نستطيع أن نقول - دون خجل أو مواربة - إن القضية الفلسطينية فقدت جزءًا غير قليل من تعاطف المصريين.. والسبب حماس وما اقترفته من أخطاء وخطايا فى حق مصر وشعب مصر وجيش مصر! لا يمنع ذلك من أن المصريين على المستوى الشعبى يدينون العدوان الإسرائيلى على غزة ويرفضون ممارسات إسرائيل الهمجية ويستنكرون سياسة العقاب الجماعى التى تمارسها.. ثم أن المصريين لا يزالون رغم كل مشاعرهم الكارهة لحماس وممارسات حماس.. لا يزالون قادرين على التفرقة بين حماس وبين بقية الشعب الفلسطينى. أما على المستوى الرسمى.. الرئيس والحكومة والدولة.. فلم يتغير شىء فى موقف مصر من القضية الفلسطينية.. فلا تزال مصر تدافع عن فلسطين كأنها تدافع عن أمنها القومى. وعلى الرغم من أن مصر لا تحتاج شهادة من أحد لكن العالم كله يشهد على الموقف المصرى الرسمى من اعتداء إسرائيل على غزة. على سبيل المثال وليس الحصر.. نسمع أحمد عساف المتحدث الرسمى باسم حركة فتح يقول ويؤكد إن مصر بدأت التحرك منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلى على غزة.. حيث قام الرئيس السيسى بالاتصال بالأمين العام للأمم المتحدة.. بان كى مون.. وبناء على هذا الاتصال عقدت جلسة مجلس الأمن بشأن غزة.. ثم إن الرئيس السيسى أمر بفتح معبر رفح لإدخال الجرحى الفلسطينيين للعلاج فى مصر.. وإدخال المساعدات الطبية والغذائية التى قدمها الجيش المصرى لأبناء غزة. ونسمع من مصدر مسئول بوزارة الخارجية الإسرائيلية أن الرئيس السيسى بعث بخطاب شديد اللهجة للحكومة الإسرائيلية.. هدد فيه بقطع العلاقات الدبلوماسية والقيام بتصعيد دولى ضد دولة إسرائيل. ونسمع من تونى بلير مبعوث اللجنة الرباعية الدولية لعملية السلام فى الشرق الأوسط.. نسمع تصريحات تشيد بجهود مصر لوقف العدوان الإسرائيلى وتأكيدات بأن القاهرة هى الأكثر قدرة على إقناع الجانبين.. الإسرائيلى والفلسطينى بالتوصل إلى تهدئة. ثم إن الاتصالات التى تقوم بها مصر مع الأطراف الفاعلة والتى لم تنقطع منذ وقوع العدوان الإسرائيلى وحتى الآن.. لم تتوقف لحظة واحدة. ونسمع تأكيدات رسمية مصرية بأنه لا يمكن لمصر تحت أى مبرر أو مسمى أن تتخلى عن أشقائها الفلسطينيين سواء فى قطاع غزة أو فى الضفة الغربية. وأخيرًا.. تطلق مصر مبادرتها التى تشمل التزام إسرائيل وكافة الفصائل الفلسطينية فى قطاع غزة بوقف جميع الأعمال العدائية والتوقف تمامًا عن إطلاق النار. وكالعادة تقابل حماس ما تفعله مصر بمزيد من الأخطاء والخطايا! *** أعلنت حماس رفضها للمبادرة المصرية.. وفيما يشبه التطاول على مصر وقيادتها قالت حماس من خلال تصريحات جناحها العسكرى إن المبادرة المصرية هى فى حقيقتها دعوة مجانية لإسرائيل للقضاء على الفلسطينيين.. ووصفت المبادرة بأنها مبادرة ركوع وخنوع وأنها لا تساوى الحبر الذى كتبت به.. على حد تعبير المتحدث باسم كتائب القسام (الجناح العسكرى لحركة حماس)! المفارقة أن إسرائيل والحكومة الفلسطينية وافقتا على المبادرة المصرية.. ففى إسرائيل قرر المجلس الوزارى الإسرائيلى المصغر