مجمل طلاب الثانوية العامة.. وهى ظاهرة خطيرة سيكون لها بالغ الأثر على مستقبل مصر العلمى.. وتتناقض مع ما تقوم به دول العالم المتقدم التى تعطى الأولوية لدراسة العلوم والرياضيات لطلابها باعتبارها المناهج التى تسهم فى تكوين علماء ومبتكرين.. فأمريكا عندما شعرت أن اليابان تتفوق عليها - قليلًا - فى الرياضيات والعلوم فى التسعينيات - قامت الدنيا ولم تقعد وأعلنت «أمة فى خطر».. تصوروا فمابالكم ونحن فى مصر نقتل العلماء قبل مولدهم.. فماذا نقول.. بالتأكيد لا نملك إلا أن نعلن «أمة تحتضر»!!.. «يا نهار أسود». بصراحة لا أعرف ماذا حدث فى مصر؟.. فقد أصبحنا نعيش مناخًا طاردًا للعلماء والعلميين.. ففى الماضى كان الطلاب يتكالبون على الالتحاق بالقسم العلمى وقليلًا منهم فقط هم الذين يتجهون للدراسة الأدبية.. وأتذكر عندما كنت طالبًا بالمرحلة الثانوية فى أوائل الثمانينيات كان هناك 3 فصول بالمدرسة مخصصة للقسم العلمى وفصل واحد فقط للقسم الأدبى.. وكان الكل يريد الالتحاق بالقسم العلمى لأن الغالبية تريد أن تكون أطباء ومهندسين وعلماء. فما يحدث يعنى أن هناك شيئًا ما خطأ قد حدث فى العملية التعليمية جعلت الطلاب يعزفون عن الدراسة العلمية.. نتيجة للسياسات التعليمية الخاطئة غير المستقرة والتى تتغير من آن للآخر بتغيير معالى وزير التعليم وبالتحديد بعد عام 1994 بعد أن أصبحت الثانوية العامة بنظام المرحلتين على سنتين دراسيتين بدلًا من سنة واحدة وكذلك النظام العقيم للقبول بالجامعات فضلًا عن تكدس المواد العلمية بالحشو وأيضًا نتيجة لتشعيب القسم العلمى إلى شعبتين علوم ورياضة مما قلل فرص الالتحاق بكليات الطب والهندسة والصيدلة وجعل الطلاب يستسهلون الأمر بالالتحاق بالقسم الأدبى كذلك ساعدت مشكلة البطالة على ازدياد هذه الظاهرة وعدم ربط التعليم الجامعى بسوق العمل فاختصرت الأسر المصرية الطريق ودفعت أبناءها للإقبال على الدراسة الأدبية مثل أقسام اللغات الأجنبية بكليات التجارة «تجارة إنجليش» وغيرها حيث إن خريجى هذه الأقسام يجدون عملًا بأجور مغرية فور تخرجهم فى حين أن خريجى الهندسة والطب يواجهون البطالة وإن وجدوا العمل فإنه يكون بأجور متدنية.. وإذا أرادوا ممارسة المهنة خارج نطاق الوظيفة الحكومية فإن الأمر يحتاج إلى رأس مال كبير فى حين أن خريجى الأقسام النظرية لا يحتاجون إلى رأس المال لبناء مستقبلهم. إننى أدق ناقوس الخطر لخطورة هذه الظاهرة على المدى البعيد وأرى أنها تحتاج لدراسة واعية من الخبراء.. وأقترح عقد مؤتمر قومى لبحث أسباب هذه الظاهرة ووضع الحلول لتشجيع الطلاب على الدراسة العلمية.