هل يعقل أن تعداد مصر يتجاوز حاليا 90 مليون مواطن، وأن من لهم حسابات مصرفيه منهم لا يتجاوز 10 % من عدد السكان؟ وهل يعقل أن يستمر التعامل «بالكاش» مسيطر على كافة الأنشطة التجارية وغيرها من التعاملات فى مصر؟ فما الذى يمنع المواطنين من التعامل مع البنوك؟ هل هى قلة عدد الوحدات المصرفية وما يعنيه ذلك من زحام وتعطيل؟ أم أن الناس مازالوا يفضلون وضع أموالهم «تحت البلاطة»؟! غنى عن القول أن البنوك ما هى إلا كالشرايين فى الجسد، أى أنها تجمع الأموال من المواطنين (الوادئع) لتعيد ضخها فى الاقتصاد المصرى (القروض) فى صورة مشروعات جديدة أو توسعات لمشروعات قائمة، فضلا عن الأمان والضمان.. فجميع الوادئع فى البنوك مضمونة من قبل البنك المركزى المصرى. وحاليا بحاول المعهد المصرفى المصرى نشر ما يسمى بالثقافة المالية من خلال شعار حساب لكل مواطن، وذلك من خلال تعظيم الاستفادة من القنوات المالية الرسمية متمثلة فى البنوك والمؤسسات المالية الأخرى، وأيضا تحفيز البنوك لتقديم خدمات الأيداع والإقراض فى صورة أفضل وأسهل. وكل هذا سوف يؤدى إلى دفع عجلة التنمية فى مصر، من خلال زيادة الملاءة المالية للقطاع المصرفى. هذه الموضوعات وغيرها ناقشتها ورشة العمل التى نظمهما المعهد المصرفى المصرى مؤخرا مع شعبة المحررين الاقتصادين لمناقشة المستجدات فى هذا المجال فى محاولة لنشر الثقافة المالية فى المجتمع البعد العالمى بداية أوضحت د. منى البرادعى المدير التنفيذى للمعهد المصرفى المصرى من واقع الإحصائيات الرسمية الصادرة عن المؤسسات المالية المحلية والعالمية أن حوالى 2,5 مليار شخص وهو ما يعادل نصف سكان العالم خارج القطاعات المصرفية نتيجة العديد من العقبات المتعلقة بالطلب والعرض وهو ما يرجع بشكل أساسى إلى انخفاض مستوى الوعى والثقيف المالى، وأضافت أن الشركات التى لديها حسابات ائتمانية على المستوى العالمى لا تتعدى 34 % فى الدول النامية فى مقابل تعامل 51 % من هذه الشركات خارج القطاع الرسمى فى مقابل تقلص تلك النسبة إلى 16% فقط فى الدول المتقدمة وفى ذات السياق ذكرت أن نسبة من لديهم حسابات مالية لدى البنوك فى مصر تتراوح من 8 % إلى10 % من إجمالى عدد السكان وهو ما يهدد مستقبل التنمية الاقتصادية بشكل حقيقى. وأضافت أنه انطلاقًا من تلك الأوضاع تولد الاهتمام لدى المنظمات والمؤسسات المالية العالمية وفى مقدتها منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية والبنك الدولى بقضايا التثقيف المالية والتعليم المالى منذ اندلاع الأزمة العالمية العالمية عام 2008 فى إطار مفهوم شمولى هو « التضمين المالى» والذى يعنى زيادة إقبال الأفراد على التعامل مع القطاعات المصرفية فى إطار زيادة نسبة المتعاملين مع البنوك والقنوات المالية الرسمية بالاعتماد على آليات التثقيف المالى التى تساعد على إزالة العقبات المتعلقة بالعرض والطلب مشيرة إلى أن مفهوم التضمين المالى وما يعلق به من مفاهيم أخرى خاصة وبالتثقيف والتعليم ليست