للشئون السياسية والأمنية قبول المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة.. وفى رام الله رحبت الحكومة الفلسطينية بالمبادرة المصرية لوقف العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة.. وثمنت الحكومة الفلسطينية الجهود المصرية لحماية الشعب الفلسطينى. ويطرح السؤال نفسه.. لماذا ترفض حماس المبادرة المصرية رغم أنها تدرك أن عدم قبولها للمبادرة معناه استمرار نزيف الدم الفلسطينى؟ والحقيقة أن الإجابة تشمل أسبابًا كثيرة منها أن حركة حماس - التى هى جزء من حركة الإخوان المسلمين - لا تريد لمصر أن تعود لدورها الطبيعى فى المنطقة.. ولذلك ترفض أن يكون الحل عن طريق مصر خاصة فى ظل نظام السيسى الذى يقف الإخوان منه موقف العداء! ويبدو أن حماس أيضًا كانت تتوقع من المبادرة المصرية مكاسب سياسية تعوضها عن موقفها الضعيف فى الشارع الفلسطينى كفتح المعابر وإنهاء الحصار.. لكن هل من المعقول والمنطقى أن توافق إسرائيل - التى هى فى موقف القوة - على مطالبات حماس التى هى فى موقف الضعف؟! هل يكون معقولًا ومنطقيًا أن تشترط حماس مثل هذه الشروط قبل وقف إطلاق النار واستقرار الأوضاع؟! أضف لهذا كله أن خروج حماس من معركة غزة بدون أى مكسب سياسى معناه أنها فقدت رصيدها تمامًا فى الشارع الفلسطينى. ولا يهم حماس بعد ذلك تدمير غزة ولا يهمها نزيف الدم الفلسطينى.. كل ذلك بالنسبة لحماس يأتى فى المرتبة الثانية، أما المرتبة الأولى فهى بقاء حماس فى السلطة بأى ثمن وبأى طريقة. الإخوان هم الإخوان فى أى مكان وفى أى زمان.. فى مصر أو فى غزة!.. ولهذا السبب لا يتوقف مسلسل أخطاء وخطايا حماس! *** منذ بداية العدوان الإسرائيلى على غزة وحماس تسعى بكل الطرق لتوريط مصر فى حرب عسكرية غير محسوبة النتائج وفى توقيت لم تختره مصر. كتائب القسام أعلنت أنها تهدى عملية إطلاق الصواريخ التى قامت بها على إسرائيل لأرواح الشهداء من جنود مصر فى حرب 1973. كتائب القسام تنسى أو تتناسى ما قامت به ضد الجيش المصرى وتورطها فى أعمال إرهابية ضده. خالد مشعل رئيس المكتب السياسى لحركة حماس أعلن من قطر.. وبدون خجل.. أنه ينتظر نخوة جيش مصر العظيم لأمته العربية.. وأين نخوة حماس وكتائب القسام لمصر والمصريين؟!.. أين نخوتهم عندما قاموا باختطاف ضباط مصريين واستخدموا الإنفاق أسوأ استخدام لتهديد أمن مصر القومى؟! أين هذه النخوة؟! ولأننا اتفقنا أن الإخوان هم الإخوان فى كل مكان وزمان فلم يكن غريبًا أن يسير إخوان مصر فى نفس الاتجاه فنسمع منهم انتقادات لموقف مصر من غزة ومن العدوان عليها.. مع أنهم أوقفوا فى زمن حكم الإخوان كل الشعارات التى كانوا يستخدمونها ضد إسرائيل قبل وصولهم للحكم.. ومع أن رئيسهم محمد مرسى كان يعتبر شيمون بيريز رئيس الكيان الصهيونى.. «صديقه الحميم»!. *** أخطاءحماس وخطاياها سحبا الكثير من رصيدها فى الشارع المصرى.. لكن ذلك لم يمنع مصر من تقديم الدعم للقضية الفلسطينية.. ولم يمنع الشعب المصرى من مد يد العون لأشقائه الفلسطينيين. لأنها مصر.. ولأنهم المصريون!