تحت عنوان «بوادر حرب عالمية على داعش وأخواتها» كتبت فى هذا المكان الأسبوع قبل الماضى أن خطر الإرهاب المحدق بالمنطقة العربية والذى سوف يطال أوروبا وأمريكا كما حذّر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز يستدعى شن حرب عالمية على الإرهاب، وهى حرب بدت بوادرها تلوح فى الأفق القريب خاصة بعد التحول المفاجئ فى الموقفين الأوروبى والأمريكى. تبدّت بالفعل بوادر هذه الحرب العالمية على الإرهاب فى مؤتمر باريس الدولى لدعم العراق والذى عقد الأسبوع الماضى بمشاركة ثلاثين دولة غربية وعربية من بينها مصر، وذلك باتفاق الدول المشاركة على ضرورة توجيه رد عالمى عاجل ضد تنظيم «داعش»، وذلك بالتزامن مع دعوة وسعى الرئيس الأمريكى باراك أوباما لتشكيل تحالف دولى يضم مائة دولة - وفقًا لتقديراته - لمحاربة هذا التنظيم الإرهابى. وحين يؤكد الرئيس الفرنسى «فرانسوا أولاند» فى افتتاح مؤتمر باريس على أن معركة العراق ضد الإرهاب هى معركتنا جميعًا، وحين يقول إن التهديد الذى تمثله «داعش» تهديد للعالم كله ومن ثم يجب أن يكون الرد عليه عالميًا، فإن حديثه يتطابق تمامًا مع تحذير خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز من أن الإرهاب المحدق بالمنطقة العربية سوف يطال أوروبا بعد شهر وأمريكا بعد شهرين وهو التحذير الذى تضمن مطالبة دول العالم بالتكاتف للقضاء على الإرهاب. وما بين قرار مؤتمر باريس بتوجيه رد عالمى عاجل ضد تنظيم «داعش» والتحالف الدولى الذى يسعى لتشكيله الرئيس أوباما لمحاربة هذا التنظيم.. تبقى التساؤلات: متى تبدأ الحرب العالمية على داعش؟، وما هى آلياتها؟، وهل ينجح الرئيس الأمريكى فى ضم مائة دولة لهذا التحالف؟، وهل تقتصر الحرب على مجرد توجيه ضربات جوية ضد مواقع التنظيم لن تكون كافية للقضاء عليه نهائيًا وتحرير الأراضى العراقية والسورية التى يحتلها؟، ثم ما هى الدول فى التحالف التى ستدخل الحرب بقوات برية؟، وهل ستشارك دول عربية بجيوشها فى هذه الحرب؟. هذه التساؤلات وغيرها الكثير مما يطرحه المراقبون السياسيون.. ترقبًا لبدء هذه الحرب المزمعة ضد «داعش».. هذه التساؤلات تقابلها علامات تعجب كثيرة أمام كثير من الالتباس الذى يتعين توضيحه بشأن موقف دولتين على وجه التحديد وهما قطروتركيا فى هذا التحالف الدولى وذلك فى ضوء المعلومات المؤكدة عن دعمهما لتنظيم «داعش» وغيره من التنظيمات التكفيرية والإرهابية وفى مقدمتها تنظيم جماعة الإخوان الإرهابية وتنظيمها الدولى المتمركز فى تركيا والراعى الرسمى والخفى فى آن واحد لكافة تنظيمات الإرهاب فى العالم. وفى نفس الوقت فإن التباسًا آخر بشأن موقف الولاياتالمتحدة الداعية لإنشاء التحالف الدولى للقضاء على «داعش» بينما تظل هى المتهم الأول بإقامة هذا التنظيم ودعمه تمامًا مثلما فعلت مع تنظيم «القاعدة» لمحاربة المد الشيوعى السوفيتى فى أفغانستان حتى انقلب السحر على الساحر وتحول نشاط «القاعدة» الإرهابى إلى داخل أمريكا ذاتها فحدث التحول الأمريكى بشن حرب على التنظيم لم تتوقف حتى بعد قتل زعيمه أسامة بن لادن، ولعل ما جرى مع «القاعدة» يفسر هذا التحول الأمريكى إزاء «داعش». وإذا كانت الحرب العالمية المزمع شنها على «داعش» باتت وشيكة وضرورية أيضًا لوأد خطر هذا التنظيم الإرهابى الذى يستشرى فى المنطقة العربية والذى يهدد الأمن العالمى أيضًا، فإنه من الخطأ الجسيم أن تقتصر المواجهة على «داعش» فقط إذ أن هذا التنظيم ليس سوى حلقة فى سلسلة متشابكة من حلقات الإرهاب