تبنى الدستور المصرى الجديد ما سبق أن دعونا إليه فى مقالات متعددة نُشرت بمجلة أكتوبر فى الأعداد السابقة، من ضرورة توضيح وتحديد المسئوليات القانونية والدستورية المختلفة لرئيس الدولة فى الدستور الجديد لسنة 2013، ومن المسلّم به أن سلطات رئيس الدولة المتعددة – التى سبق تناولها فى مقالات سابقة - لابد أن تقابلها مسئوليات قانونية، ويثور التساؤل عن ما هى المسئوليات المترتبة على مخالفة رئيس الجمهورية لواجباته وسلطاته المنصوص عليها فى الدستور الجديد وفى القوانين المختلفة، وقد تعرّضنا لسلطات رئيس الجمهورية فى مقالات سابقة تحدثنا فيها عن المركز الدستورى لرئيس الدولة وعن السلطات الدستورية لرئيس الجمهورية، وعن الصلاحيات الدستورية لرئيس الجمهورية، وسوف نتناول فى هذا المقال المسئوليات المترتبة على مخالفة رئيس الدولة لواجباته الدستورية والقانونية المختلفة، وذلك فى البنود التالية. أولاً: أنواع المسئوليات التى قد يتعرض لها رئيس الدولة: يترتب على مخالفة رئيس الدولة لواجباته وللدستور وللقوانين مسئوليات دستورية وقانونية متعددة هى ما يأتى : 1- المسئولية الأولى: هى المسئولية الجنائية وجزاؤها منصوصٌ عليه فى قانون العقوبات والتشريعات الجنائية الخاصة ومنها قانون محاكمة رئيس الجمهورية رقم 247 لسنة 1956. 2- المسئولية الثانية: هى المسئولية المدنية وجزاؤها أن من حق المضرور من تصرف رئيس الدولة أن يقيم الدعوى المدنية المناسبة للتعويض عمّا أصابه من أضرار مادية أو أدبية نتيجة التصرف الخاطئ الذى قد يصدر عن رئيس الدولة. 3- المسئولية الثالثة: هى المسئولية السياسية، وهى عبارة عن مسئولية رئيس الدولة تجاه السلطات التشريعية والقضائية والأحزاب السياسية وغيرها من تصرفاته المخالفة للدستور والقانون، ويقع ذلك تحت طائلة قوانين محاكمة الرؤساء والوزراء وإفساد الحياة السياسية والكسب غير المشروع مثل القانون رقم 247 لسنة 1956 بشأن محاكمة رئيس الجمهورية والوزراء، والقانون رقم 79 لسنة 1958 بشأن محاكمة الوزراء، والمرسوم بقانون رقم 344 لسنة 1952 بشأن جريمة إفساد الحياة السياسية المعدل بالقانون رقم 173 لسنة 1953، والمرسوم بقانون رقم 131 لسنة 2011، وقانون الكسب غير المشروع رقم 62 لسنة 1975 المعدل. ونحن نرى أن المسئولية السياسية هى من أهم المسئوليات التى قد يتعرض لها رئيس الدولة أثناء رئاسته لأنها إذا ثبتت ضده فإنها يترتب عليها إنهاء تاريخه السياسى واستقالته أو سحب الثقة منه أو عدم إمكانية نجاحه فى الانتخابات الرئاسية القادمة وهذه المسئولية السياسية تقابل المسئولية التأديبية بالنسبة للموظف العام العادى. *** ثانياً: كيفية اتهام رئيس الدولة بانتهاك أحكام الدستور: أوضحت المادة مائة وتسعة وخمسون من الدستور أنه: يكون اتهام رئيس الجمهورية بانتهاك أحكام الدستور، أو بالخيانة العظمى، أو أية جناية أخرى، بناء على طلب موقع من أغلبية أعضاء مجلس النواب على الأقل، ولا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثى أعضاء المجلس، وبعد تحقيق يجريه معه النائب العام. وإذا كان به مانع يحل محله أحد مساعديه. وبمجرد صدور هذا القرار، يُوقف رئيس الجمهورية عن عمله، ويعتبر ذلك مانعاً مؤقتاً يحول دون مباشرته لاختصاصاته حتى صدور حكم فى الدعوى. ونحن نرى أن هذه المادة قد جعلت من الصعب بل من المستحيل محاسبة الرئيس فمن غير الممكن ضمان توافق ثلثى أعضاء مجلس النواب على رحيل رئيس الجمهورية وبعد الفشل فى توافق ثلثى أعضاء المجلس من المؤكد أن الرئيس سيفكر جديا فى حل مجلس النواب ومن غير المعقول أن يستمر هذا الموقف المتأزم بين الرئيس ومجلس النواب بينما من حق الرئيس حل المجلس وعلى هذا الأساس سوف يتردد الأعضاء فى تقديم أى طلب إحالة للمحاكمة ضد الرئيس وذلك للصعوبة البالغة فى الحصول على أغلبية ثلثى أعضاء المجلس ، وعلى هذا الأساس تُعد هذه المادة ليس لمحاسبة الرئيس بل هى لمنع محاسبة الرئيس وذلك بسبب نسبة الثلثين التى اشترطتها المادة. *** ثالثاً: تشكيل المحكمة الخاصة بمحاكمة رئيس الدولة: أبانت المادة مائة وتسعة وخمسون من الدستور فى فقرتيها الثانية والثالثة أن يحاكم رئيس الجمهورية أمام محكمة خاصة يرأسها رئيس مجلس القضاء