غاية فى حد ذاتها بل وسيلة تهدف بشكل أساسى نحو خفض معدلات الفقر وزياة معدلات النمو الاقتصاى بما يحد من تعقيدات النظام الاقتصادى العالمى. وفى ذات السياق أوضحت البرادعى أن ذلك التوجه كان له انعكاساته الإقليمية والمحلية حيث باتت تلك القضايا تتصدر أولويات القطاعات المصرفية فى مختلف دول العالم وأنه على المستوى المحلى أطلق المعهد المصرفى المصرى مبادرة التثقيف المالى منذ اللحظات الأولى لطرح هذه القضايا من جانب المؤسسات المالية العالمية على طاولة الاهتمام عام 2008 وما زال يواصل بجهوده بالتعاون مع الجهات المعنية على كافة المستويات. الاستراتيجيات الوطنية للتثقيف المالى استكمالًا لما سبق ذكرت د. علا الخواجة مدير عام إدارة البحوث والتوعية بالمعهد المصرفى أن وضع استراتيجية للتعليم المالى بات يتصدر أولويات الدول المتقدمة والنامية على حد سواء موضحة أن حوالى أكثر من 45 دولة على المستوى العالمى ما بين متقدمة وناشئة ونامية لديها استراتيجيات قومية للتعليم المالى تهدف إلى زيادة معدلات التثقيف والتعليم المالى موضحة أن تلك اللجنة تنبسق عنها العديد من اللجان الفرعية والتى من المحتمل أن تضم لجنة إعلامية نظرًا لأهمية الإعلام فى التواصل مع القطاعات العريضة من المواطنين علاوة على ما يتميز به من القدرة على العرض المبسط والشرح الوافى لمثل هذه القضايا، وذلك بهدف الإسهام فى صياغة رؤية شاملة للتعليم والتثقيف المالى. وأضافت أنه أيضا فى ضوء الاهتمام المتواصل من المعهد المصرفى المصرى بهذه القضية تم إدراج موضوع «الصيرفة المتضمنة» والتى تعنى بشكل مبسط زيادة رقعة المتعاملين مع الجهازالمصرفى ضمن موضوعات المسابقة السنوية التى ينظمها المعهد ويشارك بها عدد كبير من العاملين بالقطاع المصرفى. ومن ناحية أخرى أكدت الخواجة أنه فى ظل انتشار آليات العولمة المالية وما تحدثه من مستجدات فى النظام الاقتصادى العالمى فإن الأمر يتطلب تكثيف الجهود لتعميق الثقافة المالية وخاصة زيادة الوعى بضرورة الادخار والتخطيط وممارسة النشاط الاقتصادى عبر معاملات مالية داخل القنوات الرسمية بما يسهم فى النهوض بالفرد والمجتمع . التوجه المجتمعى بينما أوضح د. محمد زكريا رئيس قطاع التدريب بالمعهد المصرفى أن القضايا المتعلقة بزيادة قاعدة المتعاملين مع البنوك وزيادة فاعلية هذه التعاملات بما يخدم أهداف التنمية الاقتصادية يتطلب توجها مجتمعيا شاملا تساهم فيه جميع المؤسسات المعنية ممثلة فى القطاع المصرفى والمؤسسات الإعلامية والوزارات المعنية وهيئات المجتمع المدنى بالإضافة إلى ضرورة إسهام جميع الأنشطة المجتمعية، مؤكدًا ضرورة استعادة القيم الثقافية الخاصة بأهمية الادخار والإنتاج تلك القيم التى سادت حقبة الستينيات ولعبت دورًا بالغًا فى دفع عجلة النمو الاقتصادى فى الفترات اللاحقة نظرًا لوجود جيل من المؤمنين بتلك القناعات والقادرين على ممارسة النشاط الاقتصادى بشكل جيد. إنجازات إقليمية ومن جانبه أشار خالد بسيونى مدير