الذى تتشكل تنظيماته وخلاياه بأسماء مختلفة وإن ظل منهجها الفكرى الإرهابى التكفيرى واحدًا لا يتغير بتغير المكان والزمان. إن إغفال التصدى للإرهاب بتنظيماته المختلفة المتعددة والمتمددة فى المنطقة العربية حسبما جرى فى مؤتمر باريس وفى دعوة الرئيس الأمريكى لإقامة التحالف الدولى.. إنما يعنى فى حقيقة الأمر غيبة الرؤية الاستراتيجية فى هذا التحرك الدولى والذى يتعين أن يكون شاملًا ولا يستهدف تنظيم «داعش» وحده، ولا شك أن غيبة هذه الرؤية الشاملة تثير قدرًا كبيرًا من الشك والريبة فى حقيقة وصدقية أى تحرك دولى للحرب على الإرهاب إذا اقتصر فقط على الحرب على «داعش» وحدها. هذا المعنى هو ما أكده سامح شكرى وزير الخارجية خلال مشاركته فى مؤتمر باريس، إذ أنه بعد إشارته إلى أن دعم العراق فى مواجهة «داعش» يُعد هدفًا عاجلًا يتعين تحقيقه، فإنه حرص فى نفس الوقت على أن يؤكد أن انتشار شركاء «داعش» والجماعات المشابهة فى الفكر والأهداف الظلامية لهو أمر يستحق من المجتمع الدولى نفس الاهتمام. حديث الوزير سامح شكرى أمام المؤتمر عكس بكل وضوح الرؤية السياسية المصرية للحرب على الإرهاب، وهى رؤية لا يغيب عنها جرائم الإرهاب فى الجارة ليبيا والذى تسبب فى الحرب الأهلية الدائرة هناك وفى غيبة الدولة ومؤسساتها حتى أوشكت على الانهيار نهائيًا، وهى رؤية لا يغيب عنها أن الإرهاب فى ليبيا بات يمثل تهديدًا قادمًا من الحدود على الأمن القومى المصرى، ولا يغيب عنها فى نفس الوقت خطر التنظيمات الإرهابية فى سيناء، ولا يغيب عنها أن خطر الإرهاب سوف يمتد ليصل إلى دول المغرب العربى بعد أن استشرى فى المشرق، بل لا يغيب عنها خطر الإرهاب المحدق بالقارة الأفريقية أيضًا. فى سياق هذه الرؤية المصرية لخطر الإرهاب الشامل كانت إشارة وزير الخارجية إلى أن التيار الإرهابى يعمل كشبكة واحدة تمد أطرافها يد العون لبعضها البعض أينما كانت، وهو الأمر الذى يفرض على المجتمع الدولى المواجهة الشاملة ضد هذه الظاهرة باعتبارها ظاهرة واحدة تسعى لجر الجميع إلى الخلف. ولمزيد من الإيضاح للرؤية المصرية كان ضروريًا أن يؤكد الوزير سامح شكرى أمام مؤتمر باريس أنه حان الوقت لإدراك أن الفكر الإرهابى لا يمكن التفاوض معه وصولًا إلى حلول وسط، كما لا يمكن التهاون أيضًا مع دول تسعى لتوظيفه تحقيقًا لأهداف خاصة. ولعل أهم ما جاء فى كلمة وزير الخارجية هى تلك الرسالة الضمنية والبليغة فى نفس الوقت والتى بدا أنها موجهة إلى أمريكا وبعض الدول الأوروبية حين أكد أن مخاطر الإرهاب المحدقة لا يصح معها المخاطرة بمستقبل الشعوب عبر مواءمات لا طائل منها تفسح المجال للتطرف وتوفر له هوامش جديدة للحركة والتأثير، ومن ثم فإن أنصاف الحلول لن تؤدى إلا إلى تفاقم خطر الإرهاب، ولقد تبدّت أهمية ودلالة هذه الرسالة المصرية أمام المؤتمر عندما أردف الوزير بقوله: يُسأل فى ذلك المصريون الذين عانوا على مدى عامين من وصول التطرف إلى سدة الحكم قبل أن يلفظه الشعب المصرى. هذه هى الرؤية المصرية قبل إقامة التحالف الدولى وقبل وبعد مؤتمر باريس وهى الرؤية التى أكدها الرئيس عبد الفتاح السيسى خلال استقباله الأسبوع الماضى لوزير الخارجية الأمريكى ومن بعده وزير الخارجية الفرنسى، حيث شدد على ضرورة أن يكون أى تحالف دولى لمكافحة الإرهاب تحالفًا شاملًا لا يقتصر على مواجهة تنظيم بعينه أو القضاء على بؤرة إرهابية بذاتها (يقصد داعش) ولكن يمتد ليشمل كل التنظيمات الإرهابية سواء فى الشرق الأوسط أو أفريقيا. ?