فيما أكد مصرفيون على أهمية الدور الذى لعبه المعهد المصرفى خلال السنوات الماضية فى زيادة الثقافة المصرفية والمالية لدى المواطنين، إلا أن الوضع فى السوق المصرية يحتاج إلى زيادة تلك الثقافة، لزيادة عدد المتعاملين مع البنوك وزيادة المدخرات، لتحقيق علاقة مالية مستدامة والمساهمة فى زيادة معدلات النمو الاقتصادى عبر تكثيف تمويل الاستثمار. الدكتورة هالة السعيد، عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، أكدت أن المرحلة الحالية تتطلب الاتجاه إلى تحقيق نمو مستدام، موضحة أن القطاع المصرفى هو الأكثر جدارة بلعب دور محورى فى ذلك الإطار، لا سيما أنه الأكثر صلابة وتماسكاً ويتمتع بثقة المتعاملين معه بشكل كبير، موضحة أن البنوك لعبت دوراً حيوياً ومهماً فى الحفاظ على الاستقرار الاقتصادى والنقدى للبلاد خلال الثلاث سنوات الماضية. وأشارت إلى أن صناعة الخدمات المالية كانت تعتمد فى السابق على جانب العرض فقط، إلا أن الاتجاه نحو تحقيق النمو المستدام أبرز الاهتمام بجانبى العرض والطلب معا، لتقديم الخدمات الملائمة للأفراد فى المجتمع، مشيرة إلى أن عرض وإتاحة الخدمات المالية فقط لا يكفى، فيما يجب تفعيلها وزيادة المتعاملين مع البنوك. وأضافت أنه يجب العمل على حل المشكلات والعقبات التى تحول دون زيادة المتعاملين مع البنوك، والتى تختلف من دولة لأخرى حسب درجة المستوى الاقتصادى، لافتة إلى أن متوسط دخل الفرد يحدد حجم شريحة المتعاملين مع البنوك. وأوضحت أن إتاحة أدوات مالية متنوعة ومختلفة تسهم فى زيادة المتعاملين مع البنوك وهو ما ينعكس فى النهاية على معدلات النمو الاقتصادى، من خلال زيادة المدخرات، ومن ثم تمويل عمليات الاستثمار التى تحقق نمواً مستداماً لأعمال البنوك. منير الزاهد، رئيس مجلس إدارة بنك القاهرة، قال إن مفهوم الاستدامة من القضايا المهمة التى تؤثر على العلاقات طويلة الأجل مع العملاء، وإن الإدارات الحكيمة هى التى تتخذ قراراتها قصيرة الأجل بما يتماشى مع نمو الأعمال المتوقع فى المستقبل. وأشار إلى أن تهيئة المناخ الاقتصادى والسياسى وزيادة الثقافة المالية، عوامل يجب توفيرها للبنوك لتحقيق النمو المستدام واقتناص حصة سوقية أكبر واستقطاب عملاء جدد، لافتاً إلى أن تحقيق ذلك النمو مسئولية مشتركة بين مجموعة من الأطراف المترابطة من قطاع مصرفى وحكومة ومجتمع مدنى وإعلام، مشيراً إلى أن لكل مؤسسة دورها فى زيادة الوعى المالى لدى الأفراد وإتاحة الأدوات المالية المختلفة بالسوق. وقال على الرغم من أن المعهد المصرفى ساهم فى زيادة التثقيف المالى خلال السنوات الماضية فإن السوق فى حاجة إلى زيادته مستقبلاً لزيادة معدلات الادخار وحجم الأعمال المصرفية، وهو ما يحتاج أيضاً إلى زيادة الانتشار الجغرافى للفروع. وأشار إلى أن القطاع المصرفى يخدم حوالى 20 مليون عميل، منهم 6 ملايين موظف حكومى، الأمر الذى يتطلب معه توسيع نطاق الخدمات المالية وتنوعها، لتلائم شرائح مختلفة من العملاء، لإضافة عملاء جدد وزيادة حجم المدخرات، لافتاً إلى أن التوسع فى تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر يعزز من زيادة المتعاملين مع القطاع المصرفى، الأمر الذى يتطلب توسع البنوك