عام تطوير الأعمال بالمعهد المصرفى المصرى، إلى أن مصر حصلت على المركز الأول إقليميًا والثانى عالميًا عن جوائز الأسبوع المالى العالمى بفضل تثقيف حوالى 360 ألف طفل ماليًا خلال خمسة أيام عبر 27 محافظة موضحًا أن ذلك جاء بفعل الجهود المكثفة من جانب المعهد بالتعاون مع بنك مصر الذى فتح فروعه للزيارة والتدريب للتلاميذ والطلاب فى 27 محافظة وأضاف أن عينة المدارس التى تم اختيارها كانت تشمل مدارس حكومية فى قرى متطرفة علاوة على المدارس كثيفة العدد ومدارس التربية الفكرية علاوة على اختيار نماذج ممثلة لجميع أنماط المدارس فى مصر وفى سياق متصل كشف عن خطة المعهد قصيرة الأجل موضحًا أنها تتضمن إطلاق «أسبوع الادخار»، فضلا عن توعية مليون طفل وشاب من طلاب المدارس والجامعات وتثقيفهم ماليا. ومن ناحية أخرى أكد بسيونى أن المعهد المصرفى المصرى يعكف حالياً على تبنى مبادرة شاملة التثقيف و التضمين المالى، تستهف نشر الثقافة المالية بين جميع شرائح المجتمع. ويضيف أن هناك 2,5 مليار خارج مظلة الحسابات البنكية على مستوى العالم تبلغ تعاملاتهم المالية اكثر من 5 تريليونات دولار بالكاش وتستحوذ الدول النامية على 70% من تلك النسبة، وذلك ما يحتم ضرورة وضع قضايا التثقيف المالى الثقافة على قائمة أولويات القطاعات المصرفية وخاصة فى الدول النامية هذا ما أكدته د. سوزان حمدى مدير عام الإدارة المركزية للأسواق المالية والاستثمار وعضو اللجنة التنفيذية لبنك مصر، وناشدت بضرورة تدشين نحو 25% من فروع البنوك بالمناطق النائية لتغطية جميع المناطق علاوة على التوسع بشكل عام فى الفروع الصغيرة فى مقابل تقليص عدد الفروع الكبيرة ذات التكاليف الباهظة وذلك بما يلبى متطلبات «التضمين المالى» الذى بما يعنيه ذلك المفهوم من توسيع قاعدة المتعاملين مع القطاع المصرفى، مؤكدة أن ذلك من الممكن أن يساهم بشكل إيجابى فى زيادة الوعى والثقافة المالية ومن ثم ارتفاع نسبة الإقبال على التعاملات المصرفية فى المناطق النائية والتى غالبًا ما يخشى قاطنوها التعامل مع البنوك. وأشارت إلى إن الهدف من الشمول المالى «التضمين المالى» هو تحقيق عدالة فى توزيع الدخل وتخفيض نسبة الفقر واستقرار النظام المالى. ومن جانبه كشف حازم حجازى رئيس قطاع التجزئة المصرفية وشبكة الفروع بالبنك الأهلى، عن جهود مصرفه الرامية إلى زياة نسبة المتعاملين مع البنك، لافتًا أن مصرفه يستهدف إطلاق خدمة «البطاقة المدفوعة مقدماً» بداية يوليو المقبل بفروع البنك. وأضاف أن البطاقة المدفوعة مقدماً تخدم فئات مجتمعية غير متعاملة مع البنوك كاشفًا عن وجود مشاورات حالية يجريها البنك مع جامعة القاهرة للبدء فى تقديم خدمات دفع المصروفات بثلاث كليات بشكل مبدئى عن طريق الخدمة الجديدة، وأوضح أن هنك العديد من الأنشطة التى يمكن تحويل أنظمة الدفع بها إلى أساليب الكترونية بما يصب فى عدة أهداف منها زيادة التعامل عبر آليات القطاع المصرفى وزيادة الوعى وارتفاع معدل التثقيف المالى علاوة على