جاء التحذير الخطير الذى أطلقه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز الأسبوع الماضى من أن الإرهاب الذى يستشرى فى العالم سوف يصل إلى أوروبا بعد شهر وإلى أمريكا بعد شهرين.. جاء بمثابة النداء الأخير لكى يتحرك الجميع.. دوليًا وإقليميًا للتصدى للإرهاب الذى وحسبما قال الملك السعودى لا يجوز السكوت عليه وأنه لن يوقفه إلا المواجهة السريعة للإرهابيين. اهمية التحذير أنه يأتى على لسان حاكم دولة عربية كبرى باتت مستهدفة من الإرهاب، ثم إنه يأتى وبكل تأكيد فى ضوء معلومات أمنية واستخباراتية موثقة رصدتها الأجهزة السعودية حول مخططات «داعش» وغيرها من التنظيمات الإرهابية ليس فى المنطقة العربية فحسب وإنما فى خارج المنطقة أيضًا. وفى نفس الوقت فإن تحذير خادم الحرمين جاء بعد أسابيع قليلة من تحذير الرئيس عبد الفتاح السيسى من أن المنطقة العربية يجرى تدميرها حاليًا فى ضوء ما تشهده كل من سورياوالعراق وليبيا، وهو الأمر الذى يعنى أن خطر الإرهاب المحدق بات مؤكدًا. ولأن الهجمة الإرهابية الخطيرة للتنظيمات والفصائل المنتسبة زورًا وبهتانًا للإسلام وفى مقدمتها تنظيم «دولة داعش» الذى يمارس العنف والقتل والذبح والإبادة العرقية والطائفية والدينية بتوحش وبربرية غير مسبوقة فى التاريخ وعلى النحو الذى فاق جرائم التتار.. لأن هذه الهجمة تنتوى مد إرهابها إلى خارج الإقليم.. إلى أوروبا وأمريكا بهدف إرباك العالم وإلهاء القوى الدولية عن التدخل لدعم دول المنطقة فى التصدى للإرهاب.. .. لهذا كان تحذير خادم الحرمين مهمًا وضروريًا خاصة أنه طالب زعماء العالم ورؤساء الدول حسبما جاء فى تصريحاته بدعم المركز الدولى لمكافحة الإرهاب التابع للأمم المتحدة والذى ساهمت السعودية فى تمويله بمائة مليون دولار. ??? الأمر الآخر هو أن التحذير السعودى أحدث تحولًا كبيرًا ومفاجئًا فى الموقف الأمريكى الأوروبى المتخاذل فى دعم دول المنطقة ضد تنظيمات الإرهاب.. «داعش» و«القاعدة» وجبهة النصرة وعلى النحو الذى تبدّى فى أكثر من تحرك.. حيث توالت ردود الفعل الأوروبية والأمريكية بداية من إعلان واشنطن اعتزامها توجيه ضربة ضد داعش فى سوريا خلال الأيام المقبلة، فى نفس الوقت الذى أعلنت فيه الحكومة البريطانية اعتزامها تنفيذ خطة جديدة لمكافحة الإرهاب على أراضيها تتضمن إجراءات مشددة لفرض قيود على تحركات المتطرفين المشتبه فيهم، بينما قررت حكومة النمسا أن تحذو حذو بريطانيا. حتى ألمانيا ورغم أنها كانت تحظر إرسال أسلحة إلى مناطق النزاع فى العالم.. التزامًا بالتقليد الذى اتبعته منذ الحرب العالمية الثانية، إلا أنها قررت إرسال شحنات سلاح بقيمة سبعين مليون يورو إلى أكراد العراق لمواجهة تنظيم «داعش» بالإضافة إلى خمسين مليون يورو مساعدات إنسانية. وعندما تُبرِّر المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قرار إرسال أسلحة للأكراد بأنه قرار مهم بشأن العراق الذى يشهد فظائع لا يمكن تخيّلها ضد المدنيين، فإنها فى نفس الوقت باتت تدرك جيدًا أن بلادها بل أوروبا كلها لم تعُد بمنأى عن خطر «داعش» وعلى النحو الذى أوضحته بقولها: «إن القرار يخدم أمن أوروبا المهدد بالخطر». ??? وفى سياق هذا التحول المفاجئ فى الموقف الأمريكى المتخاذل فى مواجهة «داعش» وجماعات الإرهاب الأخرى بل الذى بدا داعمًا ولو ضمنيًا لهذه الجماعات فى حربها لتمزيق المنطقة العربية.. فى سياق هذا التحول جاء قرار إدارة الرئيس أوباما المفاجئ أيضًا بتسليم مصر طائرات «الأباتشى» العشر وهو القرار الذى أبلغه وزير خارجيته كيرى