على الصعيد السياسى تتشكل من جديد معالم عالم موازى، يسعى للتصدى للهيمنة الأمريكية وحلفائها، بقيادة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين رجل المخابرات الأريب الذى تصدر المشهد السياسى الدولى منذ ظهوره عام 1999 وارتداؤه لفراء (الدب الروسى) الزعيم، والتى بدأها بتعزيز نفوذه عبر تحالفات تضم دولاً أخرى ترفض سياسة القطب الواحد بقيادة أمريكية ويتجسد هذا التحالف اقتصاديا فى تشكيل مجموعة البريكس والتى تهدف لاعتماد نظام مالى عالمى جديد متعدد الأقطاب لا يعتمد على الدولار الأمريكى واعتماد بنك للتنمية وصندوق يدعم المجموعة ضد التقلبات الاقتصادية المفاجئة ويكون هذا البنك بديلاً للبنك الدولى والصندوق الدولى الخاضعين للهيمنة الأمريكية. وقد اعتبر البعض أن هذه الخطوة تأتى كرد عملى على العقوبات الاقتصادية التى فرضتها الولاياتالمتحدة وحلفاؤها بالإضافة إلى تعليق عضوية روسيا فى مجموعة الثمانية ردا على القرار الروسى بضم جزيرة القرم إلى التبعية الروسية متجاهلين أن قرار الضم هذا جاء برغبة شعبية عبر صناديق الاستفتاء. وقد فسر عدد من المحللين هذه الخطوة بأنها تهدف لاستعادة الدب الروسى لنفوذه القديم وتشكيل اتحاد أوراسيا شبيه بالاتحاد الأوربى ويضم هذا التحالف دول الاتحاد السوفيتى السابق ويقوم على تعاون سياسى اقتصادى ليبرالى لمواجهة النفوذ الأمريكى - الأوروبى. وقد صاحب هذه الخطوة ما أعلنه الرئيس الروسى فى خطابه السنوى وفجر خلاله الخلافات داخل الاتحاد الأوروبى وكشف رغبة بريطانيا فى الانفصال عن الاتحاد احتجاجاً على اختيار جان كلود لمنصب رئيس المفوضية الأوروبية (الذراع التنفيذى للاتحاد)، بالإضافة لاعتراضه على العقوبات الاقتصادية التى فرضتها الولاياتالمتحدةالأمريكية على بعض البنوك الفرنسية الكبرى للضغط على فرنسا لعدم اتمام صفقة سلاح روسية فرنسية تساهم هذه البنوك فى تمويلها، وفى نفس الوقت فجر قضية برامج التجسس الأمريكية التى طالت القيادات الألمانية. وتأتى هذه الخطوات كلها ضمن برنامج طموح يسعى بوتين من خلاله لمواجهة معارضيه فى عقر دارهم ولذلك جاءت زيارته الأخيرة لدول أمريكا اللاتينية والتى تعتبرها الولاياتالمتحدةالأمريكية منطقة نفوذ تابعة لها وبدأ جولته بلقاء الزعيم الكوبى فيدل كاسترو الحليف القديم الذى قاد حركة المعارضة ضد الهيمنة الأمريكية داخل أمريكاالجنوبية طوال الخمسين عاما الماضية وأعلن بوتين إلغاء أكثر من 90% من الديون الروسية البالغة 35 مليار دولار أمريكى وتوظيف الجزء المتبقى لتمويل مشاريع استثمارية كوبية روسية، بالإضافة لتفعيل قاعدة التنصت الروسية الواقعة فى منطقة لورد والتى تبعد حوالى 20 كيلومتر جنوب هافانا الأمريكية. وقد شملت الزيارة أيضاً لقاءه مع عدد من القيادات الدولية ليثبت للجميع أنه مقاتل صلد يستطيع الصمود طويلاً ليصل لأهدافه التى أعلنها وبوضوح تام منذ شغله لمنصبه الرئاسى.