فى تلك المجالات لمساعدة الأفراد فى الحصول على التمويل اللازم لمشروعاتهم. وتابع أن القطاع الخاص يساهم بنحو 90% من النمو فى أى اقتصاد، الأمر الذى يعكس أهمية توفير التمويل اللازم له ومساندته، مؤكداً أن ارتفاع عجز الموازنة العامة للدولة يقف عائقاً أمام توسعها فى تنفيذ المشروعات والاستثمارات، وهو ما يعزز أهمية الاستفادة من نظام المشاركة مع القطاع الخاص، موضحاً أن نحو 60% من المشروعات التى تطرحها المملكة المتحدة يتم تنفيذها بتلك الطريقة. وحدد الزاهد 5 عوامل أساسية لخلق علاقة مستدامة مع العملاء، تتضمن بناء ثقة متبادلة بين العميل والبنك، والشفافية وتفهم احتياجات العميل، وإطلاع العملاء على إمكانيات المصرف والقواعد المنظمة له، بالإضافة إلى أهمية مصارحة العميل بالوضع المالى. وأضاف أن على البنوك بذل مزيد من الجهد لكسب ثقة العملاء واستقطاب عملاء جدد للتعامل مع القطاع المصرفى خلال الفترة المقبلة. وقال يوهانس مايوفسكى، منسق البرامج بمؤسسة «جى آى زد» العالمية، إن هناك 3 ركائز أساسية لتحقيق الشمول المالى، وهى توافر قواعد منظمة لحماية العملاء من جانب الجهات المسئولة من بنوك مركزية وحكومات، إلى جانب أهمية الالتزام بالمعايير السلوكية والأخلاقية لدى المؤسسات التمويلية نفسها، فضلاً عن ضرورة زيادة وعى العملاء والقدرة المالية لهم. وأشار إلى وجود تحديات لحماية العملاء فى الأسواق المالية المختلفة، لا سيما فى حالة تكبدهم تكاليف مرتفعة فى حالة الشكوى أو ارتفاع أسعار الفائدة الذى يحرمهم من الحصول على التمويل الملائم لهم. وتابع أن هناك ضوابط تنظيمية تصدر من بعض المؤسسات المالية بعيداً عن الجهة الرقابية، والمشكلة فى هذه الضوابط هى كيفية تفعيلها ومراقبتها من خلال اللجان التنفيذية بالمؤسسات المالية. وعن الركيزة الثالثة المتعلقة بضرورة زيادة ثقافة العملاء والأفراد، قال يوهانس إن هناك ما يسمى محو الأمية المالية لدى الأفراد بالمجتمع، الذى يساهم فى زيادة قدرة الأفراد على اختيار الحلول المالية المناسبة لهم. وأشار إلى التجربة الألمانية التى تخصص آخر يومين من شهر أكتوبر لتشجيع ثقافة الادخار لدى الأفراد، لتطلق عليه «يوم الادخار العالمى»، لافتاً إلى تعاون البنوك الكبرى مع مؤسسات المجتمع المدنى غير الهادفة للربح لنشر ثقافة الادخار وأهميته لدى الشرائح العمرية المختلفة. واتفق معه دانييلى سكايسو، المدير الإقليمى لمؤسسة التمويل الدولية للأطفال والشباب CYFI، أن تشجيع الادخار لن ينصب فقط على الفئات العمرية الكبرى بل لا بد أن يمتد ليشمل الشباب والأطفال، لا سيما أن الفئات العمرية التى تقل عن 18 سنة تمثل معظم سكان العالم. وأعلن عن إطلاق مؤسسته مبادرة لتشجيع تمويل الأطفال والشباب هذا الأسبوع على مستوى العالم، لتمكين هذه الفئة العمرية من التعامل مع المؤسسات المالية من الصغر بما يرفع من ثقافتهم المالية. وحول استفادة البنوك من التوجه نحو الشباب والأطفال، قال دانييلى إن تعامل العملاء مع البنوك منذ سن مبكرة يرفع من الثقافة المالية، ويرفع قدرتهم المستقبلية على التعامل مع المؤسسات المالية، بما يرفع من عدد العملاء المستقبلين للمؤسسة ويضمن لها استثمارات طويلة الأجل.