حرارة الأرض مرتفعة بفعل الاحتباس الحرارى.. تلك هى المعضلة الكبرى التى يواجهها العالم فى العقود الأخيرة دون أن يعرف على وجه الدقة ما ستؤول إليه الأمور مستقبلا فى ظل استمرار النشاطات البشرية التى تزيد ارتفاع حرارة سطح الأرض، مع ارتفاع انبعاثات غاز ثانى أكسيد الكربون فى العالم إلى مستوى قياسى هذه السنة بحسب تقرير مشروع الكربون العالمى، وعدم اتخاذ دول العالم أى خطوات حقيقية للحد من التغير المناخى الذى يهدد الكوكب بالفناء، وكأنها تواصل الاتجاه طوعا نحو مصير محتوم. ومع انعقاد قمة المناخ فى نيويورك التى حضرها نحو 120 من قادة الدول الأسبوع الماضى، عاد الأمل فى تحريك المياه الراكدة، وانتفض العالم أملا فى الوصول إلى تعهدات دولية جادة لحماية الأرض، وحاولت قمة نيويورك توفير التعبئة السياسية اللازمة من أجل تعويض خيبة الأمل التى رافقت قمة كوبنهاجن للمناخ فى 2009، والعمل من أجل التوصل لمعاهدة دولية خاصة بالمناخ يتم التصديق عليها فى القمة التى ستعقد فى باريس نهاية عام 2015. من هذا المنطلق، يمكن النظر إلى قمة نيويورك بشأن تغير المناخ، باعتبارها مجرد خطوة تحضيرية لما يصفه البعض ب «الصفقة» التى سيتم التوقيع عليها فى باريس بحضور 200 دولة، وكل ما ذهبت إليه قمة نيويورك هو الاتفاق على التوسع فى استخدام الطاقة المتجددة، ووعود بتقديم مليارات الدولارات لمساعدة الدول النامية لمواجهة التغيرات المناخية، وتضمنت أهداف القمة وقف إزالة الغابات الاستوائية بحلول 2030، وتحسين إنتاج الغذاء، وزيادة حصة السيارات الكهربائية بالمدن إلى 30 بالمائة من السيارات الجديدة المطروحة للبيع بحلول 2030. ومنذ عقدت الأممالمتحدة مؤتمر ستوكهولم المعنى بالبيئة البشرية فى عام 1972، والعالم يطارد شبح الاحتباس الحرارى الذى أطبق على أنفاسه، مرورا بقمة الأرض فى العاصمة البرازيلية ريو دى جانيرو فى 1992، التى أسفرت عما سمى ب «جدول أعمال القرن 21» الذى تناول المشاكل الملحة، وسعى إلى تحضير العالم لمواجهة تحديات القرن الحادى والعشرين، ونتج عن قمة الأرض اتفاقية الأممالمتحدة للتنوع البيولوجى، واتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة التصحر فى البلدان التى تعانى من الجفاف الشديد أو من التصحر وخاصة فى أفريقيا، وفى عام 1997 عقدت الأممالمتحدة ما سمى ب «قمة الأرض+ 5» كدورة استثنائية لاستعراض تنفيذ «جدول أعمال القرن 21» وتقييمه وتقديم التوصيات اللازمة لمواصلة العمل به. وانتظر العالم نحو 12 عاما حتى جاءت اتفاقية «كيوتو» كخطوة تنفيذية لاتفاقية الأممالمتحدة المبدئية بشأن التغير المناخى التى خرجت للضوء فى «قمة الأرض» بالبرازيل، وكان الهدف الأساسى من المعاهدة «تثبيت تركيز الغازات الدفيئة فى الغلاف الجوى للأرض عند مستوى يحول دون تدخل خطير من التدخل البشرى فى النظام المناخى». ونصت معاهدة كيوتو على قيام 38 دولة متقدمة بتخفيض انبعاثات الغازات المسببة لتأثير الدفيئة وذلك بنسب تختلف من دولة لأخرى، على أن يجرى هذا التخفيض خلال فترة زمنية محددة تستمر حتى عام 2012، وبلغت نسبة الخفض المقررة فى حالة الاتحاد الأوروبى 8% أقل من مستوى عام1990، فى حين بلغت هذه النسبة فى حالة الولاياتالمتحدة واليابان 7%، 6% على التوالى. وتشمل هذه الانخفاضات 6 غازات محددة هى: ثانى أكسيد الكربون، الميثان، أكسيد النيتروجين، بالإضافة إلى ثلاثة مركبات فلورية. وبعد خمس سنوات أخرى من اتفاقية كيوتو باليابان، جاءت المبادرات غير الملزمة لقمة نيويورك 2014 حول المناخ، والتى وضعتها تحالفات مختلفة لحكومات وشركات كبرى ومدن ومجموعات اقتصادية ومستثمرون ومنظمات بيئية، لتستهدف المشكلات نفسها، وهى: الحد من تزايد الانبعاثات الضارة التى تزيد من ارتفاع درجة حرارة الأرض، ورغم كل هذه الاتفاقات السابقة، لم يستطع العالم الحصول على تعهدات ملزمة من الدول الأكثر تلويثا لكوكب الأرض، وفى صدارتها الصين التى أزاحت الولاياتالمتحدة عن مركزها كأكبر ملوث صناعى للأرض، ومن بعدهما دول الاتحاد الأوروبى. أما مشهد المتظاهرين الذين وصل عددهم فى نيويورك وحدها إلى 310 آلاف شاركوا فيما سمى ب «مسيرة الشعب من أجل المناخ»، والتى نظمتها 1400 مجموعة نقابية وبيئية وعلمية وطلابية وفنية ودينية من الولاياتالأمريكية، بالإضافة إلى خروج حوالى 2500 تظاهرة فى 158 دولة، شارك فيها نحو 600 ألف شخص، هذا المشهد يبدو أن تأثيره لم يتعد الشكل الديكورى المكمل للقمة، حتى إن أعلى مسئول عن التغير المناخى فى الصين، أكد قبيل قمة المناخ بنيويورك عدم اتخاذ بلاده تعهدات جديدة بهذا الشأن، قائلا إن بلاده ستشرح «بعض الأفعال الإيجابية» التى ستتخذها بعد 2020.