إلى سامح شكرى وزير الخارجية فى اتصال هاتفى الأسبوع الماضى. وليس سرًا أن تراجع واشنطن عن إرجاء صفقة «الأباتشى» إنما يؤكد حقيقة مخاطر التهديدات الإرهابية للولايات المتحدة حسبما حذّر خادم الحرمين، وفى نفس الوقت فإن هذا التحول الأمريكى يعكس التسليم بقوة وتماسك الدولة المصرية بعد ثورة 30 يونيو التى أسقطت حكم الجماعة الإرهابية وكذلك بأهمية وضرورة الدور المصرى فى التصدى للإرهاب قبل أن يطال أمريكا ذاتها. ??? وتأكيدًا لأهمية هذا الدور المصرى فى مواجهة خطر الإرهاب بالتنسيق مع القوى الدولية جاءت الجولة الأوروبية لسامح شكرى وزير الخارجية فى كل من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وهى الجولة التى استهدفت إطلاع الأوروبيين على حقيقة الأوضاع الخطيرة التى تشهدها المنطقة العربية بفعل الإرهاب الذى يستشرى حاليًا ويسعى لتمزيق دول المنطقة وتدميرها بل أيضًا تغيير هوية شعوبها. هذا التحرك الدبلوماسى المصرى فى أوروبا واهتمام حكوماتها بالاستماع إلى رؤية القاهرة لما يجرى فى المنطقة من عمليات وحروب إرهابية وبما لها من تداعيات خطيرة على الدول الأوروبية.. إنما يعكس فى واقع الأمر حرص الدولة المصرية على الحفاظ على الأمن القومى العربى والاستقرار السياسى فى الشرق الأوسط والتصدى لخطر الإرهاب فى الإقليم وفى العالم. وبالتزامن مع التحرك الدبلوماسى المصرى فى أوروبا تأتى مباحثات الأمير سلمان بن عبد العزيز ولى عهد السعودية ووزير الدفاع مع الرئيس الفرنسى أولاند وعلى رأسها ملف الإرهاب، حيث تلتقى وجهتا نظر الدولتين باعتباره يمثل تهديدًا دوليًا وإقليميًا لأوروبا والشرق الأوسط ودول الخليج العربية. ??? ورغم أن إسرائيل بمنأى عن إرهاب «داعش» الذى يهدد الشعوب العربية، إلا أن استشعارها لما اعتبرته تهديدات محتملة من جراء هذا الإرهاب كان السبب المباشر والحقيقى فى موافقتها المفاجئة على وقف إطلاق النار فى قطاع غزة. مخاوف إسرائيل من هذه التهديدات المحتملة أفصح عنها بنيامين نتنياهو مؤخرًا فى تبريره لوقف إطلاق النار فى القطاع بأنه استهدف الاستعداد لمواجهة أية تهديدات لأمن إسرائيل حيث يقف تنظيم «داعش» على أبواب الأردن و«القاعدة» فى الجولان وحزب الله فى لبنان، هذه التهديدات المحتملة كانت وراء قراره بوقف العدوان وحسبما قال بالحرف الواحد «قررنا عدم الغرق فى غزة واستعادة الهدوء للإسرائيليين». ولعل خطر الإرهاب الذى يهدد الشرق الأوسط كله وبات يمثل تهديدًا لأوروبا وأمريكا يكون دافعًا لتحرك المجتمع الدولى للتوصل إلى حل عاجل وعادل للقضية الفلسطينية وإنهاء الصراع باعتبار أن استمراره يؤثر سلبًا على جهود التصدى لذلك الإرهاب. ??? يبقى أنه على المجتمع الدولى وخاصة الولاياتالمتحدة وأوروبا ضرورة التنسيق الكامل ومن خلال استراتيجية واضحة مع دول المنطقة وفى مقدمتها مصر والسعودية لوقف هذه الهجمة البربرية الإرهابية التى يشنها تنظيم «داعش» وغيره من الجماعات وفى مقدمتها «جبهة النصرة» و«القاعدة» وأيضًا جماعة الإخوان الإرهابية وتنظيمها الدولى الأب الروحى للإرهاب والمدعومة إقليميًا من كل من دويلة قطر وتركيا التى يعيش رئيسها راعى الإرهاب أردوغان أوهام عودة الخلافة العثمانية غير مدرك أن عجلة التاريخ لا تعود للوراء. ??? إن الخطر المحدق بنا فى منطقتنا العربية ويهدد بتمزيق دولها وتدميرها وتغيير هوية شعوبها والذى سوف يمتد ليطال أوروبا وأمريكا.. يستدعى شن حرب عالمية ضد الإرهاب.. إرهاب داعش وأخواتها، وهى حرب بدت بوادرها تلوح فى الأفق، فهل تبدأ فى القريب العاجل؟ ?