تقليل مخاطر نقل الكاش. شباب المصرفين وأوضح حجازى أن مصرفه نجح بالوصول بعدد مستخدمى تحويل الأموال عبر المحمول إلى 34 ألف متعامل خلال 4 أشهر بفضل الاستعانة بالموظفين الشباب داخل الأفرع لتوعية الأفراد بالخدمة الجديدة والذى من المتوقع أن يتم زيادتهم بالفروع خلال الفترة المقبلة، مشيرًا إلى أن معدلات نجاح ذلك النموذج يتوقف على مدى الحاجة إلى الخدمة وهذا ما جعله يفشل فى الولاياتالمتحدةالأمريكية وينجح فى كينيا والفلبين. مسئول الصالة النسبة الحقيقية لمن لديهم حسابات مصرفية فى مصر تتراوح بين 6 إلى 7 % نتيجة التعقيدات وصعوبة المعاملات نظرًا لعدم مراعاة الإجراءات التى كانت متبعة فى الماضى لخفض وقت التعامل فى ضوء خلال ما يسمى «stop watch» قياس وقت الانتظار على غياب مسئول الصالة الذى كان يتجول فى الصالات للوقوف على مشاكل العملاء والعمل على حلها هذا ما أوضحه فتحى ياسين الخبير المصرفى البارز ورئيس مجلس إدارة البنك الأهلى الأسبق وأوضح أن اجتذاب المزيد من العملاء يتم عبر عدد من الإجراءات تتمثل فى تبسيط الإجراءات وخفض أوقات الانتظار، وإعادة بث ثقة العملاء فى المصارف، ودخول البنوك فى مشروعات متميزة تقوم على دراسات جدوى وقادرة على تحقيق مستوى مقبول من الربحية، بالإضاقة إلى عودة مسئول الصالة، مؤكدًا أن العنصر الأكثر أهمية الذى يجب التركيز عليه وإبرازه إعلاميا هو أن البنك المركزى المصرى ضامن لكافة ودائع المواطنين بالبنوك. ومن جانبه أكد د. أيمن محمد إبراهيم الخبير المصرفى ضرورة إلزام جميع الشركات والجهات العاملة بالدولة بفتح حسابات مصرفية للعاملين بها فى مقابل تقديم البنوك لبعض المزايا مثل ضخ نسبة من الفائدة على الحسابات المجمعة وعمل بطاقات الكترونية مجانًا، موضحًا أن مثل ذلك الإجراء من الممكن أن تضم قائمة المتعاملين مع البنوك على حوالى 26 مليونًا عدد موظفى الدولة علاوة 5 ملايين آخرين من أصحاب المعاشات وهو ما يعنى أن النسبة الكلية لمن لديهم حسابات مصرفية من الممكن أن تزيد على 25 % وهو ما يساهم بشكل إيجابى فى دفع عجلة التنمية الاقتصادية. وبخلاف ما سبق يوصى إبراهيم بضرورة العمل نحو نقل منظومة التداول المالى من المعاملات اليدوية بالكاش إلى المعاملات الإلكترونية عبر التقنيات التكنولوجية الحديثة بما يساعد على زيادة الوعى عن الثقافة المالية وفى ذات الوقت زيادة قاعدة المتعاملين مع الجهاز المصرفى وضم الشرائح الاجتماعية المستهدفة. الحاجز النفسى ويتفق مع هذه الرؤية د. مختار الشريف أستاذ الاقتصاد جامعة بنها موضحًا أن التثقيف المالى ينبغى أن يتم فى إطار من تغيير الثقافة الاقتصادية للمجتمع بشكل مع ضرورة أن يتم ذلك خلال مختلف هيئات ومؤسسات الدولة فى إطار من العمل الإعلامى المنظم والداعم لتغيير الثقافة الاقتصادية للمجتمع. وبخلاف ما سبق أكد ضرورة العمل الجاد على كسر الحاجز النفسى بين المواطنين والبنوك الذى يعد من أهم أسباب عزوف الكثيرين عن فتح حسابات مصرفية لدى البنوك.