من الذى يشعل النار فى الصعيد؟ سؤال لا توجد له إجابة مقنعة حتى الآن بعد انتشار الحرائق الغامضة التى تشتعل فجأة فى منازل قرية «الترامسة» وتنطفئ أيضا فجأة ثم تعاود الانتشار، الأمر الذى دفع الكثيرين للاعتقاد بأن هذه الحرائق شيطانية، لم تكن هذه الواقعة هى الأولى من نوعها ففى مايو الماضى اندلعت حرائق غامضة أيضا بمركز «ساقلتة» بمحافظة سوهاج التهمت محتويات 16 منزلا، كما أن حرائق مماثلة التهمت قرابة 60 منزلا بقرية الحاج سلام بفرشوط العام الماضى وظن الأهالى وقتها أيضا أن «الجن والعفاريت» وراء هذه الحرائق إلى أن أوضحت لجنة من جامعة جنوب الوادى أن مخلفات القصب هى السبب الرئيسى فى ذلك. وفى عام 2004 شهد مجلس الشعب ثورة غضب من نواب الصعيد خاصة محافظتى قناوسوهاج أسفرت عن توجيه ما يقرب من 20 سؤالا للدكتور عبد الرحيم شحاتة وزير التنمية المحلية الأسبق بسبب الحرائق التى كانت تندلع بدون أسباب معروفة فى عدد من قرى المحافظتين، والتى ظلت لأكثر من ثلاثة أسابيع، وأدت لاحتراق أكثر من 150 منزلاً، وقرر النواب وقتها إثارة القضية تحت قبة البرلمان بعد حالة الذعر التى سيطرت على أبناء دوائرهم، وبعد فشل الجهات المعنية فى تحديد أسبابها، الأمر الذى انتشرت على إثره شائعات قوية تؤكد أن هذه القرى المحترقة حلت عليها ما يعرف ب «لعنة الفراعنة» عقاباً للمواطنين الذين يقومون بالتنقيب عن «الآثار». وهو ما أثار أيضا غضب أمين المجلس الأعلى للآثار وقتها الدكتور زاهى حواس الذى نفى ما يسمى ب «لعنة الفراعنة»، إلا أنه رجح أن يكون سبب الحرائق «غاز الرادون» الذى ينبعث من المقابر القديمة أثناء حفرها والتنقيب عن الآثار بداخلها. «أكتوبر» رصدت عن قرب ما يدور فى الصعيد وتحديدا قرية «الترامسة» بمحافظة قنا بعد عودة انتشار ظاهرة الحرائق الغامضة التى تسببت فى احتراق 17 منزلا واستعانة الأهالى برجال الدين الإسلامى والمسيحى لصرف «الجن» المتسبب فى هذه الحرائق على حد زعمهم. حرائق مفآجئة كشف الأهالى ل «أكتوبر» أن الحرائق بدأت فى القرية منذ أربعة أسابيع بشكل مفاجئ، ولم تستطع سيارات الإطفاء إخمادها، وأضافوا أن الحرائق كانت تشتعل وتنطفئ دون تدخل من أحد، واستمر الوضع خلال الأيام الأربعة الأولى من بدء اشتعالها دون خسائر، وبعدها بدأت النيران تلتهم أثاث المنازل وتنتقل من منزل لآخر. وهو ما دفع بعض أهالى القرية للاستعانة بالشيوخ والقساوسة لمعرفة أسباب الحرائق بعدما تردد أن الفاعل هو «الجن» والبعض الآخر لجأوا لتحرير محضر بالشرطة رقم «3375» لسنة 2014 إدارى قنا اتهموا فيه أحد الأهالى بالتنقيب عن الآثار ما ترتب عليه التسبب فى هذه الحرائق، ومصداقا للمثل القائل «مصائب قوم عند قوم فوائد» استغل الدجالون والمشعوذون بالقرية والقرى المجاورة هذه الظاهرة وبدأوا يروجون لأنفسهم بأن «كائنات شيطانية» وراء اشتعال النيران بهذه الصورة وإن لم يتم السيطرة عليها وحرقها سيحدث ما