الأعلى، وعضوية أقدم نائب لرئيس المحكمة الدستورية العليا، وأقدم نائب لرئيس مجلس الدولة، وأقدم رئيسين بمحاكم الاستئناف، ويتولى الادعاء أمامها النائب العام، وإذا قام بأحدهم مانع، حل محله من يليه فى الأقدمية، وأحكام المحكمة نهائية غير قابلة للطعن. ويُنظم القانون إجراءات التحقيق، والمحاكمة، وإذا حكم بإدانة رئيس الجمهورية أُعفى من منصبه، مع عدم الإخلال بالعقوبات الأخرى. وقد أوضحت ذلك قوانين محاكمة الرؤساء والوزراء وإفساد الحياة السياسية والكسب غير المشروع مثل القانون رقم 247 لسنة 1956 بشأن محاكمة رئيس الجمهورية والوزراء، والقانون رقم 79 لسنة 1958 بشأن محاكمة الوزراء، والمرسوم بقانون رقم 344 لسنة 1952 بشأن جريمة إفساد الحياة السياسية المعدل بالقانون رقم 173 لسنة 1953، والمرسوم بقانون رقم 131 لسنة 2011، وقانون الكسب غير المشروع رقم 62 لسنة 1975 المعدل. *** رابعاً: مدى جواز سحب الثقة من رئيس الدولة: أجازت المادة مائة وواحد وستون من الدستور لمجلس النواب اقتراح سحب الثقة من رئيس الجمهورية، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، بناءً على طلب مسبب وموقع من أغلبية أعضاء مجلس النواب على الأقل، وموافقة ثلثى أعضائه. ولا يجوز تقديم هذا الطلب لذات السبب خلال المدة الرئاسية إلا مرة واحدة. وبمجرد الموافقة على اقتراح سحب الثقة، يطرح أمر سحب الثقة من رئيس الجمهورية وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة فى استفتاء عام، بدعوة من رئيس مجلس الوزراء، فإذا وافقت الأغلبية على قرار سحب الثقة، يُعفى رئيس الجمهورية من منصبه ويُعد منصب رئيس الجمهورية خالياً، وتجرى الانتخابات الرئاسية المبكرة خلال ستين يوماً من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء. وإذا كانت نتيجة الاستفتاء بالرفض، عُد مجلس النواب منحلا، ويدعو رئيس الجمهورية لانتخاب مجلس جديد للنواب خلال ثلاثين يومآ من تاريخ الحل. ونحن نرى أن نظام الحكم فى دستور 2013 هو نظام شبه رئاسى حيث يمنح صلاحيات واسعة لرئيس الوزراء فى إدارة الحكومة والسلطة التنفيذية على أساس جواز سحب الثقة من الرئيس عن طريق البرلمان وهذا الأمر على النقيض من دستور 2012 الذى لم ينص على إمكانية سحب الثقة من الرئيس من جانب البرلمان، وهو ما يعكس السلطات الواسعة التى مُنِحَت للبرلمان فى دستور 2012 الملغى مقابل تقليص صلاحيات الرئيس فى دستور 2013، كما أن إجراء استفتاء على سحب الثقة من رئيس الجمهورية يُجنِّب البلاد احتمال قيام ثورات شعبية غاضبة على الرئيس. ونحن نرى أن هذه المادة تتميز بأنها أعطت سلطات واسعة للبرلمان لم تكن موجودة فى دستور 2012 الملغى فى مقابل تقليص صلاحيات الرئيس وهو ما تم النص عليه صراحة فى هذه المادة من إمكانية قيام البرلمان بسحب الثقة من رئيس الجمهورية وهو ما لم يتم ذكره فى دستور 2012 الملغى ونجد أن هذه المادة بالإضافة إلى المادة (147) من دستور 2013 التى اشترطت موافقة مجلس النواب على طلب رئيس الجمهورية إعفاء الحكومة وكذلك موافقة مجلس النواب على قيام رئيس الجمهورية بعمل تعديلات وزارية زادت من حجم السلطة الممنوحة للبرلمان وذلك على خلاف ما جاء فى دستور 2012 الملغى. كما أننا نرى أن هذه المادة تتميز بأنها أجازت سحب البرلمان الثقة من رئيس الجمهورية وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة بناءً على طلب مسبب وموقع من أغلبية أعضاء البرلمان، وموافقة ثلثى أعضائه. وهذه المادة كانت مقيدة فى الدساتير السابقة ومقتصرة على «جريمة الخيانة العظمى» لكنها الآن اتسعت لتشمل الخلاف السياسى بين البرلمان والرئاسة، وأيهما يسبق ويقتنع به المجتمع تكون له الغلبة والقبول الشعبى. فإذا وافق الشعب فى الاستفتاء بأغلبية الأصوات فى هذه الحالة يُعد منصب رئيس الجمهورية شاغراً وإذا رفض الشعب رحيل رئيس الجمهورية فى هذه الحالة يٌعد البرلمان منحلاً وذلك منعاً للصراع السياسى بين الرئيس ومجلس النواب. *** وفى الختام فإنه لا يفوتنا التنويه إلى أن واجب إبلاغ السلطات العامة عن المخالفات الدستورية والقانونية هو واجب دستورى عام على جميع المواطنين وهو أمر تُوجبه الأخلاق وقواعد الشريعة الإسلامية والدستور والقانون المصرى.