لا يحمد عقباه على حد زعمهم، وانتشرت شائعة أخرى قوية عن ظهور «عقارب» كبيرة الحجم تعمل على إعاقة محاولات الإطفاء، ومن جانبه انتدب اللواء عبد الحميد الهجان محافظ قنا والدكتور عباس منصور رئيس جامعة جنوب الوادى لجنة للوقوف على المشكلة، وأوضحت اللجنة أن سبب الحرائق هو وجود ماس كهربائى. فوزى على من سكان القرية أرجع سبب الحرائق لقيام البعض بالتنقيب عن الآثار بطريقة عشوائية دون إحضار شيوخ لصرف الجن المسئول عن الكنز، وهو ما دفعه للإنتقام من الأهالى والقرية بأكملها. وأضاف أن عددًا من الشيوخ الذين تم إحضارهم للقرية للوقوف على حقيقة هذه الحرائق طالبوا الأهالى بمبالغ مالية كبيرة لإنقاذهم من لعنة الفراعنة مقابل 1200 جنيه عن كل منزل. بينما نفى على مصطفى أحد المتضررين أن يكون للتيار الكهربائى أى دخل فى الحرائق، مشيرا إلى أن النيران كانت تشتعل أثناء انقطاعه. معالج روحانى أما ياسر أبو حامد النجمى الذى يصف نفسه بأنه «معالج روحانى» أرجع سبب اشتعال الحرائق لوجود «جن ماجوسى» زعم أنه ينتقم من نابشى قبور الفراعنة، وزاعما أيضا أن هذا النوع من عبدة النار يقوم بإشعال الحرائق فى الأماكن التى ينقب فيها الأهالى عن الآثار. وأضاف النجمى أنه استطاع إخماد حرائق قرية «الترامسة» القريبة من معبد دندرة جنوبىقنا التى استمرت قرابة شهر بتلاوة بعض آيات القرآن الكريم. وأشار إلى أنه عندما قرأ على صفحات «الفيس بوك» استغاثات أهالى قرية «الترامسة» تواصل معهم وذهب إلى القرية وشاهد الحرائق فى أماكن متباعدة عن بعضها البعض، وشاهد أيضًا الحزن يخيم على الأهالى لاسيما فتاة مقبلة على الزواج يتيمة الأم فقدت جهازها فى منزل شبه مهجور ليس به كهرباء أو اسطوانات بوتاجاز بعد أن قضت النيران عليه بالكامل. وأوضح «النجمى» أن بعض المعالجين الروحانيين من المشايخ والقساوسة طالبوا أهالى القرية بدفع أموال طائلة لطرد «العفاريت والجن» وصلت لأكثر من 70 ألف جنيه بعد قيام أهالى من القرية بالتنقيب عن الآثار . وأضاف قائلا أن البعض تداول عدة أسباب للحرائق منها ما أعلنه رئيس جامعة جنوب الوادى بأن الحرائق ناتجة عن ماس كهربائى ومنها ما أوضحته الأجهزة الأمنية بأنها نتيجة لفعل فاعل متعمد أما الأهالى فاتهموا الجن بإشعال النيران فى منازلهم وقاموا بالتكبير وقراءة القرآن الكريم فى محاولة منهم لطرده. أسباب مجهولة من جهته قال الشيخ صابر عيسى عميد أحد المعاهد لأزهرية بالقرية إنه لا يستطيع الجزم بأسباب الحرائق، مشيرا إلى وجود غيب لا يعلمه إلا الله وربما تكون آراء بعض الأشخاص عن اشتعال النيران بسبب الجان أمر اجتهادى وليس يقينًا. أما الشيخ أحمد حسن محمود معالج بالقرآن فيرى أن هذه الظاهرة حدثت من قبل منذ حوالى 20 عاما فى قرية بمركز ميت غمر دقهلية وكانت فى منزل أحد الأهالى واستمرت قرابة 20 يومًا وانتهت بفضل تلاوة القرآن والأعمال الصالحة والدعاء والتقرب إلى الله وهذا يفسر أن قبائل من الجن يقتتلون ويتناحرون فيما بينهم وهذا تفسير أيضا لما يجرى فمن دفع هذا الضر فعليه بالقرب والتقرب إلى الله بكثرة الدعاء وعمل الصالحات. ويشير أكمل سالم باحث اجتماعى إلى معتقدات خاطئة للبعض فى هذا الأمر، مشيرا إلى أن مصر تنفق 10 مليارات جنيه على السحر والشعوذة، وأوضح أن طبيعة الصعيد وعدم وجود صرف صحى فى المناطق يساعد فى إنتاج غاز الميثان الذى يتسبب فى الحرائق المستمرة. وأوضح الحاج نور عمدة قرية «الترامسة» أن الحرائق كانت فى البداية عبارة عن شىء محدود وبعدها زادت بشكل مستمر ومتفرقة نتيجة للتنقيب عن الآثار، مشيرا إلى أنه كلف خفراء لحراسة المناطق التى يعتقد البعض أن بها آثارًا وطالب الجهات المعنية بانتداب لجنة من هيئة الآثار التى أثبتت خلو هذه المناطق من الآثار. وأضاف أن هناك أهالى تركت منازلها وآخرين لا يستطيعون دخول المنازل وينتظرون فى الشوارع مناشدًا المسئولين خاصة شيخ الأزهر بالتدخل لإنقاذ هذه الأسر والعائلات. لعنة الفراعنة ومن جانبه نفى الدكتور أحمد صالح باحث المصريات ومدير عام صندوق إنقاذ آثار النوبة وجود أى حجة علمية تؤكد ما يطلق عليه «لعنة الفراعنة»، ولا صحة لما يروجه البعض بأنها وراء هذه الحرائق الغامضة. وأشار إلى ضرورة الوصول إلى تفسير علمى للظاهرة التى لابد من وجود سبب علمى منطقى يقف وراءها وأنه لا توجد حجة علمية تؤكد وجودها. ويؤكد الدكتور نور الدين عبد الصمد، مدير عام التوثيق الأثرى بوزارة الآثار أن الفراعنة كانوا بارعين فى السحر والمعجزات التى نزل بها سيدنا موسى عليهم، مشيرا إلى أن فن السحر لا يوجد إلا بمساعدة عالم غيبى وهو عالم الجن. وأشار إلى وجود بعض النصوص كلهجة تحذيرية فى بعض المقابر ونسميها نداء إلى الأحياء وترجمتها تقول إن من يدخل هذا المكان أو أى مساس به سوف تحدث له أشياء غير طبيعية، وبالفعل رأينا بعض الناس حدث معها هذا الأمر، فعندما يدخل الإنسان على مكان مهجور منذ القدم تحدث هذه المشاكل وهذا أمر وارد. وعن رأى الدين يقول الشيخ مرزوق ربيع الباحث الإسلامى إن للجن قوة تفوق قوة البشر، وأعمارهم أضعاف أعمارنا، وهم يعيشون معنا على الأرض. وقد اختلفت آراء الفقهاء حول قدرتهم على إيقاع الإيذاء بالبشر، فمنهم من يرى أن يكون لهم تأثير بالسلب أو الإيجاب فى حياة البشر، عن طريق اللبس والمس، أو رد أى عدوان يقع عليهم، أو اقتحام للأماكن التى يسكنون فيها ومنها المقابر، فى حين يعترض آخرون على ذلك، والتواصل بين الجن والإنس مستحيل إلا من خلال الوسوسة، باعتبار أن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم، كما أمرنا الله تعالى بالاستعاذة من أشرار الجن كما نستعيذ من أشرار الإنس، وهذا ما يتضح لنا من خلال سورة «الناس». ويؤكد ربيع أنه لا علاقة بين الحرائق والجان ولا صحة لما يردده أهالى تلك القرية بأن الجان وراء هذه الحرائق، وأن هذا الكلام أقرب إلى قصص الخيال والرعب.